دخل الحظر على النفط الروسي وسقف الأسعار الجديد الذي حدده له الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا حيز التنفيذ أمس الاثنين 5 ديسبمر/كانون الأول 2022، وسط إدانة شديدة اللهجة من روسيا، وتوعّد بعدم تقديم النفط إلى الدول التي تبنّت أو قد تتبنّى في وقت لاحق هذا الموقف.
وتحظر القرارات الجديدة بشكل مباشر أو غير مباشر تقديم المساعدة الفنية، أو خدمات الوساطة أو التمويل، أو المساعدة المالية المتعلقة بالتجارة أو السمسرة أو النقل، بما في ذلك عن طريق الشحن من سفينة إلى أخرى، أو إلى دول ثالثة، للنفط الخام أو المنتجات البترولية التي منشؤها روسيا أو تم تصديرها من روسيا.
إلى جانب ذلك، تضمنت حزمة عقوبات “النفط” التي فرضها الاتحاد الأوروبي الحظر على إمدادات النفط البحرية من روسيا.
“قرار من أجل اتخاذ قرار”
وانتقدت موسكو بدورها السقف بشدة، وأعلنت أنها لن تزوّد الدول التي انضمت إلى القرارات الجديدة بالنفط، كما أكدت الحكومة الروسية رفض اتباع القيود الجديدة، مشيرة إلى أن تسييس قطاع الطاقة لن يؤدي إلا إلى نقص الموارد في السوق، وأنها لن تورّد النفط والمنتجات النفطية إلى البلدان التي ستطبق مبدأ سقف السعر.
كما حذرت من أن ذلك سيؤدي أيضا إلى انخفاض المعروض من النفط، وأن أي سلع أخرى سيكون من الممكن تطبيق هذه الآلية عليها في المستقبل.
أما المتحدث الصحفي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، فقال إنه من الصعب حاليا تقييم تأثير قرار سقف السعر على السوق العالمية، واصفا الموقف الأوروبي بأنه يبدو كأنه “قرار من أجل اتخاذ قرار”.
في الوقت نفسه ستعفى المجر من تطبيق سقف أسعار النفط الروسي، حسب ما قال وزير الخارجية بيتر زيجارتو الذي أوضح أن بلاده “ناضلت كثيرا من أجل مصالح المجر وفي النهاية نجحت، وقد حان الوقت لكي تدرك بروكسل أن مثل هذه الإجراءات تضرّ بالاقتصاد الأوروبي”، داعيا إلى زيادة إمدادات الطاقة، لأن ذلك قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار، حسب رأيه.
ويوفر إدخال الاتحاد الأوروبي لسقف سعري للنفط من روسيا فترة انتقالية، إذ لن تنطبق القواعد الجديدة على النفط الذي جاء شراؤه بسعر أعلى من الحد المسموح به، وتم تحميله على السفن قبل 5 ديسمبر/كانون الأول وتفريغه قبل 19 يناير/كانون الثاني 2023.
بدائل وثغرات
لكن المحلل الاقتصادي الروسي فيكتور لاشون استبعد أن تؤدي القرارات الأخيرة إلى خسائر مؤثرة على الاقتصاد الروسي، بسبب وجود العديد من الخيارات لدى موسكو للالتفاف على القيود.
وقال في حديث للجزيرة نت إن الخيار الأكثر ترجيحا هو التجارة عبر الدول الصديقة، موردا على سبيل المثال الهند التي تشتري النفط الروسي بكميات قياسية.
ومن هنا، يتابع المحلل الاقتصادي الروسي أن هذا يمكن أن يصبح حجة لبعض البلدان إذا سألتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن السبب في دفع سعر النفط أعلى من السقف، إذ سيكون من الممكن تدوين سعر النفط نفسه في المستندات ضمن الحدود، ولكن سيكون من الممكن التلاعب في أسعار النقل والتأمين، إذا كانت شركة روسية أو شركة صديقة تعمل في النقل أو التأمين.
بالإضافة إلى ذلك، أشار لاشون إلى أن النفط الذي تتم معالجته خارج روسيا لا يخضع للقيود، وهذا تقريبا هو كل نفط خط الأنابيب الذي يذهب إلى أوروبا، حسب كلامه.
ويعيد إلى الأذهان في هذا السياق أن وزارة الخزانة الأميركية سمحت بتزويد بلغاريا وكرواتيا ودول الاتحاد الأوروبي غير الساحلية بالنفط الروسي. بالإضافة إلى ذلك، صرحت واشنطن أنه حتى 23 سبتمبر/أيلول 2023، يُسمح بتزويد اليابان بالنفط من حقل سخالين-2، ومن ثم يخلص الخبير إلى أنه بالنظر إلى هذه الاستثناءات، فإن سقف السعر لن يعمل حقا.
عقوبات ذات حدين
من جانبه، لفت الخبير الاقتصادي الروسي فلاديمير تشيركوف إلى وجود مخاوف من أن شركات النقل الكبيرة قد ترفض نقل النفط الروسي وتأمينه، لأن هذه السوق تخضع إلى حد كبير لسيطرة الولايات المتحدة والدول الأخرى التي انضمت إلى العقوبات المفروضة على روسيا.
لكنه أكد إمكانية العثور على آليات تساعد في التحايل القانوني على العقوبات المفروضة، كما هو الحال مع مجموعة من السلع المختلفة التي خضعت لعقوبات سابقة.
وأوضح في هذا السياق أن المشكلة لن تكون في أسعار النفط، بل في الناقلات والصهاريج التي ستوصله، موضحا أن تكلفة النقل ستكون أكبر إلى حد ما في البداية، ولكن بعد ذلك سيتم تقويم الخدمات اللوجستية، متوقعا اهتمام العديد من شركات النقل بتغطية الطلب على نقل النفط الروسي.
عوائد تحت التهديد
ويشكل بيع النفط نصيبا كبيرا من عائدات الميزانية وشركات النفط الروسية. ووفق تقديرات محلية، كان يمكن لروسيا هذا العام (قبل العقوبات الأخيرة) أن تكسب أكثر من 320 مليار دولار من صادرات النفط والغاز، كما كان من المتوقع أن تصل عائدات الضرائب من بيع النفط إلى أكثر من 180 مليار دولار بحلول نهاية العام، وذلك يطرح تساؤلا حول الخسائر المحتملة لروسيا جراء إدخال سقف التسعير الجديد.
هنا، أكد تشيركوف أن روسيا ستكسب في كل الأحوال، “فمع إدخال السقف سيرتفع سعر النفط، وهو ما سيسبب حالة توتر لدى التجار. فستكون هناك مخاوف بشأن الإمدادات وتوقيت التسليم، كما أن الإجراءات الغربية ستؤدي إلى رفع أسعار النفط، وهو أمر ليس سيئًا لروسيا”، حسب رأيه.
ورأى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعامل مع الواقع الجديد، كونها أكبر منتج للنفط في العالم. لكن أوروبا -حسب رأيه- لن تتكيف؛ فهناك مصافي النفط التي تركز على النفط الذي يمر عبر خطوط الأنابيب الروسية، ومن الصعب تخيل ما سيحدث هناك في حالة توقف الإمدادات.
وختم بأن إنقاذ أوروبا سيكون فقط من خلال الاستثناءات من قواعد سقف النفط، “فقط بعد هذه الاستثناءات ستستمر أوروبا في شراء النفط الروسي بأسعار السوق على مدى أشهر، وربما سنوات، لأنه من دون النفط الروسي، سيبدأ الانهيار في أوروبا. فالآن لديهم مشاكل مع الكهرباء والغاز، وإذا كان هناك انقطاع في النفط الآن، فإن التكاليف ستكون هائلة”.