تقع تشاد في وسط افريقيا، تحدها ليببا من الشمال والسودان من الشرق، وافريقيا الوسط من الجنوب والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغربي، والنيجر من الغرب، وهي خامس اكبر دولة في إفريقيا مساحة.
كانت أحد المستعمرات الفرنسية، وقد نالت تشاد إستقلالها عن فرنسا في 11 أغسطس 1960، يسكن تشاد قبائل القرعان والزغاوة والمسحيين والعرب الذين يمثلون 60% من السكان.
عانت تشاد الحروب الاهلية التي بدأت بمقتل الرئيس “فرانسوا تومبالباي” سنة 1975، وإستمرت الحرب بين حكومة “فليكس معلوم “والمتمردين وتأزمت الأوضاع بتنحي حكومة معلوم في سنة 1979، وتشكيل حكومة إنتقالية، وكانت بداية للحرب الأهلية والصراع بين ليبيا وفرنسا، وبعدها التدخل الليبي بعد وصول الرئيس الراحل” حسين حبري “الذي إنقلب على الرئيس “كوكوني وداي” الذي طلب من ليبيا التدخل العسكري لتنحية الرئيس حسين حبري ليعود الرئيس كوكوني وادي للسلطة، والذي طلب إنسحاب الجيش الليبي، وما إن إنسحب الجيش الليبي حتى عادت قوات حسين حبري للسيطرة على البلاد سنة 1982.
الرئيس التشادي الراحل حسين حبري
وبوصول حسين حبري للحكم، بدأت مرحلة جديدة من التدخل العسكري الليبي، وأدى ذلك للتدخل الفرنسي وإنتهي الأمر بهزيمة الجيش الليبي سنة 1987، وبداية مرحلة جديدة بعودة العلاقات الليبية التشادية والاعتراف بنظام الرئيس”حسين حبري”.
إتهم حسين حبري، وزير دفاعه، إدريس ديبي الذي دعمه في تسلم الحكم من ” كوكوني وداي “، حيث شارك ديبي في حركة تمرد ضد حكم الرئيس السابق، كوكوني وادي، في عام 1982، وأظهر دعمه لحكم خلفه الرئيس حسين حبري، (1982-1990)، وتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة.
إتهم حسين حبري القائد الأعلى للجيش” حسن جاموس ” و ” ادريس ديبي “بالانقلاب عليه، فقتل حسن جاموس 1989 وفر إدريس ديبي إلى السودان، ومنها إلى ليبيا حيث طلب دعمها بالسلاح للاطاحة بالرئيس حسين حبري، وبالفعل تمكن ادريس ديبي من الزحف على العاصمة والاستيلاء عليها سنة 1990 وأصبح رئيس لتشاد سنة 1991.
الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي
فترة حكم إدريس ديبي 1952 _ 2021
ولد ديبي في عام 1952 بمدينة بفادة شرقي تشاد، وهو ابن أحد الرعاة من جماعة الزغاوة العرقية، وسلك الطريق التقليدية للوصول إلى السلطة من خلال الجيش، وتمتع بثقافة عسكرية.
إنضم إلى الجيش في سبعينيات القرن الماضي، وتلقى تدربيا عسكريا في فرنسا ثم عاد إلى تشاد، بعدما سيطرت حركة الانقاذ الوطني أعلن ديبي نفسه رئيسا للبلاد في عام 1991، وأجرى أولى الانتخابات في البلاد عام 1996.
وجاءت انتخابات 2001 والتي فاز بها للمرة الثانية
وفي عام 2005 قام بإجراء تعديلات دستورية لولاية رئاسية ثالثة، وحصل على نسبة 77.5 في المئة من الأصوات.
واجه الرئيس إدريس ديبي معارضة شديدة من عدة جبهات مسلحة ولعل أهمها، هو الهجوم الذي تعرضت له العاصمة إنجامينا، الذين وصلوا للقصر الرئاسي عام 2008، لا تزال الأنباء متضاربة في تشاد بشأن ما بات يعرف بمعركة القصر الرئاسي في العاصمة إنجامينا، وإستطاعت القوات الحكومية بصد الهجوم والقضاء على المتمردين بمساعدة القوات الفرنسية، المتواجدة في تشاد كما قيل.
في عام 2013 أحبطت السلطات التشادية محاولة إنقلاب عسكري وتم اعتقال المتورطين في المحاولة في الوقت الذي لم يكن فيه الرئيس ادريس ديبي خارج العاصمة.
أبرز الجبهات المعارضة للحكومة التشادية
1- جبهة الوفاق من اجل التغيير وهي حركة مسلحة و يقودها ” محمد مهدي علي وتتواجد داخل الجنوب الليبي وقد لعبت دور في مقتل الرئيس ” ادريس ديبي” في المعارك التي وقعت أبريل 2021.
2- إتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية بزعامة وزير الدفاع السابق ” محمد النوري ” الذي لجأ إلى فرنسا وتم إعتقاله بسبب مشاركته في جرائم حرب.
3- إتحاد قوى المقاومة يترأسها ” تيمان ايرديمي ” الذي ينتمي لقبيلة الرئيس الراحل ” ادريس ديبي ” وقد قاد عدة هجمات على العاصمة إنجامينا في عام 2019، وتعرضت قواته لقصف جوي فرنسي.
مقتل الماريشال ادريس ديبي
أعلنت اللجنة الانتخابية في تشاد فوز ديبي بعهدة رئاسية سادسة بعد فوزه بنحو 79,32%، ووردت أخبار عن تقدم المتمردون على بعد نحو 300 كلم من العاصمة إنجامينا، بعدما حققوا إختراقا في منطقة “كانم” شمال مدينة “ماو”، وبعدما أرسلوا تعزيزات،بدا أن المتمردين مسلحون بشكل كبير ،فقرر الماريشال ” ادريس ديبي” الانتقال إلى منطقة القتال لرفع معنويات جيشه.
وسبق للرئيس الراحل أن قاد عدة مرات عمليات للتصدي للمتمردين الذين واجهوا نظامه طيلة العقود المنصرمة ودارت معركة شرشة مع المتمردين، حيث أصيب بجروح بليغة، نقل على إثرها للعاصمة إنجامينا، وأعلن عن وفاته ولا تزال المعلومات شحيحة جدا بشأن ما حدث لديبي، وباستثناء بيان صادر عن الناطق باسم الجيش، فلا يوجد مصدر آخر يؤكد أو يضيف قصة مقتل الرئيس الراحل في مواجهة مع المتمردين في شمال البلاد.
وأعلن عن مقتل الرئيس إدريس ديبي و تشكيل مجلس عسكري برئاسة الجنرال محمد إدريس ديبي، نجل الرئيس الراحل، والبالغ من العمر 37 عاما، لقيادة البلاد لمدة 18 شهرا، كفترة انتقالية.
الرئيس الحالي محمد إدريس ديبي
فترة حكم الرئيس ادريس ديبي
داخليا إستطاع تتبيث حكمه، طيلة 30 عاما بقبضة حديدية في وجه معارضيه، ولكنه حافظ على تحقيق الأمن والإستقرار في البلاد، من خلال فترة حكمه، لعب الماريشال “إدريس ديبي” دورا بارزا على الساحة الاقليمية والدولية، وشارك الجيش التشادي في مواجهة الإرهاب في معركة “بارخان” بدعم من فرنسا التي تعد حليفها القوي، أبدى إدريس ديبي حماسة كبيرة في التصدى لأنشطة بوكو حرام، في نيجيريا والنيجر، وفي منطقة بحيرة تشاد، كما شنت هجمات في العاصمة التشادية إنجامينا)، وقد أدت هجمات بوكو حرام في تشاد إلى مقتل ونزوح الآلاف، سواء من خلال العمليات العسكرية داخل الأراضي التشادية، أو من خلال التدخلات في الدول المجاورة، وقد أشرف الرئيس ديبي بنفسه من الميدان على حملة عسكرية موسعة للجيش ضد معاقل بوكو حرام في مناطق بحيرة تشاد.
في أبريل 2020 في عملية أطلق عليها «غضب بوما»، جاءت انتقامًا لمقتل العسكريين التشاديين، وأعلنت المصادر الرسمية التشادية أن العملية قد أسفرت عن مقتل ألف عنصر من عنصر من جماعة” بوكو حرام ” جاءت انتقامًا لمقتل العسكريين التشاديين، وأعلنت المصادر الرسمية التشادية أن العملية قد أسفرت عن مقتل ألف عنصر من بوكو حرام، والقضاء نهائيًا على تواجد الجماعة على الأراضي التشادية.
تولي “محمد إدريس ديبي” الملقب ” بكاكا” والبالغ من العمر “38 ” عاما مهام رئيس الجمهورية” وفق الميثاق الإنتقالي الذي يمنح له صلاحيات واسعة، أبرزها منصب قائد القوات المسلحة.
وعلى الرغم من تعارض إجراءات تولى المجلس العسكري مع الدستور في حال شغور منصب الرئيس, ولكن الظروف الأمنية وحال الحرب وتهديد المتمردين، كان وراء إتخاذ هذه القرارات غير الدستورية وبحكم السيطرة القبلية على الأمور وقيادة الجيش.
مفاوضات السلام التشادية
منذ أن تولى الرئيس الانتقالي “محمد ادريس ديبي” مهامها أعلن أولوياته من أجل إعادة الأمن والإستقرار، و إطلاق الحوار الوطني بين جميع الجبهات المعارضة، وقد أسس المجلس العسكري الإنتقالي الحاكم في تشاد وبجانب إنشائه وزارة للمصالحة الوطنية، عيَّن ديبي مستشارا للمصالحة والحوار برئاسة الجمهورية، وأطلق دعوة لجميع الأطراف، بما فيها الحركات المسلحة، بتنظيم حوار وطني شامل مع المعارضة في الدوحة، في 15 فبراير الماضي، تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في البلاد، ولكن ذلك أُرجئ إلى 10 مايو (أيار) 2022.
الدوحة ملتقي الحوار التشادي
إحتضنت قطر المفاوضات بين الحكومة الانتقالية وبين جبهات المعارضة الـ ” 52″، وسط خلافات عميقة ولعل أهمها هذا العدد من المعارضات، في دولة تعاني غياب العدالة الإجتماعية الأمية و الفقر والمجاعة، والمطالب السياسية ومنها غير واقعية وتعدد الآراء حول إدارة البلاد.
إتفاقية السلام في الدوحة 2022
وقّعت أطراف الصراع في تشاد إتفاقاً للسلام برعاية قطرية يوم الاثنين الماضي، وذلك لوضع حد للحرب المستمرة منذ سنوات بعد 5 اشهر من المفاوضات، وشارك في توقيع الاتفاق الذي إحتضنته العاصمة القطرية الدوحة، وفد عن الحكومة الانتقالية، وممثلون عن 30 حركة سياسية وعسكرية معارضة، وممثلون عن الإتحاد الأفريقي ومنظمات دولية وإقليمية.
من جانبها، أعلنت 18 حركة سياسية وعسكرية تشادية معارضة، عدم توقيعها على الاتفاق مشيرة إلى “انفتاحها على المفاوضات في أي زمان ومكان من أجل المصلحة العليا لتشاد البلد الذي دمرته الحروب لعقود عدة”.
عللت حركات المعارضة بأن المجلس العسكري لن يستطبع تحقيق طموحات الشعب التشادي، ورفضها لترشح للانتخابات رئاسية بعد الفترة الإنتقالية، ورفض المجلس العسكري إعادة تشكيل لجنة الحوار والوطني، وإعادة تشكيل الجيش وإطلاق سراح سجناء الرأي.
سألنا الصحفي التشادي آدم عثمان رئيس صحيفة “الصباح انفو” عن أسباب عدم إستقرار تشاد، وصرح للأنباء إكسبريس
آدم عثمان رئيس صحيفة “الصباح انفو”
نعم سيدي، في السؤال الأول كل السببين الذين ذكرتهم، التدخلات الخارجية وإنعدام التنمية، أضف إلى ذلك، أن تشاد دولة قبلية بإمتياز، والسلطة هدف للصراع بين الكيانات القبلية، لكن التدخلات الخارجية هي أكبر الأسباب.
أما عن توقعاته لنجاح إتفاق الدوحة.. فقد قال: سيتم الإلتزام بإتفاقية الدوحة، وسيكون هناك هدوء نسبي، لأن بعض الحركات المعارضة لم توقع، ومنها حركة فاكت والمجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية، وهي من الحركات التي لديها وجود عسكري في الميدان.
وأضاف الصحفي آدم عثمان.. سيتم الإلتزام باتفاقية الدوحة، وسيكون هناك هدوء نسبي، لأن بعض الحركات المعارضة لم توقع ومنها حركة فاكت والمجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية، وهي من الحركات التي لديها وجود عسكري في الميدان، ورفضت جبهة التغيير والوفاق في تشاد FACT، برئاسة محمد مهدي على، التوقيع على إتفاقية السلام في الدوحة، بحجة أن مطالبها لم تجد القبول من الحكومة، وتطالب فاكت، بإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين السياسيين مباشرة بعد توقيع الإتفاقية، وأن تتم مراجعة الميثاق الإنتقالي، وأن يتم إعادة تشكيل اللجنة الوطنية المكلفة بتنظيم الحوار الوطني الشامل والمستقل، حتى تشارك فيها الحركات السياسية العسكرية الموقعة على الإتفاقية.
وشكلت الحركات الرافضة لإتفاقية الدوحة، إطاراً للتشاور وتركت الباب موارباً للعودة إلى الإتفاقية، إذا قبلت الحكومة بمطالبها.
ووفق نفس المتحدث فإن عدد الحركات التي لم توقع 19 حركة، ومن أبرز الموقعين، تيمان إردمي، رئيس اتحاد قوى المقاومة UFR، ومحمد نوري، رئيس إتحاد قوى الديمقراطية والتنمية UFDD.
وفي ذات السياق سألنا الصحفي والمحلل التشادي “محمد عمر عثمان” حول توقعاته لنتائج إتفاق الدوحة وإمكانية تطبيقه على أرض الواقع، وصرح للأنباء إكسبريس
الصحفي والمحلل التشادي “محمد عمر عثمان”
بدأت مفاوضات السلام في الدوحة منذ مارس 2022 وتم التوقيع عليها الأيّام الماضية، وأعتبرها بادرة سلام على الرغم من رفض بعض الحركات المسلحة على التوقيع وإشترطت مقابل التوقيع إفراج الحكومة عن الأسرى في المقابل تريد الحكومة ضمانات بعدم رجعوهم لحمل السلاح في وجه الدولة، وأهمها حركة “فاك” بزعامة “محمد المهدي”، أما الحركات التي وقعت فهي تريد الرجوع لتشاد والمشاركة في الحياة السياسية.
لقد عانت جمهورية تشاد لسنوات طويلة من الحروب الأهلية والصراعات الاثنية والقبلية، وإنتشار الأمية وإنعدام التنمية والعدالة الإجتماعية والحكم الفردي والقبلي والتدخلات الخارجية في دولة مساحتها واسعة في وسط أفريقيا، وتمتلك موارد طبيعية كالنفط و اليورانيوم والذهب والحجر الجيري والرمل والملح، لذلك تحتاج تشاد إلى إستقرار وإنهاء الحرب الأهلية والتوجه نحو التنمية الشاملة والمشاركة السياسية الواسعة والتي لا تتحقق إلا بإحلال السلام وترك السلاح بعد سنوات من ويلات الحروب.