وأنا أقرأ مؤخرا قراءة جديدة لرواية سرفانتس “طواحين الهواء” إستغربت لما علمت أنه قبل أن يكتبها سجن بالجزائر العثمانية لمدة خمس سنوات، ومن هنا ربطت الموضوع بهذا البطل من نمر “شنقريحة” الذي هو أحد أبناء جيش الإشكينازي التركي الذي يكره المغرب، وكيف يحاول أن يحارب بلد بحجم المملكة المغربية.
غريب أمر هذا العسكري العجوز.. يتحدث في كل شيء.. من التعليم.. إلى التنمية والفلاحة.. إلى الدور الإستراتيجي والإقليمي للجزائر.. طبعا هو القائد الفعلي لنظام جمهورية كوميديا العسكر، علما ان كل الدول التي يسيرها زمرة العسكر سياسيا.. يكون مصيرها الفشل والإفلاس الاقتصادي.
في تصريح غريب ينم عن تخبط دولة أنشأت سنة 1962 من طرف فرنسا، لا تعرف تقاليد الدول العظمى إقليميا كالمغرب كيف تصنع ثقافة السلام والحرب، طلع علينا هذا النمر من ورق، يهدد المغرب وينعته بأوصاف غريبة عن قيم وشيم مملكة شريفة آمنت دائما بحسن الجوار والتاريخ المشترك بين البلدين.
لقد رجح مراقبون، أن هذا نمر من ورق ، قد دمرته فكرة المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية عبر الإشارات للملف الذي نشرته مجلة “ماروك إيبدو”.
حيث قال مؤخرا : “ويبدو أن هذه الحركية الإيجابية التي تعرفها بلادنا لم تعجب أعداء الشعوب وعملاؤهم، وجعلتهم يفقدون صوابهم، إذ راحوا يستنفرون أبواقهم الإعلامية وبعض الأقلام المأجورة، بهدف الإضرار بسمعة الجزائر، والتهجم على مؤسساتها والتشكيك في مقوماتها التاريخية والجغرافية، بل تعدت هذه المهاترات حدا لا يمكن السكوت عنه، لاسيما عندما يتعلق الأمر بسيادتنا الوطنية ووحدتنا الترابية، التي ضحى من أجلها الملايين من الشهداء الأبرار”.
وختم بالقول: “ليعلم هؤلاء المتربصون أن الشعب الجزائري الأبي، الملتحم روحا وجسدا، مع جيشه وقواته الأمنية، الواعي كل الوعي، بمن يقف وراء هذه المؤامرات الدنيئة، سيتمكن، في الوقت المناسب، من إحباط هذه المخططات وإفشال مراميها، وعازم أكثر من أي وقت مضى على قطع كل يد تمتد إلى شبر واحد من أرضه الطاهرة أو تنوي المساس بحرمة سيادته الوطنية”.
لقد ذكرني تصريحه، بتصريح الرئيس الراحل بومدين عندما إنطلقت المسيرة الخضراء المظفرة. حيث اعتبر أن عودة الصحراء للمغرب بمثابة تهديدا للثورة الجزائرية، وبدأ الحديث في الأوساط الدولية عن إمكانية نشوب حرب بين الجزائر والمغرب بفعل قضية الصحراء المغربية.
وللذكرى أذكر شنقريحة هذا نمر من ورق، برسالة الملك الراحل الحسن الثاني يوم 15 فبراير 1976، للرئيس الجزائري هواري بومدين بعد تهديده للمغرب بالحرب لعله يفهم العقل السياسي المغربي العميق :
((سيادة رئيس مجلس الثورة، لا يسرني أن أوجه إليكم هذا الخطاب، ذلك لأنه لا يرضيني أن أكون كاتب نصه، ولأنه لا محالة لن يبعث في نفسكم الرضى والارتياح، لقد سبق لفخامتكم أن أنبأتموني رسميا ثلاث مرات، خلال صيف سنة 1975، بقولكم الذي أعيده عليكم بالحرف الواحد: “قولوا لملك المغرب، ثم قولوا له بالتأكيد، إنه مهما كانت خلافاتنا حول مشكل الصحراء، وكيفما كانت نهاية النزاع بينه وبين إسبانيا، فإنني أتعهد له بأن لا يرى أبدا جنديا جزائريا أو عتادا عسكريا جزائريا فوق تراب الصحراء لمحاربة الشقيق المغربي”..
هذه هي أقوالكم فخامة الرئيس، ومن كانوا إذن رسلكم الذين حملوا ذلك الخطاب؟ سأسرد أسماءهم حسب الترتيب الزمني: فخامة الرئيس الحبيب بورقيبة، وفخامة الرئيس ليوبولد سيدار سينغور، وفخامة الرئيس المختار ابن دادة، فهؤلاء فيما أعتقد هم الشهود الذين لا يحتاجون إلى التنويه بأخلاقهم المثالية وحكمتهم، ومن أجل إعطائكم بيانات أدق، أضيف إلى ذلك أن هذا التعهد نفسه قد تم تأكيده لي من لدن وزيركم في الشؤون الخارجية خلال نفس الفترة.
وأقول أيضا – تأدية للأمانة التاريخية – بأنه سبق لكم أن صرحتم لمولاي أحمد العراقي، الذي جاء لزيارتكم بالجزائر العاصمة بقولكم: “قولوا لصاحب الجلالة بأن يثق بما سيقوله له عبد العزيز، لأنه هو وأنا كأخوين توأمين ملتصقين”، إلا أنه حدث ما يدعو حقا إلى الدهشة والاستغراب، ذلك يا سيادة الرئيس، أن القوات المسلحة الملكية وجدت نفسها يوم 29 يناير 1976 في مواجهة الجيش الوطني الشعبي في أمغالا التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء، وسال الدم بين شعبينا، لأنكم لم توفوا بعهدكم، وها أنتم ترون أيضا بالأمس القريب أن الحامية المغربية التي بقيت في عين المكان بأمغالا قد أخذت غدرا، لأنني أجعل ضباطي وجنودي على بينة من سياستي لكي يقدروا تبرير الموقف الذي يتطلب الاستماتة والتضحية في أسمى درجاتهما، قد أخذت غدرا من لدن وحدات من الجيش الوطني الشعبي الجزائري متوفرة على أسلحة ثقيلة ومعدات يكشف نوعها ومستواها عن النية المبيتة للقيام بعملية تدمير تسببت في عشرات الضحايا من بين أبنائي والمكافحين من أجل بلدي، وهكذا، فخلال مدة تقل عن عشرة أيام، ناقضت أفعالكم يا سيادة الرئيس تعهداتكم مرتين إثنتين.
فمن أجل شرف بلادكم وشعبكم اللذين تطبعهما كثير من النعوت التاريخية، أناشدكم أن تجنبوا المغرب والجزائر مأساة أخرى، وأطلب منكم كذلك إما أن تعملوا بحرب مكشوفة ومعلنة جهارا، وإما بسلام مضمون دوليا، على جعل حد في المستقبل للقول السائد في بلادي وبين أفراد شعبي: “إن الجزائر يعادل مدلولها مدلول التقلب وعدم الوفاء بالعهود”.
فلتقبل فخامتكم من خلال الصراحة العربية والإسلامية والمغربية التي تغمر روح هذا الخطاب، التقدير الذي أكنه لها)).
فهذا الخطابي الحربي المأزوم بذاكرة الجغرافيا والتاريخ، لا يختلف عن تهديدات الجنرال فرانكو بإعلان حالة الحرب على المغرب بعد إعلان المسيرة الخضراء.. فكانت النتيجة أن المغرب إسترجع كل تلك الأراضي في مدة قياسية.
فالحرب ليست لعبة سهلة، والمغاربة ليسوا الشعب الذي تملي عليه الحرب من وراء حدوده الشرقية المغتصبة ولا نعير أيا إهتمام لتصريحات “نمر من ورق” يملي عليه أسياده الفرنسيين ما يجب ان يفعله وينفذ توجيهاتهم الاستعمارية التي تتنافى مع وحدة المصالح بشمال إفريقيا وتسعى منذ نصف قرن تقريبا لتمزيق وحدة بلد جار.
لعلمك مرة أخرى، أن الحرب لا تخيف المغرب لكنه سيتجنبها قدر الامكان، المملكة المغربية ستقطع كل يد غادرة متربصة بصحرائها ووحدتها الترابية.