خرجت الحكومة الروسية الجديدة إلى النور بعد أن وقع الرئيس فلاديمير بوتين مراسيم تشكيلها، حيث احتفظ غالبية الوزراء السابقين ورئيس الوزراء نفسه بمناصبهم، بعد أن وافق مجلس الدوما (البرلمان) على جميع الوزراء المدنيين الذين اقترحهم رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، وقام مجلس الاتحاد بتقييم المرشحين العسكريين والأمنيين الذين قدمهم بوتين.
وقدم الرئيس قائمة مرشحيه بعد تنصيبه رسميًا رئيساً لولاية جديدة، واعتبر مراقبون روس أنها ستشكل بداية مرحلة جديدة، مما يتطلب وجود دماء جديدة وعقلية إدارية وتنفيذية لمقاربة القضايا والتحديات التي تعيشها البلاد.
تقييم أدوار
لكن التغيير المفاجئ الذي شكل الحدث الأبرز في تشكيلة الحكومة الجديدة تمثل في إقالة وزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي تولى هذا المنصب عام 2012، وعُين مكانه أندريه بيلوسوف، النائب الأول لرئيس الوزراء والخبير بالاقتصاد، ليصبح بذلك أبرز تعديل تجريه روسيا على القيادة العسكرية منذ بدء الحرب مع أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وأوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أسباب تعيين بيلوسوف للدفاع بأن تعيين مدني على رأس الوزارة سيزيد من “انفتاحها على عمليات التطوير وطرح الأفكار المبتكرة” بينما قال الرئيس في تصريح لاحق إن تعيين الوزير الجديد يرجع إلى حقيقة أن النفقات العسكرية تتزايد.
وتضم الحكومة الحالية، بالإضافة إلى رئيسها، 10 نواب لرئيس الوزراء و21 وزيرا، يقدم 5 وزراء منهم تقاريرهم مباشرة إلى الرئيس، وهم وزراء الداخلية والخارجية والدفاع وحالات الطوارئ والعدل، بينما يشرف رئيس الوزراء على أنشطة البقية.
ويسود رأي داخل أوساط المراقبين بأن بقاء وزراء ومسؤولين في مناصبهم يعكس حالة رضا لدى الكرملين عن أدائهم طوال فترة عملهم، بينما تصنف إقالة آخرين أو تعيينهم في مناصب أقل أهمية مقدمة لإنهاء دورهم في مؤسسات الدولة.
ويشار هنا بشكل خاص إلى وزير الخارجية المخضرم سيرغي لافروف، الذي يدير السياسة الخارجية منذ عام 2004 وحتى الآن، بكل ما حملته هذه الحقبة من توترات وأزمات وتغيرات عميقة في الوضع الجيوسياسي الدولي لروسيا، ابتداء من الأزمة مع المنظومة الغربية مرورًا بالحرب مع أوكرانيا ووصولًا إلى انتهاج سياسة تعدد الأقطاب والبحث عن شركاء جدد.
اقتصاد الحرب
وتبقى العلامة الفارقة في التعديلات الوزارية الأخيرة هي تعيين شخصية دون خلفية عسكرية بالمطلق لأهم منصب عسكري في البلاد، في وقت باتت فيه العلاقة أكثر عضوية بين الاقتصاد والحرب، وبينما بدأت روسيا بشن هجوم نوعي على محور خاركيف الإستراتيجي، وسط تقديرات بقرب تراجع الدعم الغربي العسكري لكييف ودفعها للتفاوض مع موسكو.
ويوضح المحلل السياسي ألكسندر بوخوف أن بيلوسوف، ورغم منصبه المدني السابق كنائب لرئيس الوزراء، فإنه لعب السنوات الأخيرة أحد أهم الأدوار في إدخال مسألة تصنيع وتطوير الطائرات بدون طيار كسلاح إستراتيجي في الصراع مع أوكرانيا.
ويرى أن هذا الدور لبيلوسوف يعادل من حيث الأهمية إنشاء الأسلحة النووية وتكنولوجيا الصواريخ والدفاع الجوي في الاتحاد السوفياتي، فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وردًا على سؤال أنباء إكسبريس، نفى المتحدث ذاته أن تكون إقالة شويغو قد جاءت على خلفية تورط عدد من كبار القادة العسكريين مؤخرًا في قضايا فساد، أو بسبب تعثرات ميدانية في أوكرانيا، معتبرًا أن تعيينه أمينًا لمجلس الأمن القومي يناقض هذه الادعاءات.
ووفقًا للمحلل السياسي، تستجيب التعديلات الأخيرة للتحديات التي تواجهها روسيا في الظروف الحالية، سواء كان ذلك في الانتقال لاقتصاد الحرب، أو تحقيق التطور العسكري والتقني والاستقلال التكنولوجي عن الخارج، متوقعًا حصول تغييرات سريعة تتعلق باقتصاد المجمع الصناعي العسكري لتوفير الصناعات المتطورة، مثل الطائرات بدون طيار وغيرها من الحلول المبتكرة، لتحسين الأوضاع على جبهات القتال في أوكرانيا والتسريع بحسمها.
وقت الحساب
لكن الكاتب السياسي سيرغي ماركوف يعطي قضية مكافحة الفساد وضبط مصاريف الحرب مع أوكرانيا حيزًا أكبر في خلفيات تعيين بيلوسوف، مشيرًا في سياق حديثه إلى تواتر الحديث قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بخصوص حصول برود في العلاقة بين الرئيس ووزير دفاعه.
كما قال مراقبون إن هذه العلاقة الباردة برزت بشكل أوضح بعد الأزمة مع جماعة “فاغنر” والتي انتهت بمقتل زعيمها يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرته.
ومن هنا، يوضح المتحدث أن التغييرات المستهدفة من تعيين وزير دفاع جديد هي تعزيز الاقتصاد الوطني لخدمة جبهات القتال وكافة مستلزمات مواجهة تداعيات الحرب، لا سيما مع تشديد العقوبات الغربية، بينما يستبعد أن تطال هذه التغييرات تكتيكات الحرب بحد ذاتها، لأن ذلك يدخل حصرًا ضمن اختصاص رئيس الأركان وليس وزير الدفاع، حسب قوله.
ويرى الكاتب أنه مع وصول بيلوسوف إلى منصب وزير الدفاع، ستبدأ تغييرات سريعة في أوساط المسؤولين والعاملين بالوزارة، لا سيما الأقسام المتعلقة بالشؤون المالية والاقتصادية للإدارة.
تعليق واحد