المؤكد أن روح الإمبراطور الصيني شين نونغ قد حضرت في الحادي والثلاثين من أوغست و الأول من سبتمبر ككوبٍ من الشاي في قمة شنغهاي. الرئيس الصيني شين جين بينغ، كان قد استخدم مقاربة البيرة والشاي عام 2014، عند حديثه عن العلاقات الأوروبية الصينية في بلجيكا.
إمبراطور الشاي نونغ استخدم بدوره مقاربة الشاي ورجاحة التفكير “عندما يشرب الناس الشاي فأنهم يفكرون بسرعة وينامون أقل، متمتعين بعقولٍ صافية ورؤية واضحة”.
مواطنه الرئيس بينغ استخدم الشاي كذلك كتجسيدٍ لمفهوم السلام، في شربه الشاي مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، بعد جولة من التصعيد النووي الإعلامي ضد كوريا الجنوبية في يوليو 2018. شبه الجزيرة الكورية لديها تقاليد عريقة أيضاً مع الشاي.
الآن لنستبدل النكهة التاريخية للشاي بأخرى سياسية. ما رأيكم؟
أكواب مختلفة بنكهة واحدة
يوري أوشاكوف مساعد الكرملين والطبَّاخ الرمزي في الآونة الأخيرة، لمعنى جولات الرئيس فلاديمير بوتين الخارجية، وصف في الحادي و الثلاثين من أوغست زيارة رئيسه للصين بأنها “طويلة في مدتها ونادرة الحدوث”، لأنها ستستغرق أربعة أيّام. في الثاني من سبتمبر قام الرئيس بوتين مع نظيره بينغ بمناقشة “العديد من القضايا المهمة خلال تناول كوب من الشاي” في بكين.
موسكو كما يبدو أيقنت بأنَّ أبريق قمة ألاسكا الذي جمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و نظيره بوتين، ما عادت صالحة لغلي اتفاقية سلام في أوكرانيا، رغم أن مبعوثه ستيف ويتكوف قد ملأ كوب الإعلام في السادس و العشرين من أوغست بأخبار نهاية متوقعة للصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط قبل نهاية العام.
الرئيس بوتين فضَّل مزيداً من الثقل الأوراسي، على اعتبار أن الكثير من القادة المشاركين، ينتمون إلى المجال التقليدي الحيوي لروسيا. قمة شنغهاي التي سيلتقي فيها بوتين بعشرة من الرؤساء بشكلٍ ثنائي مع احتمالٍ بأن يلتقي بعددٍ أكبر، نعشٌ محترم لدفن قمة ألاسكا بدون ضجيج إعلامي. وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جهَّز المسامير في وقتٍ سابق في لقاءه مع إحدى القنوات الأمريكية.
الهند التي صفعها الرئيس ترامب بتعريفةٍ جمركية معتبرة، وجدت في حضور رئيسها ناريندرا مودي، فُرصة لبيان “الاستقلالية الجيوسياسية”. مودي طار بعد نهاية أعمال القمة إلى اليابان. هذه هي المرَّة الأولى التي يزور فيها الرئيس الهندي الصين بعد عام 2020، بعد نزاعات حدودية في جبال الهيمالايا.
مودي جرَّب بدوره في أبريل 2018 شرب الشاي مع نظيره بينغ. جرَّبا أنواع مختلفة من الشاي المحلي. ربّما نستطيع القول أنهما تذوقا طعم عدَّة حلول في نفس الكوب الذي تكسَّر على مرتفعات الهيمالايا.
ما رأيكم لو أضفنا الآن زهرة اللوتوس إلى هذه الحفلة من الشاي السياسي؟
الزهرة الصينية دكتاتورية
بكين تحاول دائماً تحاول إقناع واشنطن، بأنَّ النظام العالمي يحتاج إلى الحقن، بمزيدٍ من القوى اللاأوروبية، تلك المهجورة من قبل التصميم الأساس لتوازن القوى العالمي. ذكرتُ ذلك في مقالٍ سابق “نتائج زيارة بلينكن لبكين: “أوروبات” جديدة ونظام عالمي قديم”.
زهرة اللوتوس التي توسطت طاولة اجتماع الرئيس بينغ، مع وزير الخارجية الأمريكي السابق انتوني بلينكن في بكين منتصف عام 2023، كانت محاولة لإقناع واشنطن، بأنَّ العاصمتين لهما حصَّة الأسد في العالم باسم السلام، بدون نسخة جديدة من الحرب الباردة.
في نوفمبر 2022، كان الرئيس بينغ قد قام بمحاولة أولى، مع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في نوفمبر 2022، عندما جمعتهما بالي الإندونيسية. النتيجة كانت اطلاق صفة “الدكتاتور” على الرئيس بينغ من قبل بايدن. هكذا، ضاعت فرصة عالم مستقر؛ أي نزاعات محدودة ومسيطر عليها، أو السلام كما ندعوه دائماً.
الرئيس الصيني كرر في قمة شنغهاي 2025 نفس الموقف، لكن على أسطوانة كلمات مختلفة مع انطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة. أيضاً، قادة الدول الستة والعشرون، قسم كبير منهم سيبقى لحين الثالث من سبتمبر، لحضور احتفالية الذكرى الثمانين، لانتصار الصين على الجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية.
انها فُرصة لاستنبات لوتوس سياسية على طاولة الحوار بين واشنطن وبكين، أو لشرب كوب من الشاي.
الرئيس بينغ و عقيلته كانا قد شربا الشاي مع تيريزا ماي رئيس الحكومة البريطانية الأسبق وزوجها في فبراير 2018. ربمّا إذاً قد تجتمع العائلتان الرئاسيتان الصينية والأمريكية، في حفلة شاي جيواستراتيجية على متن باخرة تعبر مضيق تايوان. كُل شيء في السياسة ممكن.
ولكن ماذا تبقى للقمة بعد أن امتلأت المعدة بالشاي وسيطرت رائحة اللوتوس على أنوفنا؟
جديد بنقاط كلاسيكية
لا تُفكَّر بكين مُطلقاً بنظامٍ عالمي جديد. عالم السياسة الأمريكي روبرت كيوهان قال “إنَّ كُلفة إنشاء المنظمات الدولية أكبر من كُلفة المحافظة عليها”. الصين تمرَّست على النظام العالمي وحتى في الأمم المتحدة تَشغلُ العديد من لجانه، هذا إذا تناسينا حق الفيتو.
ربّما لهذا باتت الولايات المتحدة لا تُطيق الأمم المتحدة. هي تريد الاعتراف بحصَّتها بشكلٍ شرعي، بدون المرور في المضائق الإيديولوجية، كالدول الديمقراطية والدول الاستبدادية، أو ثنائية اللبرالي والشيوعي و إلخ.
الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، تقوم بما كانت تقوم به منذ خمسينيات القرن الماضي. هانز جي. مورغنثاو قال عن ذلك “تفوق العسكريين في إدارة الشؤون الخارجية ولا سيما في الولايات المتحدة، كان في النهاية ثمرة فشل السلطات المدنية في تأمين القيادة الشاملة في حقل السياسة الخارجية”.
السلام عبر القوَّة هو العنوان الأمريكي الجديد لسياسة أمريكية قديمة. إسرائيل وتايوان، قذائف قديمة عملت على الإحداثيات الجيوسياسية للحرب الباردة. طبعاً، هي ما زالت تُعيد تدوير الأولى. أمّا أوكرانيا والهند فمجرَّد نسخة أحدث. في القديم عسكر وفي الجديد تعريفات جمركية وعسكر.
الولايات المتحدة تحتاج الوقت الآن لتوطين صناعة أشباه الموصلات، خاصة تلك التي تحتاجها التكنولوجيا الفائقة المدنية و العسكرية.
كذلك و بسبب أزماتها المالية، تُسرع الخطى لإصدار عُملات رقمية مستقرة، تستطيع أن تعاونها في منع انفجارها بالديون الخارجية، وأن تلعب دور البديل الممتاز للدولار.
أحلام الجنوب العالمي التي تمثِّلُها الصين بعيدة؛ فهذا الجنوب يفتقد إلى البنى التحتية الرقمية و التكنولوجية.
والقُدرة على توظيف موارده بسرعة كافية في أي صراعٍ محتمل. الصين لا تستطيع سوى لعب دور السيد فيتو لنصرته أُممياً، ودعوة المتضررين من النظام العالمي إلى شرب كوبٍ من الشاي، والنظر إلى زهرة اللوتس التي لا تعرف الطريق إلى طاولاتهم.