آراء
أخر الأخبار

إلى المنافقين.. وبعض أقوالي أمام الله

هذه رسالتي إلى رافعي الراية البيضاء، المخذلين والمتخاذلين في قضايا الوطن وبناء الدولة السودانية الحديثة

ذكر أهل السير في الأخبار التي أوردوها من كتاب شرح السيوطي للقرآن، في تفسير سورة الأحزاب عند الحديث عن حفر الخندق، أن بعض قبائل العرب كانت على حلف مع يهود المدينة التي كان على رأسها ابن سلول زعيماً، أنهم ناصروا قريشاً في تحالفها مع بني قريظة ضد المسلمين وبعض أحياء العرب، فلما استحكمت حلقات النزال، وبعد حفر الخندق، نكثوا عهدهم، وأقلق مضجعهم نعيم بن مسعود رضي الله عنه، علماً بأن الخندق لم يكن فيها قتال، بل فرقهم الله بالريح الصرصر في ليلة شديدة الحلوك، ثم ذكر بعض أهل السير أن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، كانت تطبب المرضى وتقوم عليهم وتداوي جراحهم وتسقيهم، وهذا خطأ منهم كبير! إذ أنها، كما ذكرت، لم يكن فيها قتال، بل تفرقوا أيدي سبأ بسبب الريح الصرصر، وذكروا أن النبي قال لأصحابه يومئذ: (من منكم يأتينا بالخبر) فقال أحدهم، وهو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (أنا يا رسول الله)، فذهب إلى خبائهم وخيامهم ومنازلهم، والليل حالك بالسواد إذا أخرج يده لم يكد يراها، فوصل القوم وخضارمتها وسيدهم يومئذ أبا سفيان صخر بن حرب، فقال لمن معه من الذين تجمعوا من قبائل العرب بالمدينة: (فليعرف كل واحد منكم بالذي بجواره عسى أن لا يكون بيننا من هم من أصحاب محمد) أو كما قال، قال حذيفة بن اليمان: فبادرت أسأل الذي بجواري قبل أن يسألني هو فينكشف أمري، فقلت: (من الرجل؟)، قال: (فلان)، ثم التفت إلى الذي يليه فقال بشدة: (من الرجل؟)، فقال: (فلان)، فلم يتبينوا خبري، واشتدت الريح وخلعت الخيام وزلزلوا زلزالاً شديداً، فعدت إلى رسول الله فأخبرته الخبر، إلى آخر ما ذكروه في الأثر لأصحاب السير.

إن حذيفة بن اليمان يمثل الغواصة الحسنة أو رجل المخابرات العامة، وسفيان والنبي أحد قطبي رحى الحرب، كما هو اليوم بين فلان وفلان، أو بين جهة وأخرى، وانتصر المسلمون بفضل الله، ثم بالريح الصرصر، وقفل المشركون راجعين إلى مكة خائبين يجرجرون أذيال الشنار.

هذا! وقال النبي لنعيم بن مسعود رضي الله عنه يوم الخندق التي وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة للإخراج النبوي، الموافق لسنة ٦٢٩ للميلاد، قال: “خذل عنّا إن استطعت، فإن الحرب خدعة”، وكانت بين المسلمين من جانب، ومن جانب التحالف بين قريش وبني قريظة وقومه غطفان، وخذل عنهم مما يعتبر غواصة حسنة، كما جاء أعلاه.

هذا! وفي العصر الحديث، ينطبق عليهم بصفاتهم أن مثل تلك الحروب الدائرة هنا وهناك، كما في الميديا اليوم، من تراشق وسباب ولعان وطعان وضراب بلا ريب.

هذا! ويوم حنين هزموا أول الأمر، وما هي إلا ساعات موقوتة حتى أمر النبي عمه العباس أن ينادي في الناس، وكان جهور الصوت قويه، فقال له بعد أن سرت شائعة مقتل رسول الله وتفرقت الصحابة عنه لما حمي الوطيس، فنادى: (إن رسول الله لم يقتل)، فاجتمع الناس حوله، ونادى رسول الله يومها: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، فتجمعوا حوله، ثم كانت النصرة له ولأصحابه.

أنا ذكرت بعض تلك المشاهد، وقارنتها بما يحدث اليوم من معارك ضارية في الأصقاع، ومن معارك بلا معترك في الميديا وغيرها بين بعضهم البعض، “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، فإن جازت تسميتهم بالمنافقين – بل تجوز بلا منازع -، فهم يمثلون عصر الانحطاط الأخلاقي السياسي، وأن الله سماهم بها في سورة المنافقون، وهم الساسة وبطاناتهم الخبيثة في دائرة المعارك الفكرية نحو البناء والتنمية، وضدها بمحاولة هدمها بأكثر من وسيلة، فإن رحى حرب الطرفين اليوم لا تقف عند مسعود وأصحاب أهل السير والأخبار العتيقة، بل تتعداها ليومنا الحاضر والمستقبل بصورة من الصور، وقال أصحاب المعارف: (إن البداية تشبه النهاية ولا تشبهها)، وهي الضرب سيراً في التاريخ والحضارة والأنثروبولوجيا الآن، وقد تتخذ ذات السيناريوهات القديمة لكن بطرق مختلفة ومتعددة حديثة، منها الميديا والاحتيال على المنظمات الدولية تسولاً بتكوين منظمات حقوقية دولية تطالب بحقوق المرأة والطفل في ظاهرها، لكنها في حقيقة الأمر لتنفيذ أغراض شخصية نرجسية في باطنها، وتتخذ اللاجئات والنازحات من الحرب ذريعة مبررة للتسول باسمهن، في غياب تام للمنظمات التمويلية، وبالأخص لذات الغرض بتسويف وتلفيق كبيرين، وهو ما ينطبق على التحالف القبلي في شبه جزيرة العرب فيما ذكرت أعلاه، ونكوصهم عن نصرة الحق بلا شك.

إن النفاق الاجتماعي، تسولاً بدعم المتضررين من الحروب الدائرة هناك منذ عامين اثنين، والكذب الثقافي باسم حقوق المرأة والطفل والعدالة والديمقراطية المزعومة، لهو سبيل تدفق النقد الملوث بالدماء باسمهن، تحولاً لمنافع خاصة جداً، تنفق على بعض المعرصين شبه ظاهرين على منابر الثقافة والفكر والفن والإبداع، ليدافعوا عن وهم كبير يسمى المنظمات الحقوقية والإنسانية والحريات العامة وحقوق الإنسان وسجناء الضمير الإنساني العالمي في غير موضعه، هم ذات القوم الذين نافقوا رسول الله يوم احتمل كبيرهم الذي تولى كبره، بأن استقالوا أو نكصوا عهودهم ووعودهم في حلفهم مع النبي، كما فعل اليوم بأشياعهم في الادعاء الأرعن والحق المزيف، وعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وهم آنئذ سيفضحهم التاريخ والأيام المقبلات بسوء خلقهم وأخلاقهم أمام المحكمة الأدبية والفكرية والأخلاقية، وليس ببعيد عن سلطة القانون، حيال التحدث بأسماء الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والجنقو المتضررين جراء معسكرات زمزم للنازحين، وأعضاء المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المساكين في العالم، ليأكلوا أموال الناس بالباطل، ويدلوا بها في ردهات محاكم الفيسبوك والتيك توك إلى حكام الداعرات والعاهرات المتسولات بين أوروبا وكاجو كاجي وسوق أم دفسو، يسألون دعاميص سماسرة الموت وتجار الحرب إلحافاً، فلات ولات حين منجا ولا ملجأ ولو بعدئذ.

إن بعض المخنثين الذين يرتادون المنابر الفكرية والثقافية والاجتماعية في بلاد العروبة من بني جلدتنا، ويعرضون فساد بضاعتهم في سوق الكساد الثقافي باسم الفكر والحرف والقلم، ويعبرون عن قلقهم بذات التمشدق، أنهم لا شك زائلون، فهم من أفسد الذوق العام للمتلقي الملتزم طالب العلم والمعرفة والثقافة الحقة من مكنون عرصاتها، فشكلوا وجداناً عقيماً، وذهناً خاوياً، وقلباً مريضاً، وقتامةً في التفريق بين الغث وبين السمين، تارة باسم النقد، وتارة باسم الحزب، وتارة باسم الشلليات الموبوءة بفسيخ التلوث السمعبصري والتلوث العلمي، حتى ناكوا بها أهلنا، ولاكتها ألسن العرب والعجم، ولما يزل البعض منهم يصفق لهم ويرتع معهم، وهم عن جادة الحرف والقلم والفكر بعيدين كل البعد، كما فتق السماء من الأرض، بعد أن كانتا مرتوقتين بمدرسة المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، والكامل في اللغة والأدب، ونقد الشعر والصناعتين، والأمالي، والبخلاء والنبلاء، والبداية والنهاية، والعين، وطواحين الهواء، والطريق إلى منزو، ووفيات الأعيان، والحيوان، والمفضليات، والطبقات، والعتبات، وتي إس إليوت، والثقافة الفرانكفونية والسكسونية، حين أصابت بنت سكسونيا من حيث أخطأت، وقصة مدينتين، وهلم جراً، لكنهم يصرون بلا وازع أخلاقي ولا ضمير حي ولا عقل سليم أن يواصلوا في بث غثائهم ورغائهم وثغائهم إلى الناس، وهم فوق هذا وذاك أشباه القردة والخنازير وعبد الطاغوت، يجتهدون تمثيل ما لا يمكن تمثيله من الفكر الحر والرجل الحر والعمل الحر، ولا ت حين مناص.

قال صاحبنا:

ومما يزهدني في أرض أندلس * ألقاب معتمد ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها * كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

وقالت السعلوة:

أمسك بنيك عمرو إني ٱبق * قد لاح من أرض السعالي ٱلق

هذه رسالتي إلى رافعي الراية البيضاء، المخذلين والمتخاذلين في قضايا الوطن وبناء الدولة السودانية الحديثة، وحياة الإنسان الكريم المواطن السوداني بالأخص، أن كفوا عنا جشاءكم وقيئكم هذا، وما رجع الكلب فيأكله، وبعض أقوالي أمام الله، وللتاريخ، ولا نامت أعين أوروبا، ولا معرصي الوطن العربي، ولا داعرات المنافي، ولا عاهرات التسول الأجنبي باسم الغلابة والمهمشين، والنافقين والمنافقين، لكاكة وفتاكة وحواكة وحناكة ومناكة، ولا جبناء النفس والضمير الوطني الإنساني العالمي المعتل، ولا متصنعي الفكر والحرف والقلم، وإن ارتادوا واعتادوا التزلف في المنابر والمقابر باسم الكربلائيين والحرائر والمثقفين أيضاً، فإن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب.

https://anbaaexpress.ma/k9jeb

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى