سياسةمجتمع
أخر الأخبار

الخطاب الملكي أمام البرلمان: جلالة الملك يضع الحكومة أمام مسؤولياتها لتحقيق العدالة الاجتماعية

فالملك هنا لم يكتفِ بتوجيه دعوة للإصلاح، بل وجّه تحذيراً ضمنياً ضد الفساد، والغش، وسوء التدبير

جاء الخطاب الملكي أمام البرلمان بمثابة لحظة فارقة في المشهد السياسي المغربي، إذ لم يكن مجرد افتتاح للدورة التشريعية، بل كان توجيهاً سياسياً وأخلاقياً حازماً أعاد رسم معالم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين المؤسسة الملكية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، في ضوء المستجدات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد منذ أسابيع.

1. جلالة الملك بين الدستور والشرعية الاجتماعية

أكد جلالة الملك، في بداية خطابه، على الاحترام الصارم للدستور باعتباره المرجعية العليا التي تضبط عمل المؤسسات وتضمن التوازن بين السلطات.

إلا أن التركيز لم يكن تقنياً أو قانونياً فقط، بل حمل شحنة رمزية عميقة تعكس إرادة ملكية في إعادة إحياء روح المسؤولية العمومية، لا كمجرد واجب إداري، بل كـ«عهد أخلاقي» بين الحاكم والمواطن.

ومن خلال هذا التذكير بالدستور، أراد جلالة الملك أن يوضح أن التعبير الشعبي – بما فيه حركة «جيل Z» التي برزت كصوت احتجاجي جديد – يدخل في صميم الدينامية الدستورية، ما دام ملتزماً بالسلمية والاحترام.

فالدولة ليست خصماً للشباب، بل هي الحاضنة لهم. غير أن المسؤولية التنفيذية تقع بالدرجة الأولى على الحكومة التي لم تُوفّ بعد بالتزاماتها تجاه العدالة الاجتماعية، والإنصاف في توزيع الثروة، وضمان الكرامة والفرص.

2. رسالة مباشرة إلى رئيس الحكومة: لا تسامح مع التقصير

في مقطع بدا موجهاً بوضوح إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ذكّر جلالة الملك بأهمية التطبيق العملي للعدالة الاجتماعية، معتبراً أن البرامج والأوراق الحكومية لا تكفي إن لم تنعكس إيجاباً على حياة المواطن اليومية.

وقد جاء هذا التذكير على شكل تحذير غير معلن ولكن شديد اللهجة، حين استشهد جلالة الملك بالآية القرآنية:

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

هذه الآية، في سياق الخطاب السياسي، تحمل معنى المراقبة والمساءلة الإلهية والإنسانية معاً، وهي تذكير رمزي بأن من يتقلد مسؤولية عمومية – مهما علت درجته – سيُحاسب على كل فعل أو تقصير.

فالملك هنا لم يكتفِ بتوجيه دعوة للإصلاح، بل وجّه تحذيراً ضمنياً ضد الفساد، والغش، وسوء التدبير.

3. بين الحكومة ومطالب الشباب: وساطة ملكية لتصحيح المسار

الخطاب الملكي وضع الحكومة والشباب المغربي وجهاً لوجه، ليس في صدام، بل في مساءلة متبادلة تحت سقف الشرعية الدستورية.

فالشباب يطالبون بالكرامة والعدالة، والملك يعترف بشرعية هذه المطالب، لكنه في الوقت ذاته يُحمّل الحكومة مسؤولية التجاوب الجاد معها.

بهذا المعنى، يمكن اعتبار الخطاب وساطة ملكية بين الدولة والمجتمع، هدفها حماية الاستقرار من جهة، وتجديد الثقة بين المواطن والمؤسسات من جهة أخرى.

فالملك لا يرى في الحراك الشبابي تهديداً، بل إنذاراً ينبغي للحكومة أن تصغي إليه، وأن تُترجم مضمونه إلى إصلاحات ملموسة.

4. تحذير سياسي وأخلاقي: نهاية زمن اللامحاسبة

من خلال الآية القرآنية التي تضمنها الخطاب، أراد الملك أن يربط بين العدالة الإلهية والعدالة السياسية، في رسالة قوية إلى كل من يتلاعب بالمال العام أو يستغل النفوذ لتحقيق مصالح ضيقة.

فمن يعمل خيراً في خدمة الوطن، سيرى أثره في التقدير والثقة، ومن يسيء أو يفسد، فستُسلّط عليه الأضواء والمساءلة.

لقد بدا واضحاً أن جلالة الملك لن يتسامح مع التهاون أو الممارسات الانتهازية داخل الجهاز التنفيذي، وأن المرحلة المقبلة ستعرف ـ كما تُقرأ من بين سطور الخطاب ـ إعادة ترتيب الأولويات وربما إعادة تقييم أداء الحكومة إن استمرت في تجاهل المطالب الاجتماعية المتزايدة.

5. الخطاب كخارطة طريق جديدة

ختاماً، يمكن القول إن هذا الخطاب الملكي فتح مرحلة جديدة من الوضوح السياسي في المغرب:

• فهو يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي بين القول والفعل،
• ويمنح الشباب شرعية صوتهم ضمن الإطار الدستوري،
• ويؤسس لنمط جديد من الحكامة يقوم على الشفافية والمساءلة والمسؤولية الفردية والجماعية.

بهذا، يكون الخطاب قد أرسى معادلة دقيقة بين الاستقرار والإصلاح، وبين السلطة والمجتمع، في لحظة وطنية تتطلب شجاعة سياسية وتضامناً وطنياً يتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة.

https://anbaaexpress.ma/dfsxp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى