قامت الصهيونية على أسطورة كاذبة اتخذت من نصوص الكتاب المقدس مرجعيه لها؛ حيث تم تفسير نصوص التوراة تفسيرًا عنصريًا بحذف كل ما يتعلق بفلسطين والفلسطينيين، وإضافة كل ما يُثبت أحقية اليهود في أرض فلسطين وفق نبوءات كاذبة، وُضعت موضع التصديق والتقديس وهي ليست كذلك، وقامت عليها أبحاث ودراسات وكتب تروج لها خاصة بعد قيام دولة إسرائيل، ووفق هذه الأسطورة قامت أسوأ مجازر التطهير العرقي التي عرفها التاريخ بحق الفلسطينيين.
حيث تم تحريف نصوص الكتاب المقدس، وفُسرت نصوصه تفسيرًا أيدلوجيًا عنصريًا مقيتًا؛ وبناءً على ذلك نشأ فكر اعتنقه المحافظون الجدد الأمريكيون؛ ليتحول إلى سياسة واستراتيجية تُمارس أسوأ القرارات والأفعال بحق العرب كافة والفلسطينيين خاصة. لقد كانت أفكار مارتن لوثر هي البداية لظهور العقيدة البروتستانتية، ونشوء الكنيسة البروتستانتية وانتشارها في بريطانيا؛ التي عملت بدورها على استصدار وعد بلفور، الذي كان بداية ظهور العنصرية؛ فبعد أن كان اليهود جماعة منبوذة، يرفض المجتمع الأوربي اندماجها فيه، أصبحوا بفعل تلك العقيدة شعب الله المختار، والذين يجب إعادتهم إلى فلسطين، تمهيدًا لعودة المسيح؛ ومارتن لوثر عمل على تهويد المسيحية عندما أصر على اعتماد التوراة العبرانية بدلًا عن كتاب العهد الجديد.
ولقد تبنت هذه الحركة مقولة أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم الأمة المفضلة عند الرب، وأن هناك وعدًا إلهيًا يربط اليهود بفلسطين، لذلك ارتبط الإيمان المسيحي البروتستانتي بعد حركة الإصلاح بالإيمان بعودة المسيح الثانية، بشرط قيام الكيان الصهيوني على كل أرض فلسطين.
إلا أن انقسامًا حدث بين منظري المسيحية الصهيونية في القرن الـتاسع عشر، فظهرت مدرستان: البريطانية الداعمة لنظرية تحول اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين كمسيحيين، والأمريكية التي آمنت بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم للمسيحية، وترأس فكر المدرسة الأمريكية القس الأيرلندي جون نيلسون داربي، الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لحركة المسيحية الصهيونية الأمريكية، وعلى مدار ستون عامًا بشَّر داربي لنظريته؛ حيث قام بست زيارات تبشيرية للولايات المتحدة؛ فأصبح داعية مشهور، له مدرسة واتباع، وحمل لواء الحركة من داربي عدة قساوسة، من أشهرهم، داويت مودي، الذي عرف بترويجه لنظرية “شعب الله المختار”، وويليام يوجين بلاكستون، الذي ألف كتاب “المسيح آت” عام 1887م، وأكد فيه على نظرية حق اليهودي طبقا لقراءته للتوراة في فلسطين.
إلا أن أكثر المنظرين تطرفًا كان القس سايروس سكوفيلد، الذي ألف كتابًا عنوانه “إنجيل سكوفيلد المرجعي” عام 1917م، وهو الكتاب الذي أصبح بمثابة المرجع الأول لحركة المسيحية الصهيونية. فاستغلت الصهيونية تلك العقيدة لتظهر المسيحية الصهيونية التي عملت على تحقيق هذا الهدف؛ لتبدأ أقذر عملية تطهير عرقي عرفها التاريخ والبشرية جمعاء، حيث تطورت أساليب التهجير والترحيل والتطهير مع تطور الحركة الصهيونية. فالكتاب المقدس الذي كان متداولًا بين اليهود والمسيحيين في عام 1905م يوجد فيه خريطة في الصفحة 13 تقول إن الأرض المقدسة هي فلسطين وليست إسرائيل، كما أن كلمة فلسطين موجودة في العهد القديم، وأن عيسى عليه السلام كان فلسطينيًا، وأن من يسكن فلسطين هم الفلسطينيون. إلى أن استطاع جون نلسون داربي ادخال الفكر الصهيوني في تفاسيره للكتاب المقدس، وغالباً يُعتبر هو المؤسس للحركة الصهيونية الأمريكية، إذ قال: “اسرائيل هي مملكة الله في الأرض، والكنيسة المسيحية هي مملكة الله في السماء”، ثم جاء تلميذه الأكثر تطرفًا سايروس سكوفيلد بنشر الكتاب المقدس المُحرف عام 1913م؛ والذي أُطلق عليه انجيل سكوفيلد الذي قام بحذف كلمة فلسطين من إنجيله، واستعاض عنها بكلمة إسرائيل، كما أنه أدخل الأفكار حول إعادة اليهود الى فلسطين او ما سمي بأرض إسرائيل إلى الجمهور البريطاني، فأُدخلت هذه البدعة إلى الكنائس الأمريكية، وآمن بها ملايين من المسيحيين، حيث لقي إنجيله وأفكاره تأييداً كبيراً بين المسيحيين البروتستانت، ورفضًا من المسيحيين الأرثوذكس، وكان من أهم المدافعين عنه ويليام هيكلر الذي كان يعمل في السفارة البريطانية في النمسا، وصديق هرتزل الذي ساعده في نشاطاته واُعتبر أبو المسيحية الصهيونية، إلى أن تم إصدار وعد بلفور المشؤوم في 2 تشرين الثاني عام 1917م.
وبعد سنوات طويلة من قيام دولة الكيان يعتلي اليوم سدة الحكم فيها من يحملون تلك العقيدة المتطرفة، حيث تشكّل الحكومة الصهيونية الجديدة خطراً غير مسبوق على المسجد الأقصى المبارك وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
إذ تضع هذه الحكومة سياسة الشرطة تجاه تلك المقدسات بيد وزير الأمن القومي الجديد إيتمار بن جفير، التلميذ المباشر للحاخام المتطرف مائير كاهانا، وتضع ما يسمى بالإدارة المدنية في الضفّة الغربية بيد زميله اللدود بتسلئيل سموتريتش الذي يتبنى مقولة ضمّ المناطق (ج) من الضفة الغربية بالكامل، وصاحب مشروع البنية التحتية الاستيطانية الشاملة للضفة الغربية إبان توليه وزارة المواصلات.
كما حملت الاتفاقات المشكّلة لهذه الحكومة مقترحات لعدة قوانين، مثل قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين المدانين بقتل صهاينة، وقانون تعزيز الاستيطان وإدخال كامل البؤر الاستيطانية إلى شبكات المياه والكهرباء، والتعزيز الخاص للاستيطان في الخليل، وقانون سحب الجنسية والإبعاد من فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 في حال أقدم أي منهم على عمل أمني ضدّ الاحتلال.