مصطفى عبد الوهاب العيسى
هي على حافة الخجل، وأنا على شفا حفرةٍ من الغزل.
مُذ خلقني الله وأنا لا أُجيد رسمَ تُفاحةٍ ولا أفقهُ شيئاً في التصوير، ورغم ذلك أُحاولُ منذ شهورٍ رسمها بأيَّةِ طريقة.
أُقيمُ ندوةً أُحدّثُها بها عن تاريخ الفن من اليوم الذي جاء به آدم إلى هذه الأرض أسهلُ بالنسبةِ لي من تصوير نظرتها القوية في لوحةٍ تنافسُ الموناليزا.
أُعطيها محاضرةً في مدارس الفن كلها ، وما طرأعليها من انشقاقاتٍ صنعت المعجزات أهونُ من إيجادِ لونٍ لرائحةِ ريقها العذب بعد أن ذابت فيه حبة شوكولاته من نوع (فيريرو روشيه).
عشراتُ المرات التي حاولتُ فيها عبثاً رسم صوت أنفاسها الهادئة وهي نائمةٌ، أو مغمضةُ العينين تعبةٌ من ليلةِ سمرٍ، هاربةٌ من سهرٍ قال الفجرُ له: كفى !
أيُّ فنٍ هذا الذي يفشلُ في رسمِ صوت أنفاسِ جليلةٍ عذَّبت زيراً لا يفقه الرسم خيالاً أو يقيناً.
سأعتكف على الرسم بالكلمات مثل نزار حتى يجمعني الله بالطريقة المُثلى التي تُمكنني من رسمها بأصدق اللوحات.
عيناها لا يُمكن رسمهما، ووجنتاها يثملُ من نظر لهما، وأنفها أشمُ به رائحةً زكيةً تأخذني إلى الطريق بين الرَّبوة ودُمَّر، وأنسى بها اللوحة، وأتركُ خلفي الريشَ والألوان لأبتدع طريقة صوفية تكون التجليات فيها رقصاً على أنغام عبدالحليم وأم كلثوم.
إذاً لا حل سوى أن تكون اللوحة الأولى تخليداً لشعرها وما فيه من غابات وأنهار، ولكن كيف أرسمهُ قبل أن تُبحر فيه أصابعي لسنوات، ويكون لثاماً لوجهي في المساء، ودرعاً لصدري في آخر الليل.
كيف أرسمهُ قبل أن نتفق على دستورٍ يُجبرني أن أُداوم على غسله بزيت جوز الهند في الصباح، وبماء الورد والغار بين صلاتي الظهر والعصر ؟!
أحببتُ رسم شعرها إذ لا عيب أن أفشل بإظهار ما أبدعه الله من تفاصيل كثيرة تختبئُ بين خصلةٍ وأخرى إن كان دافنشي وآنجلو بعظمتهما الفنية سيفشلان بذلك.
ليلٌ غاضبٌ مجنون، ودُخان ألف لفافة تبغٍ في مترٍ مُكعَّب رسما لي لوحة عنوانها: سِفرُ شعرها المُقدَّس، وأعتقدُ أن التكعيبيَّة وبيكاسو سيعجزان عن رسم لوحةٍ مثلها.
عِشرون عاماً، وأنا أُدخّن، وأعداد من ينبهرون بطريقة تدخيني وتفاصيلِ العلاقة العفويَّة بيني وبين سجائري تزيد، وها أنا ذا الخبير المخضرم قد نسيتُ سجائر مونيكا بيلوتشي لأقول لها: أيُّ مشهدٍ ذاك لقُبلةٍ أخذتها سيجارة المارلبورو من شفتيكِ؟
كان لا بُدَّ من أن تتلطخ اللوحةُ بلونٍ أحمر، وأحمرُ شفاه مارلين مونرو لا يمكنني استخدامه حتى لا أخرج من الجو الإيطالي الذي أعيشهُ معها في فلورنسا وفينيسيا.
أحمرُ شفاه صوفيا لورين كان ملائماً لها وكافياً لإتمام مهمتي المستحيلة في رسمِ حضارةٍ كريمة تجسَّدت في ملامح وجهها الطيب.
عانيتُ كثيراً وأنا أراوغُ ثُقل دم بائعٍ فضولي للحصول على أحمر شفاه من نوع (هدى بيوتي)، وما ذنبي إن كانت عُصفورة الأحلام قد أخبرتني بأن رسم فراشاتٍ صغيرة على خدّها الأيسر أطيرُ بها فرحاً بين السهول والوديان غير مسموحٍ إلَّا بهذا النوع.
حان وقتُ يدها ولوحة جديدة !!
ربَّاهُ إن كنتُ عاجزاً في معرفة أيهما أجمل.. اليمنى أم اليسرى؟
ربَّاهُ إن كنتُ حتى هذه اللحظة غير قادرٍ على حسم القرار فيما إذا كانت يدها أجمل بطلاء الأظافر أم دونه ! فكيف أرسمها ؟؟
رسمُ يدها الفاتنة يتطلب العودة للجامعة، وسنين طويلة في كلية الفنون الجميلة حتى يُكتب لمحاولة رسمها فرصة نجاح.
كانت على حافة الخجل، وخوفاً أن يُسقطها ما تبقى من لوحات في دائرة خجلٍ لا تخرجُ منه أبداً فقد آثرتُ تأجيل رسمها حتى يأذن الله أمراً إن كان خيراً، ونرسمها معاً.
* كاتب وباحث مستقل / سوريا (مقيم في العراق)