آراءثقافة
أخر الأخبار

أزمة وعي الكائن بمحدوديته

يتحقق التحرر الحقيقي بالتحرر الانطولوجي من سلطة الزيف، التفاهة، الحرص، العدوان، فقدان الفضيلة بالعمل لا بالتوصيف. إن ضحالة الوعي الوجودي هي من أجهز على حدس الوجود، وتقويض قدرة الكائن على التمييز..

المحدودية هنا ليست في حقيقة الوجود، ولا في عبقرية كائن يقارع رهق الوجود، بل هي محدوديته التي تفرضها زمانيته المحايثة، وهنا أصل الاغتراب الذي تناوله هيدغر ونظراؤه.

وحقا إنه السؤال المفقود، فهم الكائن لنفسه ومن ثم فهمه للوجود، لإطلاق سراحه من عبودية الجهل بالكينونة. إن الكائن اليوم، سادة وعبيدا، بالمعنى السوسيوتاريخي، بالمعنى الهيغلي، كلهم برسم الاستحقاق الانطولوجي، هم عبيد لسطحية العيش وكدورة أنماط الوجود الاجتماعي.

يتحقق التحرر الحقيقي بالتحرر الانطولوجي من سلطة الزيف، التفاهة، الحرص، العدوان، فقدان الفضيلة بالعمل لا بالتوصيف. إن ضحالة الوعي الوجودي هي من أجهز على حدس الوجود، وتقويض قدرة الكائن على التمييز.

ليس هناك غرابة في أن يبدأ وعي الذات بنفسها انطلاقا من وعيها بالعالم ومحدوديتها في الوجود، فهيدغر في نهاية المطاف هو ابن اللاهوت، حيث الموت ، هازم اللذات، هو من يحدد الطريقة الأكثر اقتصادا في التموجد الصحيح.

ضحالة الحس المشترك في الممارسة الدوغمائية العربية، تعيق التفلسف الجاد. فالفلسفة من دون خبرة وجودية، ومن دون اختمار انطولوجي حقيقي، هي ضرب من الكذب على الوجود، وهو أسوأ أنواع الكذب. تصبح بذلك المعضلة الانطولوجية معضلة أخلاقية.

إن الحياد الاكسيولوجي في مقاربة الوجود، مثال عن السالبة بانتفاء الموضوع؛ ذلك لأن موضوع الوجود هو الكينونة، هو المعايشة، هو السؤال عن الكينونة من داخل الكينونة نفسها. يتطلب الهم الوجود تكاملا في فضيلة الاعتراف بآثار ما يقتضيه وضع الكينونة، وتجاوز قلق محدوديتها.

سياسيا، لا تكتسب كمالات الكائن الوجودية من معافسة الرجعية ونوبات تآمرها على الدازاين العربي. أتوسل هنا بأدوات هيدغيرية لمقاومة البلاهة الانطولوجية.

إن هيدغر يقدم وصفة أنطولوجية ضد الاغتراب، لكنه اغتراب يقوم على وعي بالوجود ينعكس على كيفية العيش. فمقاومة الاغتراب، لا تتحقق إلا بالزهد والاقتصاد في الوجود، أي اتباع أخصر طريق لكمال النفس.

وبهذا لا يتحقق كمال النفس والخير الوجودي المحض إلا بسمو النفس عن الأطماع. فشرف الوجود يقتضي انتصارا على الاغتراب، أي حين تتغلب عوائد السوسيولوجيا على الإنصات العميق للكينونة.

أخشى أن تتعرض الكينونة إلى تهريج الكذب على الوجود، وهي وضعية تتجاوز ما كان هيدغر قد نعت به الميتافيزيقا الغربية، أي نسيان الوجود. إن وضعيتنا الزائفة فاقت كل فنون المغالطة، انها احتلت كل ذوق وإحساس ونظر؛ فأين المفر؟

https://anbaaexpress.ma/jg17z

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى