يولاندا ألدون كاتبة وشاعرة وصحافية إسبانية، استطاعت من خلال نشاطها الثقافي والأدبي في أن تعزز العلاقات المغربية الاسبانية من خلال كلماتها وأشعارها المستلهمة من التاريخ الحضاري المشترك بين البلدين، والتي كانت بمثابة جسرا للتواصل مع الضفتين، فكان ديوانها الشعري ثنائي اللغة “كلمات هشّة” المفتاح نحو فتح باب التجسير الثقافي بين الضفتين.
كلمات يولاندا هي لوحة ما بين عالمين مختلفين فكانت كلماتها بمثابة تعزيز لهذه اللوحة، وجمعها في الوعاء الحضاري المشترك بين المغرب والجزيرة الإيبيرية.
فحبها للثقافة والأدب المغربي كان حاضرا بقوة في حياتها المهنية، خاصة عندنا كانت أستاذة محاضرة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان.
كما انها كانت أستاذة محاضرة في جامعات أوروبية مختلفة مثل جامعة أليكانتي الدولية وجامعة فالنسيا حول موضوع “كلاروسوكوروس للمرأة الإسبانية المغربية في الصحافة والثقافة والمجتمع” (وحدة المساواة في الجامعة)و جامعة جيلف في كندا “الشعر عبر الثقافات على ضفتي الشاطئ „وجامعة بوخارست في رومانيا “أدب الحواس، وبجانب عملها أستاذة محاضرة فإنها اشتغلت في الصحافة كمحررة متعاونة مع وكالة المغرب العربي للأنباء، ومسؤولة صحفية في عدة مؤسسات إعلامية في إسبانيا ،اضافة إلى مشاركتها في عدة مؤتمرات وندوات ثقافية ذات بعد دولي والعديد من مهرجانات الأفلام .
في هذا الحوار ستتحدث لنا شاعرة الضفتين يولاندا ألدون عن أبرز لمحات ديوانها الشعري ثنائي اللغة “كلمات هشّة” وعن واقع الأدب الهيسبانو مغربي وغيرها من المحاور
عند قراءتي لبعض مقتطفات ديوانك الشعري “كلمات هشّة نلاحظ أن هناك مزج بين الشعر و الرسم ما السر وراء هذه المبادرة الرائدة من نوعها في المجال الأدبي والثقافي بشكل عام؟
سأبدأ من فرضية، فكل كاتب يثبت نفسه كقارئ لعالمه الأدبي الذي تم اختياره وفرضه أكاديميًا مع الأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة، منذ أن كنت طفلة قرأت الشعر ، كبرت دون أن أعرف أن ما كتبته كان شعرًا. لقد كانت لعبة، لقد كانت كنزي. كتب والدي عدة قصائد وأخفاها، لابد أنه أدرك أنني قد وجدتهم وبدأت أرى الشعر وأقيمه باعتباره مثل عملية البحث عن الكنز .
لقد نشأت بين شعر العصر الذهبي مثل كارسيلاسو دي لابيغا وكلاسيكيات بيرغيلو وهوميرو، ونصوص أندرياس كابيلانوس عن الحب، وأورتيغا إي جاسيت وهنري ستيندال، ومارغريت يورسينار، ودانتي و أوديسياس إيليتيس، و نيرودا، وخوليو كورتازار، و روزاليا دي كاسترو وخوان فاليرا و أورهام باموك، و رافائيل ألبيرتي، و فيرناندو كينيونيس، ولا أنسى أصدقائي الأعزاء خاصة بيلار باز باسمار، ومحمد الصيباري الذين تعلمت منهم الكثير.
كل تلك القراءات مع الخلفية الموسيقية التي يمكن سماعها في المنزل، والطقوس الصوفية الأندلسية و أغاني إدواردو بانياغوا و لوحة أمي ، كل هذا الخليط من التخصصات الفنية، لا يمكن فصلها بعضها عن بعض ولقد كانت دعمًا إبداعيًا لا يمكن تجزئته عن هذه المنظومة
لهذا السبب يقولون في أبياتي الشعرية أن هناك لوحة وموسيقى، ولها منطقها لأن الشعر محكي والرسم هو شعر صامت وكلاهما موسيقى.
هل عملك الأدبي “كلمات هشّة” انعكاس وجداني لحبك للمغرب؟
يعتقد النقاد ذلك، لكنه يذهب إلى أبعد من ذلك،الكلمات الهشة “جنبًا إلى جنب مع” قادس والشاطئ الآخر أو الضفة الأخرى „، هما كتابان يؤصلان للثقافة الإسبانية والمغربية. وهكذا فإن اللغة والتاريخ والفنون والإثنوغرافيا تشهد على التعايش لأكثر من سبعة قرون من التاريخ الذي لا يمكن أن يمر دون أن يلاحظه أحد كما وصفه أورتيغا وجاسيت.
شعري هو ذلك الجسر بين الأندلسي الذي لا يزال حيا من خلال سيره في المدن، وبين أهازيج الفلامنكو التي تشبه نداء المؤذن، وبين تداخل المناظر الطبيعية الخلابة بسبب تناسق المساحات، في الحقيقة الكتاب يحتوي على صور وعندما يسأل القراء يشعرون بالحيرة، ويعتقدون أن بعض المساحات مغربية وتنتمي إلى الأندلس.ومع ذلك، فإن الشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو عندما يسألونني إذا كنت من أصل مغربي، والداي من قادس، لكن صحيح أن لقب ألدون موجود في سانلوكار دي باراميدا وهناك الموريسكيين طردوا من هورناتشوس (إكستريمادورا) مكثوا في المدينة قبل عبور المضيق حتى وصلوا إلى مدينة سلا المغربية، التي كانت في مضى يطلق عليها جمهورية القراصنة، وأعتقد أن أجدادي جزء من تلك القصة وحبي وعشقي للعربية لم يكن مفهوما فقد احببت قصائد لشعراء عرب مثل عفيفي مطر وولادة بنت المستكفي وابن زيدون وابن القوطية ولسان الدين ابن الخطيب. . الخ.
وبنفس الطريقة، فإن صورة غلاف كلمات هشة والتي رسمها الفنان عبد الكريم بنتاتو، الذي عندما رآها في مدينة تطوان معروضة فإنها صورة تكشف شخصية الرجل الذي يعتنق من خلال حبه فكرة أن المرأة تحتضن كل شيء إنه وصف لهذا الوجود وكأنه قصة شعرية.
ومن هنا فإن الجمع بين نوعين أدبيين في بوثقة واحدة، هو شعر يُروى من خلال إقتران بين ثقافتين وعالمين يجمعهما البحر والتأثيرات التاريخية.
ما الدافع الرئيسي الذي جعلك في أن تخرج هذا العمل الأدبي إلى الوجود؟ وهل كان مشروعا مستقبليا بالنسبة لك؟
كانت هناك شكوى من عدم المساواة بين النساء الإسبانيات والمغربيات في إبداعاتهن الأدبية، مقابل الرجال وفي الحقيقة أتذكر أحد مشاريع المجلس الأندلسي وكنا جميعًا شعراء من منطقة الأندلس والمغرب وكانوا جميعًا رجالًا وكنت المرأة والشاعرة الوحيد في هذا المشروع وقد إنعكس ذلك في صور الأرشيف.
وبالمثل، تم إنشاء الكتاب للمساهمة في مساعدة لأطفال بجمعية المغرب في تطوان ASPIF ، وكل بيع الكتب في المغرب كان مخصصًا بنسبة 100 ٪ لمساعدة هؤلاء الأطفال في وضعية هشة، و الذين زرتهم في منازلهم سواء في مركز الاستقبال أوفي المركز ذاته حيث يساهم الملك محمد السادس بأموال مهمة للحفاظ على هذا المشروع .
ماهي المدن المغربية والإسبانية التي أثرت فيك كشاعرة وككاتبة على ضفتي الشاطئ؟
بلا شك تلك الموجودة في شمال المغرب والدار البيضاء والرباط، ولكن قبل كل شيء تطوان الحمامة البيضاء ومدينتي الزرقاء شفشاون و التي منحتني لقب المواطن الفخري والذي أواصل كتابة أبياتي الشعرية إليها.
ماهي المحددات الرئيسية التي تنطلقين منها لكتابة الشعر؟
الشعور بالروح و الرغبة في الصراخ، من خلال الصوت الشعري الداخلي و أحيانًا يكون الشعور بالحب كمحرك للعالم والحياة معا وأحيانًا أخرى نقدًا اجتماعيًا أو سياسيًا، وأحيانًا أخرى تمردًا على الظلم والإساءة، ويروي البعض الآخر قصة من خلال نوع أدبي مثل الشعر وهو شعر طبيعي وبسيط. وهذا مفهوم يحدده القارئ وهو مبدأ يتعارض بشكل عام مع النظرية التقليدية للأنواع الأدبية.
ماهو تقييمك لواقع الحركة الثقافية والأدبية بين المغرب وإسبانيا في زمن جائحة كوفيد 19؟
في الأدب كان هذا هو الانعكاس الذي يشعر به المجتمع بشكل عام، والحزن والخوف من المجهول، أن ما هو مهم حقًا في هذه الحياة هو الحب والاحتضان والتواصل وجعل الثقافة كدواء للروح ولهذا ، كانت الشبكات الاجتماعية أساسية للموسيقى والمسرح والسينما والأدب.
أنا شخصياً استفدت من إكستريمادورا لإنشاء مشروع “احتضان التضامن” حيث ترددت أصداءه بوسائل الإعلام و كان يستضيف من كل يوم في الساعة 8 مساء ممثل أو موسيقي أو شخصي مشهورة رسالة تشجيعية لحي في المدينة الثقافة تفرح وتثري الإنسان في زمن الجائحة، آمل أنه بعد التغلب على هذا الوباء، أن يتم عطاء قيمة حقيقية للثقافة.
ما هي الميزات التي تعتبر استثنائية للكاتب الهيسبانو المغربي؟
قضيت أنا وصديقي محمد الصيباري ساعات في كتابة الشعر على الماسنجر، وبعد مدة أدركنا أنه على الرغم من ولادتنا في بلدان مختلفة و من شاطئين مختلفين، فقد كتبنا بنفس اللغة وشعرنا بنفس الأحاسيس واستخدمنا العناصر الشعرية والمناهج الأسلوبية النموذجية للأدب الأندلسي ، وهذا هو السبب في “خليط الخلق “كما أسميه، وكان الأدب على ضفتي الشاطئ دليلاً على ذلك، وقد أسعدنا ذلك كثيرا في إدراك هذا التيار الذي كافحت من أجله منذ بداياتي “شعر الضفتين”.
يجب أن أقول، دون إعطاء أسماء، أن كاتبًا مشهورًا كتب لي “من الخطأ ارتكاب ثنائية اللغة في كتاب به ثقافتان مختلفتان”. على مر السنين، نُشر بلغتين وكان له صدى عظيما في المؤتمرات والندوات الثقافية الإسبانية المغربية المشتركة ولكن لفهم الخصائص بشكل أفضل، أدعوك لقراءة „Kaleidoscopic Africa ” بين الصورة والكلمة والذي نشرته جامعة أليكانتي (Vid.Págs 57-68.
من موقعك ككاتبة خبيرة على ضفتي الشاطئ، ما هو مستقبل الأدب الهيسبانو المغربي في ظل تحديات العولمة؟
من الواضح أن الأدب في تصاعد وليس فقط الأدب بل ايضا المسرح و المسلسلات التلفزيونية أو السينما، في الواقع الآن عندما يسمح لنا كوفيد بالتنفس، سأبدأ تصوير مشروع الفيلم القصير في المغرب بصفتي كاتب سيناريو ومخرج فيلم قصير مع أحد كتاب السيناريو العظماء في إسبانيا وفي إنتاج مشترك مع بلدي الآخر، المغرب.
كيف كانت تجربتك المهنية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان؟
إنها تجربة متميزة ولا أنسى الطلاب بالجامعة، كان لديهم رغبة ووعي بالتعلم المستمر ورأيت ذلك من خلال عيونهم، كيف أرادوا أن يتعلموا ويفهموا ويعرفوا مختلف المفاهيم من خلال أعمالهم الدراسية التي قدموها لي، لقد كان التدريس في أفضل حالاته اليوم العديد من هؤلاء الطلاب مع مدرسين إسبان عظماء ورجال أعمال مرموقين وشعراء مدرجين في هذا الاتجاه الأدبي للشعر الإسباني المغربي.
سأحمل معي دائما ذكرى عبد المالك السعدي ومدينتي الغالية تطوان.
افتتحت مدينة إيستيبونا لوحة بها إحدى القصائد الموجودة في ديوانك الشعري كلمات هشة ما قصة هذا الموضوع؟ وكيف وقع الاختيار على هذه القصيدة التي فيها نفحات من أنطونيو ماتشادو؟
كان هذا الحدث عرضيًا. دعتني المؤسسة المحلية لمجلس مدينة إستيبونا لقراءة يوم الأندلس مع الموسيقي والملحن المغربي الحاج يونس، كانت تلك اللحظة فريدة من نوعها ولا تتكرر في ذلك المسرح، بدأت في تلاوة قصائد عن ملقة وقادس وتطوان وشفشاون والرباط، وإنصهر لحن العود مع التلاوة وفي النهاية تفاعل الجمهور الإسباني بشكل كبير من خلال كلمة olé، والجمهور المغربي يردد يالله، كان تفاعلا عظيما مزج فيه الإسباني والمغربي في روحا واحدة وكأنهم جسم واحد، ونظرت إلى عازف الموسيقى الحاج يونس، ولم أستطع تمالك دموعي من هذا المشهد العظيم ،وبعد ذلك نزلت من خشبة المسرح وبدأت بتوقيع الكتاب. كانت أجمل ستين دقيقة في حياتي ونفدت منا الكتب، وكان القنصل المغربي حاضرا، و هناك رأوا تأثير الشعر والموسيقى على جانبي الضفتين، واتحاد الثقافتين وفهمهما في ذلك اليوم، وهكذا ولدت تلك اللوحة من شعري “هو الصوت الذي يمارس الحق في الشكوى حين ترتطم بضفتيه الموجة “إنه يعني شكواي حول النضال من أجل حقوق الإنسان ومن أجل اتحاد الثقافتين.
ماهي المدرسة الشعرية التي أثرت في كتاباتك وقصائدك؟
الشعر اليوناني اللاتيني والإسباني الأمريكي، لكن الشعر الأندلسي عندما بدأت في قراءته ودراسته، فهمت معنى شعري الخاص.
خوليو كورتازار و شكسبير و خوان رامون خيمينيز ، عمار دنقل، فرانسيسكو باسالوت، كانوا أيضا اصدقاء عظماء بالنسبة لي في تجربتي الشعرية
هل لك أن تخبرنا عن بعض أعمالك الأدبية التي سترى النور قريبا؟
كتابي الشعري القادم سيكون بالفرنسية وهي جولة في المناحي المكتشفة في المغرب سنقوم بالعرض التقديمي لهذا الكتاب في المعهد الفرنسي بباريس.والتحدي الأكبر الذي أواجهه هو الرواية ، لا أستطيع أن أقول العنوان ولكنه عمل سيعطي الكثير للحديث عنه لأنه مبني على أحداث واقعية، رواية قرأها كتّاب ومخرجي أفلام من ذوي المكانة الوطنية الإسبانية والذين أبدوا رغبتهم في إخراجها سينمائيا لذلك أنا متحمس جدًا لعرضها.
كلمة أخيرة لقراء أنباء إكسبريس
اقرأوا لطلب المزيد، اقرأوا الشعر اقرأوا أعمالي، لأنه عبرها يمكننا الإبحار فيها على متن قارب، حيث إذا نظرتم إلى جانب الضفة سيبدو مثل روح ولادة، وابن الخطيب، وإذا نظرتم إلى جانب الضفة الاخرى سيبدو مثل رافائيل البرتي، لوركا، خوان رامون خيمينيز، لكن عندما نتطلع إلى الأمام يبدو الأمر وكأنه حفل غنائي إسباني-مغربي لشعر الضفتين.
هيا نقرأ.