كغيري من المتتبعين الكثر لأشغال لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، أو اللجنة الرابعة كما يحلو للبعض تسميتها وإلصاقها بحتمية الانفصال، لم أكن انتظر الشيء الكثير من جلساتها لنمطيتها والتكرار الممل الذي يخيم على اشغالها بسبب تصلب مواقف بعض الدول في قضايا معروضة على جدول أعمال اللجنة، وعلى رأسها قضية الصحراء.
وتتراوح هذه القضية بين من يقول بمغربتيها استنادا الى حقائق التاريخ والجغرافيا والاجتماع والمنطق وواقع الحال وتوجه اراء أغلب الصحراويين اقتناعا واندماجا وتدبيرا لشؤون هذا الإقليم الذي يشغل بلدانا بحالها أكثر من الاهتمام بشؤونها الداخلية، وطرف اخر لا يرى من حل لهذا الاشكال السياسي غير تطبيق مخططات التفتيت والقضم ومصادرة رأي غالبية سكان الإقليم ومصادرة قرار الصحراويين وتهريبه خارج الحدود تحت ذرائع واهية من قبيل تطبيق القانون الدولي وتنفيذ تقرير المصير بشكل مجزئ، وبالمحصلة تمزيق المملكة المغربية في واضحة النهار حتى لا تقوم لها قائمة.
إن تناول هذا الاستحقاق الأممي بالدرس والتحليل، يدخل المرء في دوامة من المواجهات الفكرية والنفسية لاستقراء المواقف المصرح بها أمام أعضاء اللجنة الرابعة، وعوض ان نتطرق لآراء المشاركين الصحراويين في اشغال اللجنة، اخترنا استطلاع مواقف ودوافع “المجتمع المدني” الجزائري والإسباني والأميركي اللاتيني للوقوف على استقلالية وشفافية فعل هؤلاء “الممثلين الشرعيين لحرية الرأي والتعبير وحماية وتعزيز حقوق الإنسان” بأقاليم الصحراء المغربية، وسوء الفهم الكبير الكامن لدى تلك المكونات المدنية مع مكابرتها للاستمرار في ارتكاب الخطيئة عن قصد تحصيل مكاسب ظرفية، قد لا تتجاوز جولة ليومين أو ثلاثة بشوارع مانهاتان الباذخة ، والشعور الغريب الذي ينتاب الفرد حين دخول المقر الرئيسي للأمم المتحدة.
لا ريب أن مشاركة نشطاء مدنيين جزائريين في أشغال اللجنة الرابعة للجمعية العامة أمر عادي ومشروع، بل ويحوزون نفس الحق بالتداول في جميع القضايا التي تعرض على اليات وهيئات الأمم المتحدة والتي تسترعي اهتماما ومنها قضية الصحراء التي أرهقت الدول بما فيها ذلك الجزائر والتكتلات الإقليمية، فما بالك بجمعيات المجتمع المدني والأفراد.
غير أن الخارج عن المألوف، هو نوعية التمثيلية ومستوى خطابها الحقوقي والسياسي وتبعيتها العمياء لجهات أصبحت معلومة للعالم، باستثناء الشعب الجزائري، الذي لا زال لم يدرك خطر تلك الجهات الحقيقي على أي طرف أو شيء يمكن أن يرهن مصالحها في البلد أو في الخارج، فبينما يتقدم النشطاء الصحراويون المغاربة بإفادات شفاهية تشمل معطيات حول الحالة المعاشة في الأقاليم الجنوبية ومستوى الاستجابة لتطلعات ساكنة تلك المنطقة في علاقة بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في التنمية، تتسلل أصوات تحت يافطة اكاديمية الشباب الجزائري تارة، وهذا الأخير براء من تلك الأكاديمية، وتارة أخرى باسم الاتحاد الوطني للمرأة الجزائرية، والعالم يرى منجزات هذا الاتحاد في حماية وحقوق النساء الجزائريات اللائي يتعرضن بشكل يومي وممنهج لانتهاكات صارخة لحقوق الانسان، لعل أقلها ضررا عدم السماح لهن بالتظلم لدى القضاء الوطني في ارتباط بقتل وإخفاء ازواجهن وابنائهن وافراد اسرهن قسريا.
