عبد الله فضول
كنت اليوم على موعدٍ مع أربع حصص للتدريس، خصصت فيها ساعة لكل مجموعة من تلاميذي وتلميذاتي. مضت الساعات الثلاث الأولى بسلاسة وهدوء، تمامًا كما كنت أتمنى وأخطط لها. لكن في الساعة الأخيرة، ومن غير سبب واضح، وجدت نفسي مضطربًا، وغير متسامح مع أي تلميذ أو تلميذة كأن شيئًا داخلي قرر أن ينقلب على هدوئي دون إنذار.
في نهاية الحصة، وقفت تلميذتي أمامي وسألتني بلطف عن اضطرابي الذي لاحظته. لم أجد إجابة واضحة، فقلت لها بصوت خافت: “لا أعرف السبب.” شعرت أن كلماتي لم تكن كافية، لكنها كانت الحقيقة الوحيدة التي أملكها في تلك اللحظة. نظرتها بقيت عالقة، تحمل تساؤلات لا أملك لها تفسيرًا، وكان الصمت بيننا أصدق من أي تفسير يمكنني تقديمه.
ما الذي يمكن أن يكون السبب؟ هل يتعلق الأمر بتعب خفي تراكم دون أن ألحظه؟ أم أنه أثر لشيء عابر: كلمة لم تُقال أو شعور تجاه موقف لم يُحل؟ أم أن هناك أمرًا أعمق، لا أستطيع أن أمسك به بوضوح، لكنه تسلل إليّ وأخذ مكانه دون إذن؟ لا أستطيع أن أفسر هذا الاضطراب، ولا أن أضع له حدودًا، فقط أعرف أنني كنت مختلفًا في تلك اللحظة، ولم يكن بوسعي منع ذلك.
هو هكذا الإنسان، يبقى دائمًا لغزًا معقدًا، يستعصي فهمه حتى عليه. يعجز عن فك رموز ذاته، وعن إدراك أعماقه التي تغرقه في تساؤلات لا تنتهي. وكيف يمكن له أن يفهم الآخرين، وهو لم يزل غريبًا أمام صورته في مرآة نفسه؟ الإنسان يظل لغزًا مفتوحًا، صفحاته تُقرأ دون أن تُفهم تمامًا.
ولكن رغم ذلك، يظل الإنسان مشرئبًا إلى الأفق، متطلعًا لفهم ذاته والكون من حوله. هذه حقيقته الثابتة، ذلك الشغف بالمعرفة والسعي المستمر نحو الإجابات، حتى لو لم يمتلك أدواتها كاملة. ومن هنا، يمكن فهم العجز الذي يحاصره، عجزٌ يولد من تناقض بين حدود قدراته ورغبته الجامحة في تجاوزها. إنه صراع أبدي بين ما يطمح إليه وما يستطيع تحقيقه، لكنه في جوهره ما يجعل الإنسان إنسانًا.
* كاتب مغربي