تواصل التكنولوجيا الرقمية ترسيخ حضورها داخل البيوت المغربية بوتيرة غير مسبوقة، إذ أصبحت الهواتف الذكية جزءاً ثابتاً من الحياة اليومية، بعدما بلغ انتشارها مستوى شبه شامل في المدن، واقترب من النسبة نفسها في القرى، وفق أحدث دراسة ميدانية للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات حول استخدام الأسر لتكنولوجيا المعلومات خلال مطلع سنة 2025.
وتكشف المعطيات أن الإقبال على الهواتف الذكية يتسارع بوتيرة أكبر في الوسط القروي مقارنة بالمدن، حيث سجلت الوكالة نمواً بلغ +6% في العالم القروي مقابل +2.5% في المدن، وبمتوسط وطني بلغ +4%.
وتعكس هذه الأرقام استمرار موجة التحول الرقمي التي عاشها المغرب بين 2019 و2024، وهي الفترة التي شهدت دخول ملايين المغاربة إلى الفضاء الرقمي للمرة الأولى.
وخلال السنوات الخمس الماضية، ارتفع عدد الأسر المتوفرة على حواسيب أو أجهزة لوحية بأكثر من 1.8 مليون أسرة، فيما حصلت 1.5 مليون أسرة إضافية على ربط بالإنترنت.
كما انضم أكثر من 6.7 مليون شخص جديد إلى دائرة مستخدمي الهواتف الذكية، و7.1 ملايين إلى مستعملي الإنترنت، في مؤشر على تسارع وتيرة التحول الرقمي.
ورغم هذا الانتشار الواسع للهاتف الذكي، تؤكد الوكالة أن الهاتف الثابت عرف مفاجأة لافتة، بعدما ارتفعت نسبة التجهيز به داخل الأسر إلى 36.5%. وبيّنت الدراسة أن النمو كان قوياً في القرى (+115%) مقارنة بالمدن (+30%).
كما حافظت الأجهزة المحمولة واللوحية على جاذبيتها، في وقت واصل الحاسوب المكتبي تراجعه، إذ انخفض استعماله بـ38% خلال خمس سنوات فقط.
وترجع الدراسة هذا التطور إلى التحولات العميقة التي عرفتها فترة الجائحة، حين اضطرت ملايين الأسر إلى اعتماد التكنولوجيا في التعليم والعمل والتواصل، وهو ما رسّخ استعمال الأدوات الرقمية حتى بعد انتهاء الأزمة الصحية.
وصول شبه مشبع للإنترنت.. مقابل ارتفاع قلق الأسر
على صعيد الربط بالإنترنت، تسجّل الدراسة اقتراب المغرب من مرحلة الإشباع الرقمي، إذ ارتفعت نسبة الأسر المتصلة بالشبكة إلى 89.2% وطنياً، مقابل 80.8% في 2019. وبلغت النسبة في المدن 93.6%، وفي القرى 78.4%، مع نمو لافت في العالم القروي بلغ +12%.
وتكشف المعطيات أيضاً عن ارتفاع كبير في استخدام الأطفال للإنترنت، إذ انتقلت النسبة من 50.1% إلى 67% خلال خمس سنوات. وتتصدر استعمالات الإنترنت لدى الفئات الشابة أغراض التعليم (95.5%)، تليها الألعاب والترفيه (90.7%) ثم التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي (80.9%).
غير أن هذا الانتشار يرافقه قلق متزايد لدى الأسر.
فالوكالة تشير إلى أن جزءاً من الآباء أصبح يعتبر الاستعمال المفرط للإنترنت مصدراً للتوتر داخل البيت، خاصة بسبب تأثيره على صحة الأطفال ووقتهم.
وقد ارتفعت نسبة الأسر التي تعاني توتراً “غالباً” بسبب الإنترنت من 4% إلى 7.6%، بينما سجل التوتر “من وقت لآخر” زيادة طفيفة، وتراجعت حالات التوتر “النادر” بشكل واضح.
ورغم هذا القلق، تُظهر الأرقام أن ثلاثة من كل خمسة أسر ينظرون إيجابياً إلى استعمال أطفالهم للإنترنت، في حين لا تزال غالبية ساحقة تسع أسر من أصل عش غير مطلعة على البرامج الوطنية لحماية الأطفال في الفضاء الرقمي.
واعتمدت الدراسة على عينة واسعة شملت 5,760 أسرة من الوسطين الحضري والقروي، إضافة إلى أفراد تتجاوز أعمارهم خمس سنوات، ما يمنحها تمثيلية دقيقة للواقع الرقمي المغربي خلال سنتي 2024-2025.





تعليق واحد