إن تقديم هذا النوع من “النشطاء” يبعث على الجهل حقيقة، ويلخص حالة مرضية لدى الفاعل السياسي والأمني الجزائري، تستند الى وجوب مراقبة كل شيء له علاقة بالصحراء، حتى لا يفقد بوصلة التحكم، لأن السلطات الجزائرية تؤمن أن المعني الأول بالقضية، ليست ساكنة المخيمات وقاطني الأقاليم الجنوبية، بل قادة الأجهزة الأمنية عسكرية كانت أم مدنية، وليس الحكومية الجزائرية!
يكفي أن يحيطنا علما موقع غوغل، بأن متدخلا يدعى الباحث والدكتور محمد دومير، ومرشح في الان ذاته للأمم المتحدة كأفضل المؤثرين في مجال المعرفة، وهو منصب سامي لم يسبق لي ان قرأت شيئا بشأنه، لأن مجال المؤثرين كما هو شائع هو التفاهة وإنتاج السخافات وهو أتقنه صديقنا البارحة، بالإضافة الى التباهي بلقاء والي تندوف في 4 شتنبر الماضي، كآخر نشاط رفيع المستوى قام به لدعم حقوق الانسان وحمايتها في الجزائر!
وجهلا مني بهذا المقام العلمي الرفيع، اليت على نفسي التعمق في فهم هذ الطود الأكاديمي والعلمي الشامخ، وتوصلت الى اكتشاف أكثر غرابة، يتلخص في توصل السيد دومير بسيل هادر من الرسائل تطالبه بصفته مؤثرا كبيرا بالبلد، بالتدخل لدى وزيرة ثقافة بلده لإيقاف سرقة التراث الجزائري من طرف المغاربة، واصفا إياهم بلصوص التاريخ والجغرافيا.
غير أن الأكثر مدعاة للسخرية، تدوينة الخبير الجزائري محمد دومير، في اللجنة الرابعة وقضية الصحراء، حول معاهدة اعتراف الجزائر بالولايات المتحدة الامريكية سنة 1795، والأرجح أن يقال أن الجزائر لم تكن دولة قائمة او منقوصة السيادة قط قبل مرسوم جنيرالات فرنسا، ولذلك كان حسن باشا باي على الجزائر، وللمزيد من التوضيح، فالسيد حسن باشا عثماني المنشأ والهوى، ولم يحمل قط هوية جزائرية بحكم انعدام وجودها في ذلك الوقت.
ولذلك كان من الأجدر لأفضل المؤثرين في مجال العرفة، أن ينتقل من سوق البويرة الى أسواق العاصمة لقصر المسافة، رغم صدور قرار بإغلاقها منذ مدة، لأننا القفز الى شوارع نيويورك محفوف بالمخاطر، لأن ما يظن المرء أنه دفاعا مجديا عن الصحراء، قد يفسر بالفضيحة النكراء التي دائما تفرض على جنيرالات المرادية مواراة رؤوسهم في الوحل، بسبب جهل وصلافة شبيحتهم.
ولعل من نافل القول لجوء السلطات الجزائرية الى ابتعاث اشخاص بمواصفات نادرة، كالتفوق في السب والقذف وأصحاب الجهل المركب وبلطجية النظام، غير أن الدورة الحالية للجنة المسائل السياسية الخاصة وتصفية الاستعمار، شهدت مشاركة من نوع خاص جدا، لشاب حاصل على إجازة في اقتصاد المكتبات والتوثيق من جامعة الجزائر 2، وممثل رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون في الانتخابات الماضية، ولكي يزداد المشهد سوءا وقتامة، يرأس السيد بوعزيز أكاديمية الشباب الجزائري التي أنشأت خصيصا لدعم المرشح الرئاسي، واعتقد أن مشاركته في أشغال اللجنة الرابعة مكافأة لما بذله من جهود في حملة المرشح الرئاسي.
في مشهد سريالي وعلى حين غرة تفاجأ الحضور في قاعة الاجتماعات بصوت جهوري لمرأة تدعى نورية حفصي، عانت الكثير لتصل الى مراتب المجد بالجزائر، وتقلدت بعد نضال طويل امانة الاتحاد الوطني النسائي الجزائري، ومن ذلك الحين، لم تترك فرصة إلا وكالت التهم الغليظة للمملكة المغربية، وزارت مخيمات تندوف، واستقبلت نساء صحراويات بالمخيمات، في استحياء تام، لأننا في المغرب ممنوعون من تصفح موقع وكالة الانباء الجزائرية بسبب الحظر الجوي والأرضي والمعلوماتي المفروض علينا من الشقيقة الشرقية لتربيتنا بعد أن أينعت رؤوسنا!
وسيرا على عادتها في تدبير شؤون الاتحاد الوطني النسوي وحملات مساندة الرئيس تبون، نهرت ممثل دولة ذات سيادة في اللجنة، موجهة له الأمر بتركها تتمم مداخلة العصماء، غير أن قواعد الاشتباك مختلفة تماما في نيويورك عن اخواتها في تندوف، لتخرج ذليلة مهانة، مكسورة الجناح ومنكل بها، دون ان تعرف أنها كانت سببا في معرفة كل الحاضرين لعقلية المسؤول الجزائري في مختلف درجات المسؤولية، وتحذر الجمع من مغبة التعامل مع كل ما هو قادم من الجزائر للأسف.
وللتعريف بمتزعمة وقيعة اللجنة الرابعة، فلا يسعنا إلا القول بأن السيدة نورية حفصي هي أمين العام للاتحاد الوطني للمرأة الجزائرية، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعضو في مجلس الشعب الجزائري، ونائبة رئيس منظمة المرأة الأفريقية، ونائبة أمين عام اتحاد المرأة العربية، وعضوة في شبكة الوسيطات المتوسطيات ونائب رئيس منظمة المرأة الأفريقية للترويج السياسي، ونائب الرئيس المكلف ببلاد المغرب العربي بالاتحاد العام للمرأة العربية، وعضو الاتحاد الدولي للمرأة الديمقراطية.
تقوم هذه السيدة بالتدخل أمام اللجنة الرابعة، وشاركت في عدد من قمم الاتحاد الأفريقي، وتشارك سنويا في اجتماعات لجنة وضع المرأة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، وعبرت صراحة أنها ضد ارتداء المرأة الجزائرية للحجاب لأنه يحد من حريتها، بالإضافة الى قيامها بدور حاسم في الانتخابات الرئاسية الماضية، وهذه المعلومات كافية لتوضيح مع من نتعامل، وكيف يمكن ان نبني فضاءا مدنيا مغاربيا للاشتغال باستقلالية وموضوعية لدعم رقي ورفاه شعوبنا.
إن فحص مسارات وأنشطة وبرامج النشطاء الجزائريين في اليوم الأول من أشغال اللجنة الرابعة، يظهر بما لا يدع مجالا للشك تبعية هؤلاء لجهاز تنفيذي عميق عمق الصراع المصطنع، لأن هؤلاء “الفاعلين المدنيين”، ما كانوا ليقرروا الاشتغال على قضية الصحراء دوليا، لتعقد الملف وتشعب مواد وصكوك القانون الدولي المتداخلة في تداوله وتجدد المقاربات بشأنه، وبالمحصلة صعوبة مجاراة ما يحاك حوله، بالإضافة إلى هزالة تكوينهم وجهلهم التام للصحراء وأهلها وكرونولوجيا الصراع.
وقد يكون من الصواب تسميتهم بالمنظمات غير الحكومية الحكومية، وهي تنظيمات مستقلة صوريا، غير أنها تابعة بصورة كاملة للجهاز التنفيذي أو الأمني، ويلجأ لخدماتها في القيام بأعمال بلطجة وتلطيخ السمعة للمدافعين عن حقوق الانسان والمعارضين وللقيام بحملات وصم وتشكيك في أشخاص أو جهات، لأن تمتع هؤلاء بإمكانيات هائلة للتحرك والسفر والإقامة وغيرها من الشواغل التمويلية، مقابل التضييق على النشطاء الجزائريين الحقيقيين وسجنهم بمدد ثقيلة وإجبارهم على مغادرة البلد واللجوء للخارج للبحث عن الحرية المفقودة في الوطن، يعني الكثير من الأشياء، لعل أقلها ضررا أن الأمور في الجزائر تدار من نفس الغرفة المظلمة، ومن لم يستجيب لحراسها في سب وقذف المغرب بأقبح النعوت، يصنف في خانة العدو ويقابل بصنوف الانتهاكات.
أما زمرة المحترفين الخارجيين، فقد أبانوا عن على كعبهم في إظهار الجزائر بلدا فاشلا، لا يصلح الا لإعطاء الرشاوي السخية لإضعاف المغرب والتعاقد مع المرتزقة، وإلا كيف يفسر وجود المتحدث كريستوفر هلالي في قائمة المتحدثين أمام اللجنة، أمام ان الشخص سيتجشم عناء السفر للمشاركة على نفقته؟
ومن واجبنا ان نشير إلى ان كريس هلالي، أمريكي من أصل كردي، وهو مرتزق، شارك في ميليشيات مسلحة في الرقة وكردستان، واتيحت له بجانب اجانب اخرين من اسبانيا وأمريكا اللاتينية الفرصة للتحدث في قضايا تقرير المصير والثروات الطبيعية ونظام الفصل العنصري وحقوق الانسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والمؤسف أن غالبيتهم لا يفرق بين تلك المفاهيم ونطاق استعمالها وهل الامر يتعلق فعلا بسياق احتلالي أم بنزاع بين أطراف على السيادة على الأرض، وهل المطلوب تحديد هوية الأشخاص المنحدرين من الإقليم أم تحديد هوية الأرض في حد ذاتها لمن تعود، وكل حالة لها تفسيراتها وأبعادها والوسائل المساعدة لفهمها وتفكيكها؟
وفي مقام اخر، يتناول هؤلاء اللاعبون الأجانب مسألة الثروات وكأن المستغل لتلك الخيرات أجانب محتلون للمكان دون ان يكون لأهل الأرض حق في الانتفاع من خيراتها، وهذه طريقة احتيالية لصرف النظر عن الموضوع الحقيقي المتعلق بتحديد من له مصلة في تعطيل الحل النهائي لهذا الصراع.
وفي مستوى اخر، يستدعي هؤلاء المتدخلون مجلس الأمن لفرض إدراج ولاية حقوق الانسان بمهمة المينورسو، في محاولة لإحراج المغرب كل مرة يكون على موعد مع مناقشات مجلس الأمن لاعتماد قرار بشأن الحالة في الصحراء لتمديد ولاية البعثة الأممية.
واعتقد في هذا الصدد أنه من الغباء طلب ذلك، في ظل استتباب الأمن ووجود جو من الحقوق والحريات الأفضل في المنطقة القارية، بل وتتخذ المملكة المغربية نموذجا يحتذى به.
فعلى أي أساس يتم الدعوة إلى تطبيق قواعد القانون الإنساني الدولي؟ وكيف يمكن ارتكاب إبادة جماعية كما ورد في تصريحات هؤلاء دون تحرك المجتمع الدولي ومجلس حقوق الانسان واليات الامم المتحدة الحمائية ومنظمات المجتمع المدني الوطني والمحلي؟ وهل الإشادة بحكم محكمة تابع لفضاء أوروبي ينشأ حقوقا او يرتب التزامات في فضاء مغاير ويتمتع بالسيادة الكاملة للتعاقد مع جهات أخرى لتنويع شراكاته في ظل انعدام الامن القانوني والسيادة القانونية على تصرفات الكيان الإقليمي موضوع الحكم القضائي المشار إليه؟
وبالنظر إلى هذا الكم الهائل من الجمعيات التي تستغل في مجملها على حفظ الثقافة الصحراوية وحماية حقوق الانسان بإقليم الصحراء، يتساءل المرء حول مصداقية هذا الادعاء، لأن ما يقع بمخيمات تندوف منذ عقود يعد بمثابة جرائم حرب، غير أن تلك التنظيمات الحقوقية وأخواتها المساندة للبوليساريو يبدو انها لم تسمع او ترى او تتوصل بمعلومات عن تلك الانتهاكات، فجمعيات الدعم وحقوق الانسان باسبانيا يمكن ان تكون شاهدة على صفع شرطي لطالب في سياق زمني ومكاني محدود، لا يعرف أحد ماذا جرى بينهما، بينما لا تستطيع التحقيق حول صحة قتل 25 شابا صحراويا قاطنا بالمخيمات، في منطقة إيكيدي على الحدود الموريتانية الجزائرية.
إن هكذا سلوكات غير مدنية لطرف يحسب نفسه قوة اقتراحية مدنية ومستقلة، يطرح بإلحاح سؤال الاستقلالية والنزاهة والمعرفة بالقانون الدولي وبالتشريعات والسياقات الوطنية وبالفقه القانوني والقضائي والدولي وتحرر من التبعية العمياء لجهاز الاستعلامات الجزائري، لأن استمرار هذه التصرفات والتصريحات التي تحاول تسليع الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الانسان وبروتوكولاتها، ستجبر الأمم المتحدة لا محالة على تغيير معايير التعاون مع مكونات الفضاء المدني، وسنكون مجبرين على تقديم كشوفات تثبت خلو منظماتنا وأشخاصنا من التبعية أو العمالية لجهة تنفيذية قصد الاضرار بجهة دولتية أخرى، وهو ما سيحتم الرجوع الى سوق البويرة للمواشي لكن عبر الجزائر العامة هذه المرة.