آراءسياسة

ماذا بعد مقتل أيمن الظواهري؟

بقلم : أحمد كامل البحيري

باحث متخصص في شؤون الإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أول أغسطس 2022، عن استهداف زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري في العاصمة الأفغانية كابول عبر طائرة أمريكية من دون طيار، قبل ذلك بيومين، في أكبر ضربة عسكرية توجهها واشنطن إلى التنظيم، بعد مقتل زعيمه السابق ومؤسسه أسامة بن لادن في عام 2011، على نحو يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل “القاعدة” في مرحلة ما بعد الظواهري، والمرشحين لخلافته في قيادة التنظيم.

ومنذ مقتل أسامة بن لادن (مايو 2011)، يواجه تنظيم “القاعدة” أزمة قيادة مستمرة على الرغم من تولي أيمن الظوهري قيادته، وهو ما يعود إلى ضعف هذه القيادة، حيث اعتبر الظواهري أقرب إلى مستوى “مفتي” للتنظيم من كونه زعيماً له. وقد شهد التنظيم خلال مرحلة زعامة الظواهري (2011-2022)، تراجعاً شديداً على كافة الأصعدة، جعلت منه، لاسيما على المستوى المركزي، أقرب إلى الحالة الرمزية بين التنظيمات الإرهابية، وخاصة مع تصاعد نفوذ تنظيم “داعش” منذ نهاية عام 2014.

ويعني ذلك أن التأثير الأكبر لمقتل أيمن الظواهري سوف يكون مرتبطاً برمزية الاسم، أكثر من كونه متغيراً جديداً يمكن أن ينعكس على البنية التنظيمية لـ”القاعدة”، وهو ما يعود للأسباب التالية:

1- ضعف السيطرة التنظيمية للظواهري: شهد تنظيم “القاعدة” خلال سنوات زعامة الظواهري تراجعاً في قدرة الأخير على السيطرة التنظيمية، وهو ما ظهر بقوة في مواجهة حالات الانشقاق المتعددة التي تعرض لها التنظيم منذ حدوث الخلاف الشهير بين أبو بكر البغدادي وتنظيم “القاعدة بالعراق والشام” (2014) وانفصال البغدادي عن تنظيم “القاعدة”، ثم إعلانه ما يسمى “تنظيم دولة الخلافة”، الذي تمكن من السيطرة على الكثير من أفرع تنظيم “القاعدة” في بعض دول العالم وتنفيذ عمليات إرهابية في بعض العواصم الغربية، وهو الأمر نفسه الذي تكرر مع إعلان أبو محمد الجولاني فك الارتباط التنظيمي بين تنظيم “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام) وتنظيم “القاعدة” المركزي وإلغاء البيعة لأيمن الظواهري، على نحو أثبت ضعف قدرة الأخيرة على السيطرة التنظيمية على “القاعدة”، ودفع العديد من أفرع التنظيم المختلفة إلى إعلان الانشقاق التنظيمي عن تنظيم “القاعدة” وإعلان البيعة لتنظيم “داعش”.

 2- اعتماد أفرع التنظيم مبدأ اللامركزية: مع تراجع سيطرة الظواهري على تنظيم “القاعدة”، بدأت أفرع التنظيم المتبقية في اعتماد مبدأ اللامركزية في تنفيذ عملياتها الإرهابية، بعيداً عن قرار التنظيم المركزي. فقد تراجع عدد أفرع تنظيم “القاعدة” النشطة والمتبقية خلال عام 2022، إلى ثلاث أفرع (حراس الدين “سوريا”- شباب المجاهدين “الصومال”- نصرة الإسلام والمسلمين “الساحل والصحراء”)، بعد أن كان قد وصل خلال عام 2009 إلى ما يقرب من 12 فرع.

اعتماد مبدأ اللامركزية جعل من أفرع التنظيم الثلاثة المتبقية أقرب إلى تنظيمات مستقلة عن التنظيم المركزي من ناحية الاستراتيجية والتكتيك، على نحو أدى إلى توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها، وهو ما يمكن ملاحظته عبر دخول تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية في مفاوضات مع الحكومة المالية، وبعض الحكومات الأخرى، على غرار المفاوضات التي أسفرت عن إبرام صفقة الإفراج عن الرهينة الفرنسية (صوفيا) في أكتوبر 2020، مع توقف شبه كامل لنشاط التنظيم منذ عملية التفاوض.

3- إدارة العلاقات مع إيران: منذ أن تولى أيمن الظواهري زعامة تنظيم “القاعدة” (2011)، بدأ في عملية تهدئة قوية مع إيران، عبر وقف أى هجوم إعلامي ضد الأخيرة أو محاولة دفع بعض العناصر القريبة من التنظيم (جند الله) في الداخل الإيراني لتنفيذ أى عمليات إرهابية ضد النظام الإيراني أو المصالح الإيرانية في دول الجوار، وهى إحدى أهم الإشكاليات التي دفعت

تنظيم “القاعدة في سوريا والعراق” بزعامة أبو بكر البغدادي، إلى إعلان الانشقاق عن تنظيم “القاعدة”. وقد استند التنظيم المركزي لتبرير موقفه إلى أن هناك العديد من قيادات التنظيم يتواجدون في قلب العاصمة الإيرانية طهران تحت رعاية وحماية السلطات الإيرانية منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، ومنهم سيف العدل- أحد ابرز المرشحين لخلافة أيمن الظواهري في قيادة تنظيم “القاعدة”-، وأبو محمد المصري- الذي قتل في شارع باسداران بحى البستان بطهران في 7 أغسطس 2020-، وأبو الخير المصري- الذي انتقل إلى سوريا ما بعد عام 2012. لكن هذا الارتباط بين تنظيم “القاعدة” بزعامة الظواهري وطهران أضعف من قدرة التنظيم المركزي على مدار عشرة سنوات في السيطرة على التنظيمات التكفيرية في بعض دول الإقليم.

4- تراجع شعار “مواجهة العدو البعيد”: مع تصاعد حدة الصراعات في بعض دول الإقليم (ليبيا- اليمن- سوريا)، أصبح مفهوم “العدو القريب” هو الشعار الذي استخدمته التنظيمات الإرهابية لاستقطاب عناصر متطرفة، وهو ما أدى إلى تراجع الاهتمام بشعار “العدو البعيد” كمُحفِّز في عملية الاستقطاب، والذي كان يستند إليه “القاعدة” بشكل مستمر.

5- ضعف عملية الاستقطاب: مع تنوع وتعدد التنظيمات الإرهابية في بعض دول الإقليم وفك العديد من أفرع تنظيم “القاعدة” الارتباط مع التنظيم المركزي، أصبح الأخير يعاني من حالة ضعف وتراجع في أعداد المنضمين والمستقطبين من العناصر المتطرفة، مما أثر وبشكل مباشر على قوته وتأثيره خلال السنوات الخمس الماضية.

مَن يخلف الظواهري؟

يختلف المشهد الحالي في طرح اسم خليفة الظواهري عن حالة الصراع التي برزت في مرحلة ما بعد مقتل زعيم ومؤسس التنظيم أسامة بن لادن، في مايو 2011. فمع مقتل بن لادن، كان التنظيم يضم العديد من الأسماء المؤهلة لخلافته، وهو ما يختلف عن الوضع القائم حالياً، في مرحلة ما بعد مقتل الظواهري. إذ تنحصر خلافة الظواهري في اسمين: الأول، هو محمد صلاح الدين المكني بـ”سيف العدل”، وهو المسئول عن اللجنة الأمنية ومهندس المتفجرات بالتنظيم والذي كان مقرباً من بن لادن وطهران. والثاني، هو محمد صالح زيدان، الذي تولى مسئولية التنظيم لفترة قصيرة في أعقاب مقتل بن لادن، قبل اختيار الظوهري، وهو الأقل في الكاريزما والسيطرة مقارنة مع سيف العدل. وترجع محدودية عدد المرشحين لخلافة الظواهري إلى مقتل أغلب قيادات الصفين الأول والثاني للتنظيم خلال السنوات العشر الماضية، وكان أبرزهم أبو محمد المصري في طهران (أغسطس 2020)، وأبو محسن المصري في أفغانستان (أكتوبر 2020)، وحمزة بن لادن (أغسطس 2019)، على نحو أفقد “القاعدة” الأسماء القادرة والمؤهلة لخلافة الظواهري.

أزمات محتملة ما بعد الظواهري

هناك العديد من الأزمات التي يمكن أن يواجهها تنظيم “القاعدة” في مرحلة ما بعد الظواهري، يتمثل أبرزها في:

1- العلاقة بين “القاعدة” و”طالبان”: على الرغم من إصدار حركة “طالبان” بياناً أدانت فيه عملية استهداف الظواهري في العاصمة كابول، واتهام بعض الدوائر الأمريكية منظمة (حقاني) بحماية وإخفاء الظواهري، إلا أن الطرفين- حركة “طالبان” والولايات المتحدة الأمريكية- يسعيان لاستمرار إنجاح اتفاق السلام الموقع في الدوحة، وهو ما يتوازى مع تزايد احتمال اتجاه “طالبان” إلى تقييد مستوى التعاون المتبادل مع التنظيم، خاصة في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة، على نحو قد يتحول إلى أحد أهم التحديات التي سيواجهها خليفة الظواهري.

– أزمة المقر المركزي: خلال السنوات الثلاث الماضية، سعت حركة “طالبان” إلى نفى أى علاقة ارتباطية مع تنظيم “القاعدة”، مع توقف شبه كامل لنشاط الأخير في الداخل الأفغاني، وهو ما يجعل من استمرار التنظيم المركزي في أفغانستان أحد التحديات التي تواجه القيادة الجديدة للتنظيم. وقد لا يمكن استبعاد انتقال قيادة التنظيم المركزي من أفغانستان إلى دولة أخرى مع تولي خليفة الظواهري.

في المجمل، على الرغم من أن التداعيات التنظيمية لمقتل الظواهري تبدو ضعيفة، إلا أن ذلك لا ينفي أن التنظيم يمكن أن يشهد العديد من التحولات اعتماداً على مَن سيخلف الظواهري، سواء على مستوى الاستراتيجية العملياتية للتنظيم وتبنى تكتيكات المواجهة المنطلقة من القاعدة الفقهية (العدو القريب والعدو البعيد)، وهى القاعدة التي حكمت أداء واستراتيجية وتكتيك التنظيم منذ النشأة وحتى مقتل الظواهري، أو على مستوى العلاقة مع حركة “طالبان”، والأفرع الثلاثة المتبقية للتنظيم. ويعني ذلك في النهاية أن مدى قدرة خليفة الظواهري على احتواء بعض الإشكاليات القائمة ستحدد مسار التنظيم بشكل نهائي خلال المرحلة القادمة.

https://anbaaexpress.ma/hiekj

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى