آراءسياسة

العلاقات المغربية الجزائرية من منظور المعارضة الجزائرية( 2)

كما قلنا في الجزء الاول فإن نظرة الجزائريين عامة و المعارضة الجزائرية خاصة للمغرب و للعلاقات الجزائرية المغربية تغيرت منذ بداية الحراك الشعبي الجزائري في 22 فبراير 2019 . فكيف تأتى ذلك.

قبل الخوض في الموضوع لا بد من التذكير أن التراكمات السلبية التي تركها العداء الاعمى السياسة البومديانية تجاه المغرب، و التي مازالت ساءدة قد خلفت جروحا عميقة في محاولات التقارب بين الشعبين الشقيقين المغربي و الجزائري و على ساءر شعوب المغرب الكبير.

إن محاولات النظام الجزائري التمركز كقوة إقليمية في المنطقة، جعلته يقوم بسياسات و سلوكات تنبني على إضعاف المنافس المباشر له الذي هو المغرب في حين كان ارتكاز المغرب و منذ الثورة الجزائرية على التكامل و الاتحاد خدمة لصالح الشعوب.

و قد رأينا في ما سبق من المقالات التغيير الجوهري الذي عرفته العلاقات المغربية الجزائرية في الاتجاه السلبي منذ استيلاء الجيش على الحكم بانقلاب بن بلة و من بعده إنقلاب بومدين.

إن تاثر بومدين بالايديولوجيا السوفياتية و عروبية جمال عبد الناصر جعلته يوجه اول طعنة للمغرب سنة 1963 من خلال افتعال حرب الرمال مع المغرب، و ذلك لتغطية على المعارضة الداخلية التي يتلقاها نظامه من طرف ابرز مكونات جيش التحرير، و اعضاء المقاومة الجزائرية الذين كانوا يدفعون في إتجاه خلق دولة مدنية ديمقراطية بدل دولة عسكرية، انتهى فيها دور العسكر لانتهاء حرب التحرير . حاول بومدين من أجل فرض هيمنته على مفاصل الدولة و تصفية المعارضين، افتعال حرب و إفتعال عدو خارجي لتوحيد الصف الداخلي و لهذا اختار المغرب المساند الرسمي و الحقيقي للثورة الجزائرية فقام بافتعال حرب الرمال.

بعد تمكنه من ترسيخ معاداة المغرب لدى شرائح واسعة من الشعب الجزائري، الذي استنكر الاعتداء المفترى للمغرب على دولة جنينية، إنتقل بومدين الى تصفية المعارضين و التنكيل بهم و سجنهم و متابعتهم حتى في الخارج كما حصل مع محمد حيدر اول من ادخل العلم الجزائري الى البلاد و الذي إغتاله في إسبانيا.

يعتبر بومدين إذن المسؤول الأول عن ما يقع الان الجزائر و للمنطقة المغاربية. فقد عمل بكافة الطرق المشروعة و غير المشروعة ؛ العسكرية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية على اضعاف المغرب و بث السموم بين شعوب المنطقة ليتأتى له الهيمنة إقليميا تقليدا منه لعبد الناصر الذي كان يريد الهيمنة على الشرق الأوسط.

و لم يكتفي بومدين و النظام العسكري الحاكم معه و بعده الى حدود الان بزرع الفتن بين الشعوب بل ذهب الى حد تزوير التاريخ و الحقائق بشكل فج في اتجاه مخططاته، و من بين أوجه تشويه التاريخ هو خلقه و دعمه و تمويله و تسلبحه للبوليزاريو الى حد خلق دولة وهمية لا تتوفر على أدنى مقومات كيان لكنه رسخها في عقول الجزائريين، و وزعها بالاعتماد على مداخل النفط عالميا من خلال تمويل إعترافات لها من دول بواسطة حافظات أموال و ليس قناعات سياسية.

إن مستوى العداء الذي نراه الان من غالبية الجزائريين اتى عن طريق تلك التراكمات و الترسبات التي تحرقنا لها. إنها نتاج بروباغاندا ضخمة سخرت لها كافة وسائل الدولة من اجل تنفيذها و العمل على استمراريتها الى حدود الساعة.

فلا غرابة أن تجد في سجال مع جزائري على مواقع التواصل الاجتماعي كونه لا يتوفر على معطيات تاريخية صحيحة و يدافع عن الباطل و لو بينت له الحقيقة في مختبر علمي، فهو الى حد ما معدور كونه كان نتيجة حتمية لتراكمات تاريخية مزورة أفرغت الشعب الجزائري بكل اطيافه من كل معنى، و ما المستوى الهزيل المتهافت الذي نرى عليه اليوم طبقة مهمة من الأساتذة الجامعيين الجزائريين في وسائل الاعلام سوى نتيجة صافية لما ذكرنا

كان لا بد من التذكير بهكذا معطيات لنبين كيف تحولت بعض أطياف الشعب الجزائري تحولا موجعا من اتباع بروباغاندا النظام الى الثورة عليها،  هذه الثورة هي التي تنتجها الحراك الشعبي الجزائري و الذي اصبح يتكون و يتبلور لديه الوعي بأن العدو الحقيقي لهم ليس هو المغرب بل النظام الذي يحكمهم، و الذي اوصل البلاد إلى الهاوية بواسطة سياسات تقوم على نهب الخيرات و عسكرة جميع المجالات و تغييب الشباب الجزائري و طاقاته الحية من اي مشاركة في الحكم.

لقد شكل فعلا الحراك الجزائري و بمساعدة من التواصل و الاحتكاك و إلتماس الحضاري بينه و بين الشعب المغربي ؛ فاصلة فارقة في تغيير نظرة الجزائري للمغرب؛ و إستنتاجه أن اصل الداء و العداء بين الشعبين الشقيقين هم بالدرجة الأولى البوليزاريو، و لا احد غيره، فقد توصل أحرار الجزائر الى ان البوليزاريو ليس سوى السكين الذي بواسطته يقوم النظام العسكري بدبح شعبه، و هو الأداة التي يتم إستغلالها لالهاء الشعب عن قضاياه الحقيقية و الجوهرية المتلخصة في شعارات الحراك : دولة مدنية ماشي عسكرية و تنحاو ݣاع و تبون المزور جابوه العسكر الشعب تحرر هو لي يقرر دولة مدنية .

هي اذن منطلقات تشكيلة قطيعة ابيستيمولوجية في نظرة الجزائريين للمغرب، و هو ما آلم النظام و اوجعه في المقتل، و كان رد فعله قاسيا تجاه شعبه و تجاه المغرب بالشكل الذي نراه اليوم .

إن الصدأ الذي يعاني منه الضمير الجمعي الطبقة السياسية في الجزائر ،و عدم رغبتهم في تجديد آليات العمل، و تجاوز ادوات العمل البومديانية التي ترجع السبعينات، جعلتهم في مواجهة مباشرة مع الشعب الجزائري، الذي رفض جميع مبادرات الحكم من دستور و انتخابات و ما يسمى بمبادرة لم الشمل؛ لأنه اقتنع قناعة تامة ان النظام الجزائري لا يقوم سوى بكسب الوقت لضمان استمراريته و هروبه من النتيجة الحتمية، و التي تتلخص في كون جميع رجالات الدولة عسكريون كانوا ام مدنيون، ليسوا سوى لصوص المال العام و قتلة لم يتوانوا و لو للحظة في تصفية ربع مليون جزائري بدم بارد خلال العشبية السوداء  و أن أي تسليم للحكم الشعب سيقودهم جميعا للسجن لثقل الملفات التي تورطوا فيها. و عليه فالنظام يعمل جاهدا لإعادة إحياء سياسات بومدين الممثلة في توجيه الراي العام نحو العدو الكلاسيكي، كما وصفه قائد جيشهم الذي هو المغرب و رفضه أي مبادرة لمناقشة المسائل العالقة، سواء أتت من المغرب أو من دول عربية حاولت جاهدة و لم تنجح.

و عندما نتحدث هنا عن المعارضة الجزائرية فإنها تعني بها الممثلة الحراك الاخير، فهي في غالبيتها تتكون من حركة رشاد الإسلامية و خاصة من مؤثرين في التواصل الاجتماعي لهم الملايين من المتابعين و من ابرزهم : امير ديزاد و هشام عبود و محمد الغربي زيتوت و انور مالك و شوقي بنزهرة و وليد كبير و مهدي غاني و غيرهم .
هؤلاء كلهم ما عدا حركة رشاد الممثلة بالعربي زيتوت يدافعون بكل جرأة عن الوحدة الترابية للمغرب، و ينادون بأن قضية البوليزاريو هي قضية النظام الجزائري، و لا تهم الجزائر لا من قريب و لا من بعيد، و عندما إستثنيت حركة رشاد فهم لهم نفس الموقف لكنهم يتلكؤون في الإفصاح عنه، رغم أنهم ينادون بوحدة المغرب الكبير و ان الأمر لا يسمح بزيادة كيان آخر ؛ بل يتوحيد الدول الخمس لكنهم لا يبدون ودا تجاه المغرب كما هو الحال بالنسبة للآخرين الذين ذكرت .

أمام هذا الوضع و ثقل الذين ذكرتهم في توجيه الرأي العام الجزائري؛ فقد وصل الحد بالمخابرات الجزائرية إلى الحد الذي به شكلت لجنة مخابراتية لتصفيتهم فوق التراب الاوروبي،  لكن و كما قلنا نظرا لتآكل أدوات عمل النظام إفتضح أمرهم و تراجعوا عن مخططهم الخبيث، هذا لكنهم وجهوا كل مجهودات الدبلوماسية الجزائرية و عمل مخابراتها و تحركات عملاءها، من أجل إستقدام هذه العناصر الى الجزائر و لو كان ذلك على حساب المصالح العليا للبلاد بما في ذلك تقديم الرشاوي و بيع الغاز و البترول باثمان رخيصة.

لقد وصل الامر بالنظام الجزائري إلى الحد الذي وضع فيه شرف ديبلوماسيته و مقدرات بلاده في خدمة البوليزاريو و معاداة المغرب، و معه العمل على إسكات الأصوات الجزائرية التي تنادي بأولوية مصالح البلاد على شيء اسمه القضية الصحراوية. فتشكلت معادلة بين الطرفين أي النظام و المعارضة الحقيقية و هي : أحرار الجزائر يضربون النظام في مقتله، ألا و هو البوليزاريو و النظام يحاول ضربهم بالوطنجية الزائفة من خلال اتهامهم بالعمالة للمغرب.

إنها معركة تكسير عظام بين الطرفين، التاريخ وحده سينصف ذوي الحقوق ألا و هم الشعب الجزائري في مواجهة نظام خبيث، و المغرب في حقه المشروع دفاعا عن وحدة أراضيه. و سنرى إنهيارا وشيكا لهذا السرطان المتشكل من عملاء فرنسا، و الوارثين لفكرة كتيبة لاكوست، سرطان إستئصاله سيكون خيرا و دواء لمشاكل المغرب الكبير الذي تنشده كافة شعوب المنطقة.

https://anbaaexpress.ma/kvwl0

علي بن الطالب

مناضل نقابي و جمعوي سابق و مهتم بالشان الثقافي و السياسي و العلاقات المغربية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى