في تطور دبلوماسي مفاجئ يعيد رسم ملامح المشهد الإقليمي في شمال إفريقيا، كشف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى جانب صهر ترامب وكبير مستشاريه السابق جاريد كوشنر، عن تحرك أمريكي جديد يرمي إلى تحقيق اتفاق سلام بين المغرب والجزائر في ظرف لا يتجاوز ستين يوماً، في خطوة اعتُبرت الأكثر جرأة منذ تجميد العلاقات بين البلدين سنة 2021.
وجاء هذا الإعلان خلال مقابلة مطولة لويتكوف ضمن برنامج “60 دقيقة” على شبكة CBS الأمريكية مساء الأحد، حيث صرح قائلاً: “نحن نعمل حالياً على الجزائر والمغرب، وأعتقد أن السلام بينهما بات قريباً، ربما خلال شهرين فقط”.
وأضاف أن هذه المبادرة تأتي امتداداً لما وصفه بـ”العدوى الإيجابية للسلام” التي خلفها وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، معتبراً أن المنطقة تمر بـ“مرحلة إعادة تشكيل شاملة للعلاقات الإقليمية”.
تصريحات ويتكوف وكوشنر لم تمر مرور الكرام في الأوساط الدبلوماسية، إذ تزامنت مع التحضير لجلسة مرتقبة لمجلس الأمن الدولي أواخر أكتوبر الجاري، ستناقش مشروع قرار أمريكي جديد حول قضية الصحراء، وصفه دبلوماسيون بأنه “الأكثر طموحاً ووضوحاً منذ بداية النزاع قبل نحو خمسة عقود”.
وتتضمن مسودة القرار تحديد أجل أقصاه 31 يناير 2026 للتوصل إلى تسوية سياسية متوافق عليها، مع تركيز خاص على مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها “الحل الواقعي والعملي الوحيد القادر على ضمان الاستقرار”، في صياغة تسعى للتوفيق بين مبدأ تقرير المصير ومتطلبات الشرعية الدولية.
ويبدو أن هذه الدبلوماسية الأمريكية النشطة، التي تحمل بصمات إدارة ترامب السابقة، تحاول إحياء نهج اتفاقات أبراهام من بوابة شمال إفريقيا، عبر إدماج المغرب والجزائر في معادلة استقرار إقليمي جديدة تتقاطع فيها الملفات الأمنية والاقتصادية مع ترتيبات ما بعد حرب غزة.
من جهته، أكد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، في مقابلة من شرم الشيخ، أن واشنطن “تستعد لافتتاح قنصلية في الصحراء قريباً”، مضيفاً بشكل لافت: “هذه هي الصحراء المغربية”، مشيراً إلى أن القرار الأممي المرتقب سيكون “خطوة في الاتجاه الصحيح نحو حل دائم للنزاع”.
ويأتي هذا الموقف الأمريكي في انسجام واضح مع فرنسا والمملكة المتحدة، اللتين تدعمان بشكل صريح المقترح المغربي، في وقت تواصل فيه إسبانيا سياسة التوازن الحذر بين الرباط والجزائر منذ إعلان رئيس حكومتها بيدرو سانشيز سنة 2022 دعمه الرسمي لمبادرة الحكم الذاتي، رغم محاولاته المتكررة لترميم العلاقات مع الجارة الشرقية.
ويرى مراقبون أن حديث ويتكوف عن “اتفاق سلام خلال 60 يوماً” يعكس اختباراً أمريكياً لمدى استعداد العاصمتين المغاربيتين للانفتاح مجدداً بعد سنوات من القطيعة، خاصة في ظل مؤشرات تهدئة متصاعدة وقنوات خلفية دبلوماسية يُقال إنها تعمل بصمت لإعادة تطبيع العلاقات.
ورغم غياب أي تأكيد رسمي من الحكومتين المغربية والجزائرية، فإن التوقيت السياسي للإعلان، المتزامن مع حراك أممي مكثف حول ملف الصحراء، يشير إلى أن واشنطن تحاول هندسة صفقة إقليمية مزدوجة.. سلام مغاربي من جهة، وترتيبات ما بعد الصراع في غزة من جهة أخرى.
وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الإدارة الأمريكية تراهن على البراغماتية المغربية والانفتاح الجزائري النسبي لإطلاق “سلام مغاربي” قد يعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة، ويمنح واشنطن موطئ قدم جديداً في خريطة النفوذ الدبلوماسي بين المتوسط والساحل.




