آراءأفريقيا
أخر الأخبار

المسكوت عنه جهراً..!

فالأمن القومي السوداني اليوم يواجه تحدياً و تهديداً مركباً ليس فقط من الجماعات المتمردة أو التدخلات الخارجية إنما من الداخل ذاته من التعدد غير المنضبط لمصادر القوة المسلحة فكلما نشأ فصيل عسكري جديد خارج المؤسسة الرسمية فإن معادلة الضبط والسيطرة تقل ويفتح الباب و الولاء لغير الدولة..

دكتور/حسن شايب دنقس

الأخطاء الإستراتيجية تتكرر بصورة متواترة و مزعجة للغاية في البلاد وعلى رأسها صناعة الإمبراطوريات العسكرية خارج المؤسسة العسكرية الرسمية فمنذ بروز ظاهرة مليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي وما رافقها من تمكين عسكري واقتصادي وإداري خارج منظومة الدولة أصبحت البلاد تعيش فصلاً مستمراً من تشظي مراكز القوة وتآكل سلطة الدولة المركزية.

واليوم تتكرر ذات الديناميكية من جديد في نماذج مشابهة من بينها صعود قيادات عسكرية موازية مثل كيكل و كل قادة الحركات التي لم تكتمل فيها عمليات الترتيبات الأمنية كيكل يحذو و يخطو بذات خطوات حميدتي وسط صمت مطبق من المؤسسة العسكرية!

هل لعدم الإستقرار السياسي دور في ذلك؟ بالتأكيد نعم لأنه ألقى بظلاله على المؤسسة العسكرية فأضعفها و جعلها تقبل بكيانات عسكرية موازية لم تنشأ بدافع الحاجة الأمنية المؤقتة فقط بل لتمكينها ضمن ترتيبات سياسية من مكوناتها الاجتماعية بهدف إحداث توازن للقوى على حساب الوحدة الوطنية (التي إن كان لها لسان لهجتنا به) نتيجة لشعور أهل الوسط بوجود إستعلاء في الخطاب السياسي من الحركات التي وقعت على إتفاق سلام جوبا مما حدا بهم بالالتفاف حول كيكل و كأنه المخلص.

بالرغم من إداراكهم لخطورة هذا الأمر على الأمن القومي في المستقبل القريب و البعيد إلا أنهم في سبيل الحفاظ على وضعهم السياسي الذي ينبثق منه عدة أهداف أقدموا على ذلك و هذا مما يعمق من هشاشة الدولة ويضع الأمن القومي على المحك.

كما أن الدولة أطرت لمفهوم أن كل من حمل ورفع السلاح ضدها بقضايا التهميش و غيرها يجد حظه من السلطة و الثروة مما جعل الآخرين يرفعون نفس الشعارات التي رفعها ممن يتسنمون زمام السلطة الآن إذاً نحن بحاجة إلى حوار سوداني خالص يفضي إلى فدرالية الدولة لإزالة حالة الإحتقان السلطوي فالسلطة في السودان تعتبر من المفاتن الكل يريد الاستمتاع بها! فالأمر جد خطير و ما عاد يقبل بعضنا بعضاً.

فالأمن القومي السوداني اليوم يواجه تحدياً و تهديداً مركباً ليس فقط من الجماعات المتمردة أو التدخلات الخارجية إنما من الداخل ذاته من التعدد غير المنضبط لمصادر القوة المسلحة فكلما نشأ فصيل عسكري جديد خارج المؤسسة الرسمية فإن معادلة الضبط والسيطرة تقل ويفتح الباب و الولاء لغير الدولة، والأخطر من ذلك أن بعض هذه الفصائل تمنح شرعية سياسية من غير مسوغ قانوني مما يفرغ الدولة من مضمونها السيادي.

وما يدعو للدهشة أن القوات المسلحة برغم ما تملكه من شرعية تاريخية وتفويض شعبي تظل ساكنة في كثير من الأحيان أعلم أن البيئة الداخلية والخارجية متحركة جعلتها تعمل على إتخاذ سياسات عسكرية أكثر مرونة في سبيل الوصول إلى الهدف و من ثم إعادة التموضع بالصورة التي تليق بها غير أن الصمت ليس استراتيجية مستدامة لأنه سيتحول إلى تفريط في آخر ما تبقى من مركزية الدولة.

لذا لا بد من خطوات جريئة تبدأ بحظر تشكيل أو تمويل أي قوة مسلحة خارج المؤسسة العسكرية و إنهاء فوضى الرتب العسكرية التي أضحت محل سخرية و تندر من الجميع كما أنها تنتقص من قدر الجيش الذي عمره مائة عام.

استمرار العرض بهذا الشكل دون تدخل حاسم يعني ترسيخ حالة الدولة المبعثرة حيث تتعايش الكيانات المسلحة خارج الإطار المؤسسي وتتنافس على الموارد والشرعية.

كما تنافسوها الذين من قبلهم مما يجعل حلم بناء دولة القانون يتقاصر فإما أن تستعيد الدولة سيادتها كاملة أو أن تظل رهينة لمصطلح الظرف غير مناسب فالقوى الإقليمية والدولية التي تحيك المؤامرات ضد البلاد تستغل أي نقطة ضعف للوصول إلى غاياتها فالحذر الحذر من صناعة قيادات عسكرية موازية فمن صُنعوا بأيدٍ رسمية خرجوا عن السيطرة.

* مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

https://anbaaexpress.ma/fiyo0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى