يجسد قطاع التكنولوجيا الزراعية في إستونيا نموذجاً مبتكراًيجمع بين ممارسات الزراعة المستدامة والتكنولوجيا المتقدمة، لمواجهة التحديات العالمية المتعلقة بأمن الغذاء والمسؤولية البيئية بفضل تقنياتها المتقدمة واحترامها للطبيعة، حققت هذه الدولة الصغيرة مكانة رائدة في تطوير حلول جذبت اهتماماً عالمياً، خاصةً في المناطق التي تواجه تحديات ملحّة في مجال الأمن الغذائي.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تًعَدُّ الإنتاجية الزراعية والاستدامة أمرين حاسمين لمواكبة النمو السكّاني وتغير المناخ، تقدم حلول التكنولوجيا الزراعية الإستونية فرصاً واعدةً بتحولات نوعية.
وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن ينمو سوق الأغذية العضوية في الإمارات بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.8% خلال الفترة من 2021 إلى 2027.
إنتاج زراعي صديق البيئة
انطلاقاً من رؤية قوامها الالتزام بالكفاءة والدقة والاستدامة، قدمت الشركات الإستونية حلولاً مبتكرة تعتمد على البيانات لتحسين إنتاجية المزارع وتوفير حوافز مالية للممارسات المستدامة.
من أبرز هذه الشركات “إي أغرونوم” التي حصلت مؤخراً على تمويل بقيمة 5 ملايين يورو ومنح من الهيئة الإستونية لريادة الأعمال “إنتربرايز إستونيا”. ومن خلال هذا الدعم، طورت الشركة برامج ائتمان الكربون التي تمكّن المزارعين من تبني أساليب صديقة للبيئة مع تحقيقمصادر دخل جديدة.
هذا التوجُّه الذي يوازن بين الربحية والاستدامة، يتماشى تماماً مع أهداف دول الخليج العربية الرامية إلى بناء أنظمة غذائية مرنة تحقق الجدوى الاقتصادية والوعي البيئي.
وعبر الجميع بين مراقبة انبعاثات الغازات الدفيئة وخطط استدامة مخصّصة، تمثّل “إي أغرونوم” شريكاً استراتيجياً فاعلاً للمناطق الساعية إلى تحقيق توازن بين الإنتاج الزراعي والحفاظ على البيئة.
من جهة أخرى، يمثل مركز تكنولوجيا الغذاء والتخمير “TFTAK” مثالاً حياً على تأثير الابتكار الزراعي في إستونيا.
يدمج هذا المركز مبادئ الاقتصاد الدائري والتكنولوجيا الحيوية لتطوير حلول فريدة؛ أبرزها مشروع تحويل ثفل التفاح، مخلفات إنتاج عصير التفاح، إلى مشروب صحي غني بالألياف لتعزيز صحة الأمعاء.
هذا المشروع المبتكر لا يقتصر على تقليل الهدر وحسب، بل يقدم أيضاً منتجاً مستداماً لتحسين صحة الجهاز الهضمي.
ينسجم نجاح “TFTAK” في تحويل النفايات إلى منتجات ذات قيمة مع التركيزالمتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي على تقليص الأثر البيئي وتحقيق أقصى فائدة من الموارد.
كما يشكل هذا الحل المبتكر في تحويل المنتجات الزراعية الثانوية إلى منتجات ذات فائدة للسوق مثالاً قابلاً للتطبيق في المناطق ذات الأراضي الزراعية المحدودة، والتي تعتمد على استيراد الغذاء بشكل كبير.
ابتكارات لكامل سلسلة القيمة
تمتد ابتكارات تكنولوجيا الزراعة في إستونيا؛ لتشمل إدارة المزارع وتغطية كامل سلسلة القيمة: من المزرعة إلى السوق. ويتميز تاريخ البلاد بالتعاون الوثيق بين المؤسسات البحثية والهيئات الحكومية والشركات الخاصة، ما أسهم في تحقيق قفزات كبيرة في مجالاتالزراعة الدقيقة، والزراعة الداخلية، والمنتجات القائمة على التكنولوجيا الحيوية.
في هذا الإطار، قامت شركات تكنولوجيا الزراعة الإستونية بتطوير حلول لتوفير المياه تتناسب مع المناخات الجافة، ما أدى إلى تقليص استهلاك المياه في الزراعة بنسبة تصل إلى 40%. تعتبر هذه الابتكارات ضرورية للمناطق التي تعاني من ندرة المياه وقيود الأراضي وتركز على الاستخدام الفعال للموارد،مثل منطقة الخليج.
تستخدم الشركات الناشئة الإستونية تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وإنترنت الأشياء؛ لتحسين استخدام المياه، وتعزيز وفرةالمحاصيل، فضلاً عن تقليل الهدر.
وهذه القدرة على التكيف مفيدة بشكل خاص في دول مجلس التعاون الخليجي التي تتطلب أنظمة زراعية مرنة لمواجهة التحدّيات المناخية والبيئية.
يشكّل الالتزام بالمسؤولية البيئية وإدارة الموارد المستدامة أبرز ما يميّز إستونيا؛ إذ تعتبر من الدول القليلة على مستوى العالم التي تلتزم بمعايير جودة الهواء التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.
كما أن تركيزها على الزراعة العضوية يعكس التزامها بالمنتجات النظيفة، حيث تصل نسبة الأراضي الزراعية العضوية إلى 23% من أراضيها، وهي من أعلى النسب في أوروبا.
يعزّز هذا التوجُّه من قيمة المنتجات الإستونية لدى المستهلكين في دول مجلس التعاون الخليجي الذي يولون اهتماماً متزايداً بمصادر المنتجات وتأثيرها البيئي.
آفاق لشراكات مثمرة
كما أن تكامل المنصات الرقمية في قطاع تكنولوجيا الزراعة ساعدفي إحداث تحوّل ثوري في الممارسات الزراعية في إستونيا، حيث تسهم الحلول الرقمية؛ مثل التوقيعات الإلكترونية، في تحقيق وفورات سنوية تُقدّر بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وقد أرسى نموذج الحكومة الرقمية أساساً متيناً لتبادل البيانات بسهولة وشفافية عبر سلسلة التوريد. يتناغم هذا النموذج الرقمي الشفاف مع توجهات دول الخليج نحو تعزيز الشفافية والأمان في مصادر الغذاء.
وعبر توظيف تقنيات؛ مثل البلوك تشين والمنصات الرقمية الآمنة، تقدم الشركات الإستونية بيانات موثوقة لشركائها في المنطقة بشأن مصادر المنتجات، وأساليب الإنتاج، والأثر البيئي، ما يضمن التزام منتجاتها بأعلى معايير السلامة والجودة.
وإذ تمضي دول مجلس التعاون الخليجي في تعزيز الأمن الغذائيوالاستدامة، فإن الحلول التكنولوجية الزراعية الإستونية تتناغم بشكل مثالي مع هذه الأهداف، حيث يمكنها أن تسهم في دعم مرونة القطاع الزراعي في المنطقة، وزيادة القدرة الإنتاجية وتقليصالاعتماد على الاستيراد.
ومع توسُّع الشركات الإستونية في أسواق الخليج، تبرز آفاق واسعة لإطلاق المبادرات المشتركة وتطوير الابتكارات النوعية التي تدمج التقدّم التكنولوجي مع السلامة البيئية لتحقيق إنتاج غذائي مستدام.