قبل عامين من الغد، اخترق نحو 2,500 مقاتل مسلّح من حركة حماس الأسوار الأمنية الإسرائيلية المتطوّرة، وهاجموا كل من صادفوه في طريقهم، واختطفوا 250 إسرائيلياً، واقتادوهم كرهائن إلى غزة. وخلال الهجوم وما تلاه من ردّ إسرائيلي، قُتل نحو 1,200 إسرائيلي و1,500 من مقاتلي حماس.
من بين هؤلاء الإسرائيليين، كان أكثر من 400 جندي من الجيش الإسرائيلي، وتقدّر الأرقام بحوالي 450. هؤلاء الجنود كانوا ينتمون إلى وحدات مهمتها، لعقود، قمع الفلسطينيين وترويعهم.
ويستند هذا التقدير إلى شهادات جنود إسرائيليين سابقين اختاروا الإفصاح عن طبيعة ومهامهم في غزة. ومن يشك في ذلك يُنصح بالاطلاع على حركة “كسر الصمت” وقراءة أو الاستماع إلى شهادات هؤلاء الجنود.
امتلكت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خطط الهجوم على السابع من أكتوبر بشكل كامل وتفصيلي منذ عام قبل وقوعه. كانت تعرف كيف سيحدث الهجوم، وأين ستُخرق الأسوار، وحجم ونوع القوات المشاركة، والمواقع، والأهداف. ومع ذلك، اختارت القيادة الإسرائيلية عدم التحرك.
بل في الأسابيع التي سبقت الهجوم مباشرة، قلّصت القوات في المنطقة، مما أضعف القدرة الدفاعية المحتملة، وأُعيد نشر هذه القوات إلى الضفة الغربية لأسباب لم تُفصَّل حتى اليوم.
المراقبون على طول السياج، وهو حاجز مزوّد بالكاميرات وأجهزة الاستشعار ونقاط إطلاق نار آلية، والذي ادّعت إسرائيل أن حتى الحمام لا يمكنه عبوره دون أن يُكشف، أبلغوا قيادتهم بتحركات غير معتادة على الجانب الغزّي.
وقد شوهدت تدريبات عسكرية هناك. وكانت غزة، بلا مبالغة، أكثر مناطق العالم حضانةً للمراقبة، ومع ذلك جرى تجاهل هذه التحذيرات أو رصدها دون اتخاذ أي إجراء.
كما حذّرت مصر إسرائيل من وقوع هجوم مسلّح واسع، لكنّ الرد الإسرائيلي كان الصمت وعدم التحرك.
عندما تحركت الجرافات نحو السياج، وانطلقت الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة صوب الثغرات، كان بالإمكان نشر القوات الجوية فوراً. إسرائيل دولة صغيرة، ويمكن للطائرات والمروحيات الوصول خلال خمس عشرة دقيقة أو حتى خمس دقائق لو صدرت الأوامر.
كان يمكن أن تمنع حماس من تنفيذ الهجوم. ومع ذلك، مرت عدة ساعات قبل أن يظهر الجيش أي رد فعل مهم، وخلال هذه الأربع إلى الست ساعات حدثت معظم عمليات الخطف البالغ عددها 250 رهينة.
أما بالنسبة إلى الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا، والبالغ عددهم بين 400 و450، فبينما مات كثيرون منهم وهم يقاتلون، فقد قُتل على الأقل مجموعة واحدة كانت متمركزة في قاعدة عسكرية بواسطة الجيش الإسرائيلي نفسه، حين أمر قائد القاعدة بضربة جوية على جنوده، تنفيذاً لـمبدأ حَنّيبعل، الذي ينص على قتل الجنود بدلاً من المخاطرة بأسرهم. العدد الدقيق لهؤلاء الجنود غير معروف، لكنه بلا شك أكثر من مجرد مجموعة قليلة.
لقد أخبر العالم، ولا يزال يُخبر، أن حماس قتلت 1,200 إسرائيلي ذلك اليوم. هذه الرواية تتجاهل حقائق أساسية حول من قُتل، وكيف جرى الهجوم، وإجراءات الجيش الإسرائيلي.
وقد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، يوآف غالانت، أن الجيش أطلق النار على جنوده ومدنييه بلا تمييز. وعندما وصلت ثلاث وعشرون مروحية هجومية أمريكية الصنع من طراز أباتشي إلى المهرجان، أطلقت النار على من كانوا في الأسفل دون معرفة من هم من مقاتلي حماس ومن كانوا متفرجين. وقد شهد عدة طيارين لاحقاً على ذلك.
جعلت الفوضى من المستحيل التمييز، وكانت الأوامر واضحة: إطلاق كل الذخيرة، العودة إلى القاعدة، إعادة التسلح، وإعادة الهجوم.

كل مروحية تحمل كمية كبيرة من الذخيرة وصواريخ هيلفاير، وقد كررت 23 مروحية هذا الهجوم مرتين. ولقي عشرات الإسرائيليين حتفهم على أيدي المروحيات الإسرائيلية.
كما دُمرت ما لا يقل عن سبعين مركبة كانت تهرب نحو غزة من الجو، وكانت على الأرجح تحمل رهائن إسرائيليين تحت سيطرة حماس.
ولم يكن هذا التدمير ممكناً بأسلحة حماس الصغيرة، بل كانت بصمات صواريخ هيلفاير الأمريكية واضحة. لقد قتلت إسرائيل أبناءها عن قصد وفقاً لمبدأ حَنّيبعل.
وإذا افترضنا أن كل مركبة كانت تحمل رهينة واحدة فقط، فهذا يعني أن سبعين من أصل 1,200 قتيل إسرائيلي قُتلوا عمداً بواسطة الجيش الإسرائيلي.
لم تُنشر هذه الحقائق على نطاق واسع، وعند ظهورها تم قمعها، مما يبرز تواطؤ الإعلام الغربي في إخفاء الحقيقة. لو نُشرت الحقيقة على نطاق واسع، لكان الدعم الأعمى والعاجل للرد الإسرائيلي العنيف قد تراجع بشكل كبير.
تخيّل قراءة تقرير في 8 أكتوبر يفيد أن 2,500 مقاتل حماس دخلوا إسرائيل وفق خطة معروفة منذ عام، وأن إسرائيل قلّصت قواتها، وتجاهلت التحذيرات، وانتظرت ست ساعات قبل الرد، ثم أمرت بمبدأ حَنّيبعل، مما أدى إلى مقتل المئات على أيدي جيشهم، بما في ذلك الجنود. هل كنت سترفع لافتة “أنا أساند إسرائيل”؟
لقد حُجبت الحقيقة، وحلّت محلها الأكاذيب الكبيرة والمفبركة التي تهز المشاعر: أطفال مقطوعو الرؤوس، نساء حوامل مُعتدى عليهن ومقتولات، رُضع أُلقي بهم في الأفران، أطفال أُحرقوا وأُطلق النار عليهم، عائلات أُحرق أفرادها في سياراتهم.
ونشرت هذه الأكاذيب على نطاق واسع من قبل المسؤولين والجنود وقادة العالم، بما في ذلك الرئيس بايدن، عبر وسائل الإعلام الرئيسية. لو علم الناس أن هذه الادعاءات كاذبة، لكان الرد العالمي مختلفاً تماماً.
أتوقع أن يتهمني البعض بمعاداة السامية، وهي تهمة بالية تستخدم لتبرير الأفعال الإجرامية، وقد يصفني آخرون بأنني مؤيد لحماس. أنا لم أؤيد العنف أبداً، ولا أوافق عليه. لقد كتبت لسنوات عن قمع الفلسطينيين.
وما أقوله هنا هو أن الشعوب المضطهدة والمظلومة غالباً ما تقاوم عندما تستمر الانتهاكات. بعضهم سيجد السلاح إذا منعوا منه، أو يصنعونه إذا لم يكن هناك خيار آخر، أو يلتقطون الحجارة إذا كان هذا كل ما هو متاح.
كل مقاتل من حماس الذي هاجم في السابع من أكتوبر وُلد وترعرع تحت الاحتلال والفصل العنصري في فلسطين التاريخية، ولم يهاجم أحداً خارج حدود ما سُلب منهم. وقد بُنيت المستوطنات التي استهدفوها على أراضٍ فلسطينية مسلوبة. وهذه حقائق نادراً ما تُذكر في الإعلام الغربي السائد.
لا أعلم إن كان هذا المنشور سيُحذف أو يُقمع، لكن كل ما ذكرته قد أُعلن بصراحة من قبل صحفيين وباحثين مرموقين مثل ماكس بلومنثال، كريس هيدجز، نورمان فينكلستاين، ونوام تشومسكي. إن حجبي أو تقييد ظهوري يشكّل انتهاكاً لحرية التعبير ورقابة سياسية صريحة.
ليُحكَم الحق بالكامل عن السابع من أكتوبر، ولْتتوقف الإبادة، وينتهي معها الاحتلال غير القانوني والفصل العنصري. ولْيُحاكم جميع الجناة أمام أعلى المحاكم الإنسانية، ويُعاقَبوا على جرائمهم بغض النظر عن جنسيتهم أو مناصبهم.
ولْتكن فلسطين حرة، يحكمها الفلسطينيون لأجل الفلسطينيين، ولْتُعاد إعمارها وفق اختيارهم، مع تعويضات مالية ضخمة من الدول المتواطئة في تدميرها.
* ترجمة محمد المخلافي لمقال الفنان التشكيلي والناشط الحقوقي الأمريكي براين كارلسون