ما يزال التصعيد العنوان الأبرز في المنطقة، فالجبهات المفتوحة جعلت الإقليم بأكمله ساحة قابلة للاشتعال في أي لحظة.
وخلال ما يقارب العامين من الحرب، حولت إسرائيل أجواء المنطقة وأرضها إلى مسرح عمليات ممتد من غزة إلى طهران، ومن اليمن إلى لبنان.
ومع انتقال إسرائيل إلى اجتياح مدينة غزة بالتوازي مع التصعيد في ملف ضم الضفة الغربية، تتزايد التحديات الأردنية وتصبح أكثر وضوحاً.
فالأردن المحاط اليوم باستحقاقات تفرضها الجغرافيا يجد نفسه أمام واقع لا يمكن تجاوزه إلا بوسائل غير تقليدية، على المستويات الدولية والعربية، وقبل ذلك داخليا.
الأردن مطالب بالبحث عن دور حقيقي وفاعل في خضم التحولات الجذرية التي تشهدها المنطقة وتمسه بشكل مباشر. لكن هذا الدور لا يمكن أن يتحقق إلا عبر سياسة براغماتية تحافظ على مكانة الأردن في نظر حلفائه، وتوازن بين مصالحه الوطنية وأمنه القومي.
ثمة من يعتقد أن الفوضى التي قد تنتج عن الخطوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ولا سيما خطر انهيار السلطة الفلسطينية، قد تعيد طرح فكرة الدور الأردني أو الإشراف الإداري على ما قد يبقى من مناطق خارج الضم الإسرائيلي.
نظرياً، قد تجد هذه الطروحات صدى لدى واشنطن، لكن عملياً فإن قياس الواقع الجديد بأدوات الماضي قد يشكل تضليلاً ويؤدي إلى تصدير الأزمة بدلاً من حلها.
يدرك الأردن أن دوره المحتمل في المعادلة المقبلة قد يشكل عنصراً من عناصر الاستقرار وضمانة للدعم الدولي. غير أن كثيراً من الطروحات المطروحة قد تضع الأردن في قلب المعادلة بطريقة تنقل حالة اللااستقرار إلى الداخل الأردني ذاته، بما يعني توريطه في تحمل نتائج السياسات الإسرائيلية.
لذلك فإن عمّان أمام ضرورة صياغة خطوات واضحة في المرحلة المقبلة، من التصعيد الدبلوماسي إلى الضغط السياسي، مع إدراك أن الإدارة الأميركية تعلن انحيازها الواضح لإسرائيل، وهو ما أكده السفير الأميركي في تل أبيب وكرره وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ماركو روبيو.
هذه المعطيات تجعل الأردن مضطراً إلى تبني نهج عملي وبراغماتي، يقوم على التفكير في البدائل، وصياغة رؤية أردنية حاضرة قادرة على التأثير لا الاكتفاء بالاعتراض.
الخطوة المتوقعة في الأمم المتحدة حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد تشكل لحظة فاصلة. ففي الوقت الذي يتم فيه الاعتراف شكلياً بدولة فلسطين، قد تسعى إسرائيل عملياً إلى إنهاء أي وجود لهذه الدولة على الأرض، ما يضع الأردن في مواجهة مباشرة مع نتائج هذا الواقع الجديد.
تحديات الأردن لا تقتصر على حدوده الغربية مع إسرائيل، بل تمتد أيضاً إلى الشمال مع الجنوب السوري، حيث يتعاظم خطر التنظيمات الإرهابية والميليشيات التي حولت المنطقة إلى بؤرة صراع ونشاط إجرامي، تديره شبكات تهريب مرتبطة ببقايا “داعش”، أعيد توظيفها لمصالح مرتبطة بالجريمة المنظمة. يضاف إلى ذلك ملف السويداء، حيث يتعين على الأردن أن يضع الطائفة الدرزية في صلب أي مقاربة للحل، بدلاً من الاكتفاء بالحوار مع الحكومة المؤقتة في دمشق.
أما على الجبهة الشرقية، فتزداد المخاطر مع احتمال استهداف الحشد الشعبي في العراق، وهو ما قد يفتح جبهة جديدة لم تكن أولوية لإسرائيل بعد سقوط النظام في سوريا، لكنها اليوم قد تصبح جزءاً من دائرة الاستهداف.
كما أن تحديات البحر الأحمر وخليج العقبة تفرض نفسها، خصوصاً مع استمرار إطلاق الحوثيين الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو إسرائيل، بما يعكس مباشرة على الأمن الأردني.
من المؤكد أن المنطقة بعد هجوم السابع من أكتوبر لم تعد كما كانت قبله، والتغيير أصبح حتمياً في بنيتها. ما نشهده في سورية قد يمتد إلى مناطق أوسع، خاصة مع بقاء الجبهات مفتوحة وغياب الحلول.
ومن هنا يصبح البحث عن دور أردني، أو خلقه، ضرورة لا ترفاً. هذا الدور لا بد أن يتسم ببراغماتية عالية، يقوم على التأثير في الموقف الأمريكي من جهة، وعلى صياغة سياسة قادرة على الحشد والتأثير عربياً ودولياً من جهة أخرى.