آراء
أخر الأخبار

لماذا تخلفنا ؟.. لأن المتطرفين كتبوا تاريخنا ومستقبلنا

كان المفترض أن يقود الاختلاف الطبيعي بين المسلمين إلى تنوع فكري يثري التجربة الإسلامية، لكن الأمر انقلب إلى صراع دموي مبكر..

في العالم الإسلامي، يظل النقاش حول تأثير الحركات الدينية المتطرفة واحداً من أكثر المواضيع حساسية وضرورة في الوقت نفسه، لأن هذه الحركات لم تكن مجرد ظاهرة طارئة، بل صارت جزءاً من مسار طويل ساهم في تعطيل إمكانيات التطور والازدهار التي امتلكتها المنطقة عبر قرون.

فمنذ اللحظة التي غاب فيها النبي عن الأمة، بدأت تتشكل بذور القراءة المتشددة للدين، تلك التي لم تفهم الروح الإصلاحية التي حملها الإسلام في بداياته، بل تعاملت معه كملكية سياسية وثقافية يجب احتكارها.

كان المفترض أن يقود الاختلاف الطبيعي بين المسلمين إلى تنوع فكري يثري التجربة الإسلامية، لكن الأمر انقلب إلى صراع دموي مبكر. انقسم الناس بين فرق ومذاهب، وكل فريق اعتبر نفسه ممثلاً حصرياً للحقيقة، بينما تحولت السياسة إلى ساحة توظيف ديني، واستُخدم النص لتبرير السلطة أو إسقاطها.

ومع مرور الزمن، صار التشدد هو الصوت الأعلى، وصارت الموعظة التي تُخيف الناس وتُحاصر حرياتهم أكثر تأثيراً من تلك التي توسّع أفقهم وتدفعهم نحو الإبداع.

ساهمت هذه الحركات عبر التاريخ في خلق مناخ عام من الشك والرقابة والخوف. فمن جهة، حاربت الفلسفة والعقل والمعرفة، ومن جهة أخرى، أنتجت خطاباً يُجرّم التفكير الحر ويعتبر العلم خطراً إن لم يكن خادماً للعقيدة كما تتصورها.

هكذا تحوّل المجتمع شيئاً فشيئاً إلى فضاء مغلق، وأصبح الانغلاق الثقافي جزءاً من الهوية اليومية. فالمدارس الفكرية التي كانت قادرة على إنتاج علماء كبار وفلاسفة ومفكرين تمت محاصرتها، وحُوِّل الدين من منظومة قيمية مرنة إلى نص جامد يُستخدم كسلاح ضد البشر.

وفي العصر الحديث، ومع صعود الحركات الإسلامية السياسية، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين، تجددت الأزمة بأشكال أكثر تنظيماً وتأثيراً. فقد أدخل الإخوان الدين في معادلة الصراع السياسي المباشر، وحوّلوه إلى مشروع حزبي، يملك رؤية أحادية عن المجتمع والدولة.

زاد هذا التحول من انقسام الناس، لأن الحركات التي جاءت بعدها سارعت إلى تبني خطاب أكثر تشدداً، كي تميّز نفسها وتكسب جمهوراً أكبر. فتولّدت فصائل مسلّحة، وسقطت مجتمعات بأكملها في دوامة العنف، وصارت الدماء جزءاً من الخطاب اليومي.

هذه الحركات، رغم اختلاف أشكالها وشعاراتها، تلتقي في نقطة مشتركة: تصوير العالم على أنه معركة مفتوحة بين «نحن» و«هم»، ومحاولة فرض نموذج واحد على الجميع.

وفي ظل هذا التفكير، لا يمكن لمجتمع أن يزدهر أو يبدع.

لأن الازدهار يحتاج إلى فضاء يسمح بالأسئلة، بالاختلاف، بالتجربة، بالنقد، وبالخيال الحر. أما الفكر المتطرف فلا يحتمل سوى الطاعة والاتباع، ولا يرى في الإنسان سوى تابعٍ مُسَيَّر، وليس كائناً قادراً على صناعة مصيره.

إن جزءاً كبيراً من التخلف والجهل المنتشر في العالم الإسلامي اليوم ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لسيطرة خطاب ديني متشدد لقرون طويلة، هذه الحركات لم تكتفِ بتحريف المعنى الحقيقي للدين، بل صادرت قدرته على الإلهام، ودفعت الشعوب إلى العيش في ظل الخوف من السؤال والخوف من التطور والخوف من العالم.

وإذا أرادت المجتمعات الإسلامية أن تستعيد قدرتها على النمو والازدهار، فعليها أن تفكك هذا الإرث الثقيل، وأن تميّز بين الدين كقيمة روحية وإنسانية وبين من يستخدمه كأداة سلطة وصراع.

فالدين الذي جاء ليحرر الناس من الخرافة لا يمكن أن يصبح عبئاً معرفياً وثقافياً إلا عندما يحتكره المتطرفون. الطريق نحو المستقبل يبدأ من استعادة العقل، ومن إعادة الدين إلى مكانه الطبيعي: قوة أخلاقية تحفّز الإنسان على البناء، لا على الهدم.

https://anbaaexpress.ma/kqmgj

محمد بوفتاس

كاتب صحفي وسيناريست مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى