كان سلام، بعينين شاخصتين وروح معلّقة، يلتقط كل كلمة من الخطاب المهيب الذي ألقاه الأمير على نخب الطاعة، المدعوّة بمناسبة العيد الوطني لاستقلال إمارة سيكا.
في القاعة المفروشة بالحرير والمخمل، كانت الثريات تبعث على الوجوه وهجًا ذهبيًا، غير أن صوت الملك كان يقطع السكون كحدّ السيف العاري.
سقطت الفقرتان الأوليان كأحكام قاسية، بنبرة جافة لا تعرف المساومة:
“عليكم، وبعزيمة لا تلين، أن تهيئوا الساحة السياسية لولي عهدنا. عليه، بعد غيابي، أن يعتلي العرش محمولًا على مناخ من المجد والوحدة الوطنية“.
زفرة قصيرة، وصمت عابر… ثم عاد الصوت الملكي، أكثر عمقًا، يكاد يرتجف:
“لقد حانت ساعة التحولات الجذرية. لم يعد مقبولًا أن يبقى وطننا أضحوكة الممالك والإمارات في العالم! واعلموا أنّه، رغم جهودي الإصلاحية التي لم تعرف فتورًا، فإن أعداءنا لا يتورّعون اليوم عن وصمنا بلقب مهين: “غابة سلطة فاسدة“.
كانت كلمات الملك لا تزال تتردّد في أرجاء القاعة الفسيحة، تصطدم بأعمدة الرخام وتتلاشى في الستائر الثقيلة، وكأنها تبحث عن مخبأ.
أما سلام، فظلّ واقفًا بلا حراك أمام شاشة التلفاز، يداه مشبوكتان خلف ظهره، وعيناه معلّقتان خلف الزجاج الملوّن بألوان زاهية.
كل جملة ملكية، مدروسة وحادّة، تركت فيه أثرًا حارقًا، كندبة طازجة على جلد أنهكته خيبات سابقة.
فكّر في ذلك “الوريث” الذي أُعلن عنه بكل وقار.. وجهٌ ما زال فتيًّا، لم يتذوّق مرارة المعارك بعد، يستعدّون لتتويجه في صندوق من ذهب.
وفي قلب سلام كان يدور سؤالٌ مكتوم: هل العرش في هذا الوطن وعدٌ أم لعنة؟