بين (الإخوان المسلمين) و(حزب التحرير) من الحساسية والعداوة ما هو أشد من تنافر البروتونات في قلب الذرة أو عداوة الجرذ والسنور. ومع أن كلاهما يستقي من نفس المراجع فالكل يصادر الحقيقة لطرفه. وإذا ضم مجلس (إخواني) و(تحريري) فعلينا انتظار حفلة ملاكمة فكرية تنتهي بالشتائم وضرب الكراسي، أو مزيدا من العداوة.
والحزبي أعمى ولو أدعى أنه سيد المبصرين. وهذا المرض ليس ميزة المتدينين فقط بل يشاركهم في بركته القوميين؟ فمع أن حزب البعث السوري والعراقي خرجا من رحم واحدة على يد قابلة مسيحية اسمها (عفلق) فقد استحكمت العداوة بين التوأمين إلى درجة أنه كان يكتب على جوازات السفر السورية كل البلاد عدا العراق.
وهكذا فمسلسل الانشقاق لانهاية له على المستوى الديني والقومي في العالم العربي شاهداً على صبيانية عقائدية وعدم نضج حضاري وسفاهة تحتاج لوصي عليها من الأمريكان. وهذا لا يعني الترحيب بالأمريكان ولكنه قانون اجتماعي. أن السفيه يحتاج إلى وصي عليه. وهذا طرف من سر طيران أموالنا بأجنحة من يورو ودولار وين إلى بنوك الأوصياء على القاصرين من أمثالنا.
وفي يوم تنافس فريقان من فصائل الإخوان المسلمين في ألمانيا على السيطرة على مسجد ميونيخ وهو المركز الإسلامي الوحيد في الجنوب فاشتبكوا في صراع حزبي مرير جعل أحد الحاضرين يبكي ويقول لقد ذكرني هذا الصراع بين الإخوان بصراع الرفاق البعثيين الذين هربنا منهم لأرض الجرمان.
وكان في السعودية يجري تعليم البنات في غرف معزولة عن الذكور ويتم توصيل الكلام عبر شاشة تلفزيونية. وفي يوم وبعد أربعين دقيقة من الكلام أراد المدرس المصري التأكد من تواصل البنات معه فقال لهن هل تسمعون؟ اعتذرت إحداهن وقالت لم نفتح الشاشة بعد فوقع المدرس مغشيا عليه من الحزن فالرجل كان يتكلم مع نفسه ثلاث أرباع الساعة مثل المجانين.
وهذه المسألة تقودنا لمناقشة القضية من جذورها فلماذا تنتشر دعوة دون دعوة في مكان دون آخر؟ ولما تنشأ البوذية في نيبال ثم تودع إلى الصين وتايلاند واليابان؟ ولما تنشأ المسيحية في فلسطين ثم تعتنقها روما؟ ولماذا تهرب الزرادشتية من إيران لتستقر في الهند؟ بل لماذا تلتجيء حركة الخوارج إلى الصحاري والأطراف؟ ولماذا تحرص الأثنيات على رؤوس الجبال؟ ولماذا ترسخ التشيع في إيران وقضى على البابية والبهائية بدون رحمة؟ لماذا تعج سوريا بمذاهب لانهاية لها بمن فيهم من يعبد الشيطان الرجيم كما في طائفة اليزيديين في جبل سنجار. وفي الوقت الذي حكم مصر الفاطميون لفترة قرنين لا يوجد فاطمي واحد على ضفة النيل؟ فهل هناك قانون اجتماعي لحصول مثل هذا؟
إن الفيزياء تعلمنا أن الماء والحليب والشمع والبارود إذا تعرض للحرارة تصرف على نحو مختلف فتبخر الماء وفار الحليب وذاب الشمع وانفجر البارود. وكذلك البشر والمجتمعات. فتستجيب على نحو مختلف خاص بطبيعتها أكثر ممن تلقت منه.
ومن هذين المؤثرين يولد النموذج الجديد. وبذلك رسخ التشيع في إيران وانتشرت البوذية في اليابان وتحجر اليهود في كل مكان. وطبيعة البشر تقوم على الاختلاف، ويرجع اختلاف الامتصاص والتمثل وإشعاع مذهب وفكرة ودين إلى طبيعة القوم والبيئة في حزمة من عناصر شتى وبذلك يختلفون ولذلك خلقهم.
ويبنى على هذا ثلاث أمور:
الأول : الاعتراف بالتعددية حتى لو وصلت لعبادة الشيطان، فاليزيديون لا يصفونه بالشيطان بل يلقبونه تكريما طاووسا ويقولون عنه أنه موكل من الله بحكم الأرض عشرة آلاف سنة.
والأمر الثاني أن يعيش الجميع بسلام ويحرم شيء واحد في المجتمع هو الإكراه على فرض رأي بعينه بالقوة.
والثالث: استيعاب أن هناك نماذج إسلامية منوعة بما فيها المزورة. فهذه هي صيغة الوجود ومن سيحكم بالخطأ أو الصحة على مبدأ ما هو النفع الذي يقدمه مع الزمن. “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
ونحن نعرف من الطب أن رفض طريقة جراحية بعينها كما في استخدام الصفائح المعدنية لتثبيت الكسور أو طريقة اليزاروف لمط العظام أو وخز الأبر الصينية لمكافحة الألم حوربت وقتا طويلا ثم تم الاعتراف بها لحاجة الناس إليها فهذا قانون تاريخي في تطور الأشياء وصيرورتها.
مع هذا فهناك أقوام يجمدون في مربع الزمن فلا يتطورون فيتجاوزهم التاريخ ويتحنطون في متحف حي كما في جماعة الآميش في فيلادلفيا المتجمدين في القرن السادس عشر للميلاد آية للمتوسمين.
حضرت امرأة ألمانية مع زوجها إلى مؤتمر إسلامي في مدينة آخن وكانت سيدة عربية تستقبل الوافدين فتحرص بشدة على فصل النساء عن أزواجهن بدعوى التقوى.
قالت الألمانية لها: لقد سافرت 400 كم كي أحضر المؤتمر أنا وزوجي وأنا مسلمة بحمد الله وتفقهنا في الدين ولن أجلس سوى بجانب زوجي وأما عاداتكم الشرقية فاحتفظوا بها لأنفسكم.