
في تقريرها الأخير، “21 شتنبر 2023” حول ترسانة التسلح المغربي، لفتت المجلة الأمريكية فوربس/ Forbs، انتباه الرأي العام العسكري، خاصة، إلى التحول الذي تعرفه منهجية التسلح المغربي، بما يشكل قطيعة مع المنهجية الكلاسيكية التي كانت سائدة في محيطه لإقليمي، (الجزائر خاصة) والدولي (إسبانيا خاصة)، مع ما يعنيه هذا التحول/القطيعة من تحولات جذرية قادمة على المستوى الديبلوماسي و السياسي، وذلك لأن القوة الديبلوماسية/السياسية أكبر من استراتيجيات خطابية، رغم أهميتها، فهي رهينة تحقيق توازن الرعب العسكري مع القوى المنافسة في المحيطين الإقليمي و الدولي.
بالعودة إلى تقرير مجلة “فوربس” نجد أن أهم تحول، قد تحقق على مستوى براديغم التسلح المغربي الذي انتقل من مرحلة التسلح الثقيل، على مستوى العتاد الدفاعي والهجومي، إلى مرحلة التسلح الخفيف/الدقيق المجهز والموجه بعتاد إلكتروني متطور.
و من خلال هذا التحول/القطيعة، يكون المغرب قد انتقل من المنطق العسكري الكلاسيكي الذي كان سائدا خلال مرحلة الحرب الباردة، و كان محتكرا من طرف المحورين المتصارعين (الولايات المتحدة الأمريكية- الإتحاد السوفييتي)، إلى نوع التسلح الخفيف/الدقيق المجهز والموجه بعتاد إلكتروني متطور، يبدأ بالأقمار الصناعية التي حقق فيها المغرب قفزة عملاقة فرضته كقوة إفريقية إلى جانب مصر و جنوب إفريقيا، فقد نجح في إطلاق ثلاثة أقمار صناعية (زرقاء اليمامة، محمد السادس أ، محمد السادس ب)، ولا ينتهي، طبعا، بالطائرات المسيرة و الصواريخ شبه البالبستية الموجهة عن بعد، و على هذا المستوى حققق المغرب قفزة أكثر من عملاقة بعد انفتاحه على الصناعتين الحربيتين الإسرائيلية و التركية.
لا يمكن، إذن، استيعاب تقرير مجلة فوربس دون الكشف عن المرجعية المتحكمة في فلسفة التسلح المغربي، وذلك لأن هذا التحول الذي أصبح مشهودا به، دوليا، كامر واقع، يتجاوز الإنفاق العسكري و مراكمة العتاد الحربي، إنه تحول في البراديغم العسكري، أساسا، بشكل ينقل المغرب، بنجاح، إلى جيل جديد من الحرب التي توظف العتاد الإلكتروني الدقيق و تتسلح بالذكاء الاصطناعي.
في تقرير مجلة “فوربس” نجد حضورا لافتا للنموذج الأذربيحاني الذي نجح في توظيف المنطق الجديد للتسلح، في مقارنة مع النموذج الأرميني الذي ظل مخلصا للمنطق السوفييتي القديم، وقد كانت محطة إقليم “ناغورني كاراباخ” فاصلة، حينما نجحت أذربيجان في حسم المعركة، بشكل خاطف، و استعادت الإقليم المتنازع عليه مع أرمينيا من خلال فرض منطق جديد للحرب يوظف آليات جديدة للتسلح.
فمن خلال توظيف الطائرات المسيرة الإسرائيلية والتركية من طراز “هاروب” و “بيرقدار”، و الصواريخ شبه الباليستية الإسرائيلية من طراز “لورا” و “باراك 8″، تمكن الجيش الأذربيجاني من تعطيل آلة الحرب الأرمينية، وبالتالي تمكن من شلّ حركة الجيش الأرميني و حرمه من إمكانية الدفاع فما بالك بالهجوم !
يعود تقرير مجلة “فوربس” لدراسة حالة الجيش المغربي، وأهم ما أثاره هو كون الجيش المغربي يحضر كنموذج مواز للجيش الأذربيجاني، سواء من خلال اعتماد نفس المنطق الجديد للتسلح، أو من خلال اعتماد نفس مصادر التسلح (إسرائيل، تركيا).
وقد توقفت المجلة عند مجموعة من الوقائع التي تثبت فرضيتها، فقد تلقى المغرب أول شحنة من صواريخ “باراك إم إكس كجزء من الصفقة التي وقعها مع إسرائيل العام الماضي بقيمة 500 مليون دولار أمريكي”.
و في ما يخص الطائرات المسيرة التركية فقد حصل المغرب على ما لا يقل عن 19 طائرة تركية من طراز TB2 على دفعتين، و طائرات “بيرقدار” و طائرات “أكينجي” الأكبر حجما والأكثر تطورا، التي تتميز باحتوائها على أجهزة استشعار متقدمة، إضافة إلى قدرتها على حمل كميات كبيرة من الذخائر.
التقرير الذي أصدرته مجلة “فوربس” تحصيل حاصل ليس إلا ! و ذلك لأن الدوائر الاستخباراتية، إقليميا و دوليا، باتت مطلعة على التحول الاستراتيجي الذي يعيشه المغرب على مستوى التسلح بشكل مكنه من القطع مع البراديغم العسكري الكلاسيكي و الانفتاح في المقابل على براديغم عسكري جديد، مما مكنه من التموقع كقوة إقليمية و دولية ضاربة مؤثرة في محيطها سواء على المستوى الإفريقي أو على مستوى الامتداد المتوسطي و الدولي.
و لعل ما يؤكد ذلك هو الوضع الدولي الجديد الذي أصبح يحظى به المغرب، قاريا و دوليا، فهو فاعل إفريقي أساسي لا يمكن ولوج الصحراء الإفريقية إلا عبر بوابته، و هو فاعل دولي أصبح يضرب له ألف حساب، و قد تجلى ذلك من خلال التوترات الدولية الأخيرة التي عاشها المغرب في علاقاته الدولية، مع ألمانيا و إسبانيا و فرنسا، حيث تمكن صانع القرار السياسي/الديبلوماسي من فرض شروط المغرب كاملة.
و هذا يؤكد أن القوة المغربية الناعمة، سياسيا و ديبلوماسيا، خلفها قوة عسكرية خشنة مكنت المغرب من ترسيم معادلة توازن الرعب إقايميا و دوليا.