آراءسياسة
أخر الأخبار

زهران ممداني.. انتصار الوعي “تحليل”

لقد جاء فوز ممداني في لحظة عالمية تشهد تمدداً مقلقاً لليمين المتطرف في أكثر من بلد..

شادي منصور

فوز زهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك، التي تعد عاصمة العالم، يشكّل صفعة مدوّية لليمين الأميركي المتطرف، وفي مقدمهم دونالد ترامب، الذي لم يُخفِ يوماً عداءه لهذا السياسي التقدّمي من أصول مهاجرة.

فممداني، النائب السابق في مجلس ولاية نيويورك عن الحزب الديمقراطي، عُرف بمواقفه الجريئة ضد العنصرية والنظام الطبقي وضد الدعم غير المشروط لإسرائيل، ومناصراً للقضية الفلسطينية، وهي مواقف جعلت منه خصماً مباشراً لترامب وتياره الذي يسعى إلى إعادة أميركا إلى منطق التفوّق الأبيض والانغلاق القومي.

لم يكن ترامب يخفي كراهيته لممداني، إذ وصفه مراراً في تجمعاته الانتخابية بأنه “خطر على القيم الأميركية”، واتهمه بنشر “الأفكار الاشتراكية والإسلامية” في قلب نيويورك.

هذا الخطاب الشعبوي المليء بالكراهية يعكس تماماً مأزق اليمين الأميركي اليوم، الذي يرى في صعود شخصيات مثل ممداني تهديداً حقيقياً لخطابه القائم على الخوف والتفرقة.

ومع ذلك، لم تنجح حملات التحريض ولا الحملات الإعلامية المموّلة من جماعات الضغط اليمينية في وقف المد الشعبي الذي التفّ حول ممداني، خاصة من فئة الشباب والمهاجرين والطبقة العاملة التي سئمت من سياسات التمييز والتهميش.

لقد جاء فوز ممداني في لحظة عالمية تشهد تمدداً مقلقاً لليمين المتطرف في أكثر من بلد: في فرنسا مع صعود حزب التجمع الوطني، في إيطاليا مع جورجيا ميلوني، في هنغاريا فيكتور أوربان، وفي إسرائيل مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ولا ننسى بلاد الأرز مع خطاب عنصري، يميني، متطرف، انعزالي، لبعض الأحزاب ورجال السياسة.

هذا المدّ يجد في الحرب والعداء للآخر وسيلته لتعبئة الجماهير، مستفيداً من الأزمات الاقتصادية، ومن خوف الناس من المستقبل.

غير أن ما غيّر المعادلة في الأشهر الأخيرة هو الحرب الهمجية على غزة، التي كشفت الوجه الحقيقي لهذا اليمين العالمي الداعم لإسرائيل في حربها الإبادية ضد الشعب الفلسطيني.

لقد مثّلت غزة نقطة تحوّل في الوعي العالمي. فالملايين الذين شاهدوا بأعينهم القصف والدمار والتجويع والمجازر، رأوا أيضاً تواطؤ الحكومات اليمينية في الغرب التي منحت إسرائيل الغطاء السياسي والعسكري لمواصلة جرائمها.

هذا المشهد فجّر موجة غير مسبوقة من الغضب الشعبي، وولّد تحوّلاً في المواقف داخل الرأي العام، خصوصاً بين الشباب. في الجامعات الأميركية، من نيويورك إلى كاليفورنيا، خرجت مظاهرات تطالب بوقف تمويل الاحتلال، وفي أوروبا نُظمت مسيرات ضخمة ترفع شعار “الحرية لغزة”.

هذه الحركة لم تكن فقط تضامناً مع فلسطين، بل رفضاً كاملاً لمنظومة اليمين التي تبرر القتل باسم الأمن، وتدّعي الدفاع عن القيم الغربية.

وهنا يبرز ممداني بوصفه رمزاً لهذا الوعي الجديد، فهو لم يساوم في مواقفه، بل تحدّى علناً اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، وواجه آلة الكراهية التي شنّها ضده اليمين الأميركي. فوزه ليس مجرد إنجاز انتخابي، بل هو انتصار فكري وأخلاقي على منظومة كاملة من العنصرية والإقصاء.

إنه دليل على أن اليسار العالمي، حين يتسلّح بالمبادئ والصدق، يستطيع أن يواجه أعتى خصومه، حتى في معقل الرأسمالية الأميركية.

في نهاية الأمر، يُظهر فوز ممداني أن الشعوب بدأت تستعيد زمام المبادرة، وأن زمن الخوف بدأ يتراجع أمام وعي جديد يؤمن بالمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية. فالتطرّف، سواء أتى بلباس ديني أو قومي أو سياسي، يبقى وجهاً واحداً للشر، لأنه يولّد الكراهية ويبرر الحروب.

واجب الشعوب اليوم أن تقف سداً منيعاً في وجه هذا المدّ الظلامي، وأن تؤكد أن العالم لا يُبنى على الحقد، بل على التعايش والاحترام المتبادل، والعدالة الاجتماعية. فالتاريخ لا يرحم المتطرفين، لكنه يخلّد من ناضلوا من أجل الإنسان.

https://anbaaexpress.ma/nmeud

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى