في كل مرة يجد فيها النظام الجزائري نفسه في مأزق دبلوماسي أو حالة من العزلة الدولية، يلجأ الرئيس عبد المجيد تبون إلى زيارات رسمية غير مبرمجة، تُعلن فجأة ودون أي تنسيق مسبق، في محاولة لتقديم صورة مغايرة للواقع الدبلوماسي الصعب الذي تمر به الجزائر.
آخر فصول هذه السياسة المرتجلة تمثلت في زيارة تبون المفاجئة إلى جمهورية سلوفينيا، وهي زيارة لم يُعلن عنها في الأجندة الرسمية المعلنة مسبقًا، كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية بين الدول.
هذه الخطوة أتت في وقت حسّاس بعد تغييب الجزائر عن احتفالات الذكرى الـ80 لانتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية، وهي مناسبة شهدت حضورًا دوليًا واسعًا، ما كشف عن حجم العزلة التي باتت تعاني منها الجزائر في علاقاتها مع القوى الكبرى.
المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده تبون مع رئيسة سلوفينيا كشف بدوره عن ضعف التحضير المسبق، حيث بدا أن جدول الأعمال قد تم ارتجاله دون اتفاقات واضحة.
والمثير في الأمر أن تبون تجرأ على التحدث باسم الدولة المضيفة، معلنًا أن سلوفينيا تتبنى موقف الجزائر بخصوص ملف الصحراء، وهو ما لم تؤكده الرئاسة السلوفينية لاحقًا، بل ويتناقض صراحة مع الموقف المعلن لسلوفينيا التي عبّرت عن دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وذلك خلال الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى ليوبليانا في الشهور الماضية، وهو ما يعكس محاولة يائسة من تبون لتوظيف الزيارة سياسيًا رغم غياب التنسيق أو التفاهم الحقيقي مع الطرف المضيف.
كما واصل تبون أسلوبه المعتاد في تقديم مغالطات إعلامية، حيث ادعى خلال المؤتمر ذاته أن الجزائر هي أول دولة أنشأت مدرسة وطنية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، متجاهلًا الحقيقة الموثقة بكون المغرب قد أسس أول مدرسة من هذا النوع بمدينة بنجرير، وهي رائدة إقليميًا في المجال.
الحديث عن التعاون في مجال معالجة وتحلية المياه أثار بدوره الاستغراب، بالنظر إلى أن سلوفينيا ليست من الدول الرائدة في هذا المجال تقنيًا أو علميًا، ما يعزز فرضية غياب أجندة تعاون واضحة وواقعية.
تبون نفسه أقر بشكل ضمني بارتجالية هذه الزيارة، من خلال تبريره غياب عدد من وزرائه عن الزيارة، ما يعكس غياب التنسيق الداخلي وضعف التخطيط على مستوى الدولة.
هذه الزيارة المفاجئة لسلوفينيا أعادت إلى الأذهان زيارات أخرى بنفس النمط الارتجالي، كزيارته لمصر في وقت سابق، حيث تراجع حينها عن دعوته لفتح معبر رفح من أجل تمكين الجيش الجزائري من دخول غزة، بعد تعرضه لضغط إقليمي ودولي كبير.
كما أن تبادل الزيارات مع سلطان عُمان التي تُعد من الدول التي تعترف بشكل صريح بمغربية الصحراء، لم تسفر عن أي برنامج تعاون فعلي، بل جاءت في سياق أزمة مع الإمارات العربية المتحدة ومحاولة إبراز الجزائر كدولة غير معزولة من المحيط الخليجي، رد على هذا غياب تبون اللافت عن القمة العربية في بغداد، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليه داخليًا وخارجيًا.
إن النمط الذي ينهجه الرئيس تبون في علاقاته الدولية لا يعكس تخطيطًا استراتيجيًا متماسكًا كما تقتضيه دبلوماسية الدول، بل هو أقرب إلى سياسة الهروب إلى الأمام والمناورة الارتجالية التي لا تخدم المصالح العليا للجزائر.
فالرئاسة الجزائرية في عهد تبون تبدو اليوم أكثر عزلة من أي وقت مضى، ليس فقط بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، بل أيضًا نتيجة انعدام الرؤية المؤسسية في إدارة العلاقات الخارجية.
تعليق واحد