حاوره: الشاعر العراقي عباس محمد عمارة
سامح درويش كاتب وشاعر وهايجين مغربي رئيس نادي “هايكو موروكو” وعضو جمعية الهايكو العالمية ومدير مهرجان “الموكب الأدبي” في المغرب.
في هذا الحوار نحاول أن نلقي الضوء على تجربته في قصيدة الهايكو، اصدر اول ديوان في الهايكو تحت عنوان “خنافس مضيئة” عام 2015 منشورات الموكب الأدبي أغناها لاحقا بعدة اصدرات منها “مئة هايكو وهايكو” بالاشتراك مع الشاعر والمترجم العراقي عبد الكريم كاصدمنشورات الموكب الأدبي 2017 و”ما أكثرني.. مع قطرات الندى أتقاطر” و”عصافير تحلق في الأعماق”.
المحاور الشاعر العراقي عباس محمد عمارة
1- نبذة عن الشاعر سامح درويش وبدايات اطلاعه على الهايكو؟
أقول دائما إن معرفتي بسامح درويش لم تكتمل بعد وما أظنها ستكتمل، ما أعرف أنني أصبت بلوثة الشعر بشكل مبكر، كنت طفلا حين كانت بعض المشاهد التي تمر تحت عيني تثير لدي شعورا خاصا جدا، شعورا يشبه الانخطاف، حتى أنني لما كبرت أصبحت أومن بأن الشعر يمكن أن يوجد حتى من دون لغة.. وبعد ذلك، أي في يفاعتي فقد أصبحت ممارسة وكتابة الشعر هي قرينة الحب عندي، إذ أنهما نشآ معا بشكل سيامي، فصرت أكتب لأنني أحب، وأحب لأنني أكتب.
ولم يكن جنوحي لشعر الهايكو ضربة تجريب بدافع وعي شعري يأنف من الثبات والتقليد، بل كان إفرازا من صميم سيرورة تجربتي الشعرية الخاصة وكان تحولا يحدث من داخل هذه التجربة، بحيث نمت لديّ مبكرا نزعة البحث عن آفاق للمغايرة والتحديث لأنحت صوتي الخاص، هكذا وجدت نفسي تدريجيا أميل إلى التكثيف في تحقيق النص الشعري، وإلى مراجعة أدواتي الخاصة في الكتابة من خلال مساءلة الاستعارة و المجاز و باقي الأدوات الفنية والبلاغية المتوارثة والمعهودة، وتلك كانت البوابة التي قادتني إلى عالم الهايكو الساحر من خلال الطلاع على عدد من الترجمات القادمة آنئذ من اللغتين الإنجليزية والفرنسية، حيث كان ديواني “القهقهات” (من منشورات وزارة الثقافة المغربية سنة 2010) الذي جمعت فيه نصوصا من عقد التسعينيات يقترب أكثر فأكثر من مدار الهايكو من دون وعي شعري متعمد لتصنيف ما أكتب ضمن خانة نوع الهايكو..
فالهايكو كما قلت مرارا يمكن أن يساهم في تحرير الشعرية العربية من القعقعات البلاغية والأنا المتضخمة والثرثرة اللغوية المفرطة ومن سطوة المجاز الجانح، كما يمكنه أن يساهم في تحرير حواسنا من شوائب العادة التي تنتج في الغالب نصا مكرورا أو في أحسن الأحوال تنتج صدى للسابقين.
2- تبدو لي حالة استثنائية إذ نجد أغلب الرافضين للهايكو من أساتذة اللغة العربية بحجة الدفاع عن اللغة العربية؟
الحقيقة أن العقلية المحافظة التي تعيش على تمجيد الماضي وتقديسة قد كانت دوما ملازمة لمسارات الإبداع العربي من شعر وغيره، ويمكننا أن نلمس ذلك في مختلف الحقب والمراحل من العصر الجاهلي حتى الآن، فكان التجديد وخرق الثوابت دوما يجد مقاومة ورفضا، بالرغم من أن الإبداع الحقيقي النابع من صلب أمة يجد هو الآخر دوما طريقه للاستمرار والرسوخ، ويكفينا هنا أن نستدل بتحطيم أبي نواس لثابت المطلع الطللي، وتحطيم أبي تمام للصورة الشعرية النمطية، وتحطيم شعراء العصر الحديث لبحور الشعر ونمطية الإيقاع، وكل هذه الاختراقات كانت تجد مقاومة شرسة من العقلية المحافظة إياها، لكنها في النهاية رسخت واستمرت، لأن الإبداع الحقيقي هو دوما ضد الجمود والتقوقع والثبات، بل إننا نجد أن هذه الاختراقات هي نفسها من قدم خدمات كبيرة لتطور اللغة العربية ذاتها و توثب المخيال الإبداعي العربي.
مما يجعلني أقول إن المناوئين لتجربة الهايكو العربي اليوم سينتهي إلى ما انتهى إليه سابقوهم سدنة المعبد الثقافي، وستستمر تجربة الهايكو في مشهدنا الشعري، باعتبار أن هذا اللون الفني اقتراح جمالي يسائل أدواتنا الشعرية وتراثنا البلاغي و يدفعه نحو توثبات شعرية جديدة تناسب العصر وتعبر عنه، ومن ثمة يمكنني القول أيضا أن تجربة الهايكو العربي هي محك جديد لمعالجة البدانة الإبداعية والترهل الشعري العربي، نحو رشاقة أكثر التحاما بالآفاق الشعرية العالمية.
ولذلك فإن الوعي بطبيعة وجذور هذه المقاومة يمكن أن يكون خلاقا لطرائق وأساليب التجاوز والمواجهة، والأكثر إثارة للاستغراب في رفض تجربة الهايكو العربي هو أن يصدر هذا الرفض من شعراء ومبدعين(؟)، تارة بشكل مكشوف وتارة أخرى بأشكال السخرية والاستفزاز ودس السم في العسل، علما أن الكثير منهم قد بدأ فعلا يتأثر إيجابا بوجود الهايكو في محيطه الشعري، من خلال مراجعة الكثير من الأدوات الفنية والبلاغية.
3- هل تتفق معي في ان قصيدة الهايكو العربية وبالذات الهايكو المغربي قد وجد الأرض الصلبة من خلال جمعية الموكب الأدبي في تداول وترجمة وكتابة الهايكو بعد تعريف، الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري للعقل العربي وبالذات العقل البياني العربي؟
من المؤكد أن الفنون ومنها الشعر تكون دائما حاسة جمالية جماعية لاستشراف المستقبل، ومن ثمة فهي تحمل في تفاصيلها تباشير وإرهاصات تلك المنظومات الفلسفية والفكرية التي بإمكانها استكشاف قيم تقدمية لتثوير حركية التاريخ وبناء تصورات جديدة لتنظيم المجتمعات، وحين نستحضر المغربييْن المفكر المغربي محمد عابد الجابري وعالم الاجتماع عبد الكبير الخطيبي ونحن نتحدث عن احتضان الشعرية العربية اليوم لفن الهايكو.
فإننا نضع الأصبع على الجرح ونلامس موضعا حرجا في هويتنا، إذ يتعلق الأمر هنا بخلخلة الذهنية العربية في أفق إعادة بنائها بشكل يناسب العصر ويتفاعل مع أسئلته من باب الإنتاج لا من باب الاستهلاك والتبعية، من هنا فإن مشروع الجابري هو مشروع متكامل لنقد العقل والذهنية العربيين من منطلق الكشف عن كوابحهما وعاهاتهما ومظاهر الوهن والجمود فيهما، وأن مشروع الخطيبي يشكل ملامسة عميقة لتلك البنيات الذهنية التي تعطل شجاعة التفكير من خلال مقاربة تستنطق العلامات، إذ استطاع الخطيبي الذي انفتح مبكرا على قارة الهايكو ليكتب نصوصا في مدار هذا الفن.
لذلك فإن تجربة الهايكو في المغرب تستضيء في العمق النظري بهذين العلمين المغربيين الجابري والخطيبي، لتقترح على المتلقي المغربي والعربي شكلا شعريا مستجدا بالنسبة لشعريتنا، وتقدم مقترحا جماليا يسائل بلاغتنا وأدواتنا الشعرية، في أفق تحقيق وثبة إبداعية في تمثلاتنا للشعر الذي يشكل سقفا وسطحا وتجليا لذهنيتنا التي تتمنع على التجاوز والتجديد والتثوير.
من هنا فإنني أعتبر أن مجهودنا الصغير جدا في جمعية “الموكب الأدبي” ما هو إلا إطلاق شرارة لإضاءة دهاليزنا الفكرية والإبداعية، لأن مسألة توطين الهايكو في مشهدنا الثقافي والاستفادة من منطقه الفني هي مهمة لا يمكن إنجازها بشكل معزول، بل بواسطة تفاعل ثقافي عام.
4- أجد- وقد اكون مخطئا -روح التصوف فيما تكتب من قصائد هايكو ؟
قد يحاول بعض الباحثين والمهتمين بالهايكو العربي الربط بين ممارسة الهايكو وثقافة “الزن” التي استنشقها هذا اللون الفني في نشأته، باعتبار تقاليد الزن مكونا أساسيا في التراث والثقافة اليابانيين، ليحاولوا الربط بعد ذلك بين تجربة الهايكو العربي و التصوف باعتباره مكونا حاضرا في التراث والثقافة العربييْن، والحقيقة أنه يمكن تفادي هذا الربط باعتبار الهايكو شعرا تأمليا ينبثق من لحظة تركيز روحية بعيدا عن أي أصباغ أو مؤثرات دينية أو إيديولوجية، بمعنى أنني لا أكون في حالة تصوف وأنا ألتقط الهايكو بقدر ما أكون في حالة تأمل، بمعنى آخر أن روح التصوف في ما أكتب من هايكو ليست شحنة دينية بقدر ما هي لحظة روحية قد تولّد معاني تأويلية تنشأ عما يمكن أن تتركه ظلال اللغة في ذهن القارئ أو المتلقي.
5- هل تتفق مع الرأي القائل بأن قصيدة الهايكو العربية هي قصيدة (خنثى) أم لا؟
لا أدري ما المقصود وما الخلفيات من وراء إطلاق هذا الوصف على الهايكو، هذا يمكن أن يفتح الباب لإطلاق أوصاف مضادة على أنواع شعرية أخرى من قبيل وصف هذه القصيدة بالعجوز، ووصف تلك بالسحاقية، ووصف أخرى بما لا أدري، وقد سبق أن أطلق هذا التوصيف على قصيدة النثر، كما أطلق على نص الهايكو الذي لا يحترم قواعده الأساسية..
ما أعرف هو أن الهايكو نوع فني له خصائصه وله هرموناته الجمالية التي تجعل منه نوعا قائما بذاته، وله سحره الذي لا يقاوم، وربما أن وصف قصيدة الهايكو بالقصيدة الخنثى قد نبع أيضا من محاولة ربط الهايكو بالحكمة، مما أعتبره تجنيا على الهايكو، إذ أنني أعتبر أن الحكمة في حد ذاتها مفسدة للهايكو.. الهايكو هو اللحظة في أبعادها الثلاثة.. هو ورقة توت تسقط فلا تعني سوى ورقة توت تسقط.. الهايكو لا يحمل إلا معناه وأي ظل له ليس سوى بحجم حقيقته، وأي تمطيط لذلك الظل لا يعني إلا القارئ وحده.
6- أين موقع شعراء الهايكو العرب من دعوة الشاعر بانيا-ناتسو إيشي إلى كتابة الهايكو الكوني وهل هي دعوة ملزمة للجميع ام هي تشكل أحد اتجاهات الهايكو العالمي؟
الهايجن الياباني بانيا ناتسوإيشي، يمارس دعوته إلى كتابة الهايكو الحديث من داخل سياقه الياباني، فهو يضع قمتيْ الهايكو ماتسو باشو و ماساواكا شيكي في حجم محدد، ويقترح صيغة هايكو متجدد ومتوثب باستمرار، معتبرا أن العالم لم يعرف إلا النزر القليل من الهايكو الياباني، لذلك فإنني أعتقد أن لا أحد يمكنه أن يملي على الآخرين صيغة نموذجية لكتابة الهايكو في سياقات ثقافية وشعرية مختلفة..
وبالتالي فإن تبشير بانيا بالهايكو الحديث هو موجه بالدرجة الأولى إلى الداخل الياباني للتموقع ضمن خارطة مدارس الهايكو المتنوعة، أما بالنسبة لباقي الشعريات والثقافات فإنها متروكة لسياقاتها الخاصة من أجل تبيئ الهايكو في تربتها الشعرية بعيدا عن أي ارتهان لأي دعوة كانت.
7- برأيك ما هي أبرز النقاط في الهايكو الياباني والغربي التي يجب أن يتبناها شاعر الهايكو العربي؟
في نظري المتواضع أن أهم الأدوات التي ينبغي أن يتبناها شاعر الهايكو العربي هي تلك المقومات الأساسية للهايكو الكلاسيكي كما هي متعارف عليها دوليا، من أجل التمييز بين هذا النوع الشعري وباقي الأنواع المجاورة المشكلة للأدب الوجيز من شذرة وتوقيعة وبرقية وحكمة وومضة ومثل شعبي وعيطة كما هو الحال في ثقافتنا العربية التي اتخذت من الشعر ديوانها، وبعد تملك هذه الأساسيات الجمالية في كتابة الهايكو يمكن تجويد هذا التملك بواسطة التجديد فيه من داخل السياق الشعري والثقافي والقيمي الخاص، ولعلنا بذلك يمكن أن نجعل من الهايكو سفيرا للشعر العربي لدى باقي شعريات ولغات العالم التي أصبحت تستحضر اليوم اللغة العربية ضمن خارطة لغات العالم عبر بوابة الهايكو.
كما أن التفاعل والتلاقح بين تجربة الهايكو العربي وباقي تجارب ومدارس الهايكو عبر العالم بما في ذلك اليابان، سيمكن من الانفتاح على مدارس الهايكو الحديث وشينكو هايكو وغيرهما.
8- آخر أخبار نادي هايكو موركو الذي هو اول نادي عربي تأسس على ارض الواقع؟
تكون قد مرت الآن على تأسيس نادي هايكو موروكو خمس سنوات ونيف، وفي ربرتواره عدد من الأنشطة والملتقيات النوعية التي يتم تنظيمها بهدوء وبدون نية في التسابق مع أحد، والنادي يعتزم خلال سنة 2025 الانفتاح على عدد من الأسماء المغربية التي استطاعت أن تقترح نفسها ضمن دائرة فن الهايكو من خلال إصدار دواوين هايكو أو إنجاز دراسات وكتابة مقالات حول الهايكو، ويندرج هذا الانفتاح في سياق التحضير لتجديد هياكل النادي في المستقبل القريب وإعطائه نفسا متجددا عبر ضخ دماء جديدة في شرايينه.
9- هل أنت متفائل بمستقبل الهايكو العربي؟
طبعا، والتفاؤل هنا ليس شعورا شخصيا أو سرابا يستحيل القبض عليه، بل هو تذكير مرة أخرى بأن هجرة وتجوال الأنواع الأدبية عبر هذا الكوكب لا تحتاج إلى تأشيرة من أحد، كما لا تحتاج إلى إجراءات جمركية لمراقبة مشاعر البشر، فكم تمت مقاومة أشكال أدبية في السابق ولم يستطع أحد إيقاف ترحالها (هذا ما حدث لنا مع الرواية والمسرحية والقصة القصيرة وقصيدة النثر..)، وكم تمت محاولة إنعاش استمرارية أشكال أدبية، ولم يفلح أحد في منحها حياة إضافية (مثل ما حدث لنا مع المقامة ومثل ما حدث لليابانيين أنفسهم مع الرينغا مثلا )، كما أن منطق السيرورة الأدبية يحمي باستمرار روح التجاوز والتجديد، ولعل في استقطاب الهايكو لعدد هائل من الشباب العربي مشرقا ومغربا هو أجلى تعبير عن هذا التفاؤل، حتى أن الهايكو قد أصبح لدينا منفذا لاستعادة الشعر لجمهوره.
فقط ينبغي أن أذكّر هنا أن الهايكو العربي هو تلك الفراشة التي لا يمكنها التحليق إلا بجناحيها المشرق والمغرب، وأن الهايكو سلوك ونمط حياة صافية، وأن الهايكو فرصة للتداوي من عاهاتنا الثقافية المترسبة، وأن الهايكو ليس حلبة تنافس لإثبات الريادة هنا أو هناك، وأن الهايكو هو قيمة التواضع بامتياز..
10- مؤتمر “هايكو العالم” الذي انطلق من المغرب عن بعد عبر منصة (زوم ) ماهي أبرز النتائج التي خرج بها باعتبارك رئيسا لهذه الدورة؟
في البدء، كان أملنا أن نعقد الدورة 11 لمؤتمر هايكو العالم حضوريا بمدينة وجدة المغربية من أجل توفير فرصة لعناق عشاق الهايكو عبر العالم، وأيضا توفير فرصة أولى للقاء شعراء وشاعرات الهايكو العرب في أفق إطلاق التفكير في تأسيس إطار للهايكو العربي، غير أن ذلك لم يتسن لنا في هذه الدورة، لنحتفظ بمشروع اللقاء الحضوري إلى وقت لاحق ونعقد هذه النسخة عن بعد عبر منصة “زوم”، علما أن النسخة 11 من مؤتمر هايكو العالم كان قد تم إقرار تنظيمها بالمغرب منذ مؤتمر طوكيو سنة 2019، ليكون المغرب بذلك أول دولة عربية وإفريقية تُقترح لاحتضان هذا المحفل الهايكوي العالمي، غير أن هذه الدورة قد ظلت معلقة لما صادف موعد تنظيمها من ظرفية صحية عالمية بسبب وباء كوفيد 19.
والحقيقة أن عقد مؤتمر الهايكو في دورته هذه افتراضيا قد حقق النتائج المرجوة من تفاعل واحتكاك وتواصل بين عدد من تجارب الهايكو عبر العالم حيث شارك في المؤتمر حوالي أربعين هايجن ومترجم وباحث في الهايكو من 15 دولة خلال أربعة أيام، قدمت خلالها تسعة عروض حول موضوع “الهايكو والترجمة” أثير حولها نقاش مثمر وتفاعل بناء بين عدد من وجهات النظر وعدد من تجارب الهايكو عبر العالم.
وإذا كان من الممكن أن نورد أهم خلاصات ورؤوس أفكار هذا النقاش، يمكننا أن نشير إلى أن ترجمة الشعر عموما وترجمة الهايكو بشكل أخص تفقد النص الأصلي الكثير من خصائصه وجمالياته، حتى أن هناك من يقف على بعض المكونات في النص التي تستحيل ترجمتها وهي تعبر عن خصوصية الثقافة التي أنتج فيها نص الهايكو الأصلي، لكن تبقى الترجمة هي الجسر الممكن لتواصل الثقافات و تفاعلها بالرغم من نقائص الترجمة، وقد تم في هذا السياق أمثلة لبعض نصوص الهايكو التي تجد لها عشرات الترجمات المختلفة وغير المتطابقة أحيانا..
مما يجعل ترجمة الهايكو مهمة محفوفة بالصعوبة وتتطلب من المترجم إطلاع عميقا على اللغتين والثقافتين سواء تلك التي ينقل منها النص أو تلك التي ينقله إليها.
كما أثيرت أسئلة صاحبت هذا النقاش من قبيل: هل الهايكو شعر؟ هل يعتبر الهايكو شعرا لدى اليابانيين أنفسهم؟
هل ينبغي الالتزام بخصائص الهايكو الكلاسيكي في جميع اللغات؟ وغيرها من الأسئلة التي كانت فرصة لنعرف أن الهايكو في اليابان يعتبر شعرا، وأن العالم لم يطلع على خزان الهايكو في اليابان بالشكل الكافي، وأن الوقوف عند باشو وشيكي و إيسا وغيرهم ممن نعرف غير كاف، كما كانت فرصة لنتعرف على أهم ملاحم تجارب الهايكو في عدد من البلدان المشاركة. هذا وسيتم العمل على نشر العروض والخلاصات والنصوص التي تمت قراءتها في المؤتمر، سواء في مجلة “هايكو العالم” أو في الأنتولوجيا التي أعدت لهذا الحدث.
نصوص هايكو جديدة لسامح درويش؟
1
إنه الخريف
أنا أهب
والريح تكتب.
2
أهذا هو الهايكو
أنْ توقف الرّيح لحظة
ثم تُطلقها.
3
أول الخريف،
يميل إلى البياض
خرير الوادي.
4
صباح كورسيكيّ،
لمْع السكاكين
يجرح ظلي.
5
لسبب ما،
تكنس النادلة بين الكراسي
ثم تعيد الكنس.
6
عند الزّهٌار
الهايكو
توقظه نحلة.
7
مرّة تلو مرّة،
أعُدّ سرْب الحمَام
وأخْطئ.
8
في آنٍ ،
تُهزْهِز الرّيحُ زهرةَ الآسِ
وحاشيةَ الكفَن.
9
في عزّ الصيف،
مُزهرا لا يزال الكرز
على تنّورة النّادلة.
10
واجمة،
تضرب كفّا بكفّ
قارئة الكفّ.