
هذا المشروع حلم عندي منذ أن اشتغلت على كتاب (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) حيث حفظت منه مئات الأحاديث، كذلك حينما عملت على صحيح البخاري.
أما علم الحديث فقد استفدت من الشيخ (عبد الرزاق الحلبي) إمام جامع (القطط؟) في دمشق فأخذت هذه العلم أيضا على يديه رحمه الله رحمة واسعة.
يشابه كتابي هذا ما كتبه النووي القديم في الأربعين حديثا، وقد اشتغلنا عليه عندما كنا شبابا وحفظنا ما جاء فيه من أحاديث، والنووي بالمناسبة جاء اسمه من قرية )نوى( من منطقة حوران السورية، وحين أتذكر الأحاديث التي جاءت في كتاب النووي يقفز إلى الذاكرة عندي حديث النية، وأن لكل امريء ما نوى، وبنى الفقهاء على هذا الحديث أشياء كثيرة. والمهم فقد مضت سنة الأولين، وجهده مشكور، ولكن لابد من وضع مشروع موازي يشبهه من جهة ويختلف عنه من وجوه، ونحن نعيش عالم الديجتال.
وأذكر أنني كتبت في هذا الموضوع فجاءني تعليق حاد جدا، ولكنني تذوقته مع حرارته مثل التوابل في الطعام، وهذه قوة غير عادية في الناقد، أن يجعل الانتقاد مادة ممتعة للكاتب فيرحب بهذا النقد، قال الغامدي إنه مشروع الأحاديث الجلبية، وأنا أقول ربما ولكنه يبقى مشروعا حيويا، وحتى لانطيل على القاريء أقول إن هناك العديد من الأحاديث الرائعة في التأسيس المعرفي، ذهلتني أثناء مشروعي في الاطلاع على الأحاديث، وقعدت يومها على كتب الأحاديث الأساسية من البخاري ومسلم.
ثم أتيت بكتاب الشنقيطي بخمس مجلدات فعكفت عليه، وهو مكتوب بطريقة لطيفة على حروف الهجاء، قد أخذ كل حديث رقما متسلسلا، كما أن ثمة شروح وتعليقات على كل حديث، وكنت أحيانا أجتمع بأحاديث بلغ من جمالها أنها لم تتركني بدون أن أحفظها كما حفظت القرآن في مشروعي السابق الذي أخذ مني ثماني حجج..
وفي هذا الصدد لايفوتني التنويه لمشروع الأستاذ (عبد الحليم أبو شقة) في كتابه (تحرير المرأة في عصر الرسالة) فقد قام مشروعه على نفس النسق في محاولة إعادة النظر لموضوع المرأة جملة وتفصيلا، وقام باستعراض آلاف الأحاديث من الصحاح التسعة في مشروع موسوعي، أخذ منه جهد عشرين عاما ليضع في النهاية كتابه (تحرير المرأة في عصر الرسالة) في ستة مجلدات منها في الزينة واللباس والاختلاط بل وحتى العلاقات الجنسية.
كذلك لايفوتنا أن نذكر ثلاثة أمور على غاية الأهمية: وهي دعوى القرآنيين بالتخلي جملة وتفصيلا عن أي حديث. ثم اشتباك الحديث مع نص قرآني واضح كما في قصة رجم الزاني، وقتل المرتد، أو أن المرأة بين الكلاب والحمير، وأن أكثر فتنة الرجال هي في المرأة، وأن أكثر أهل النار من النساء وكيف تحل الإشكالية؟
والثالث مشكلة الأحاديث الواهية والمكذوبة على رسول الله ص مع انتباه علماؤنا منذ القدم إلى هذه الأفة فوضعوا كتبا في ذلك؛ يحضرني منها كتاب (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) للشوكاني، وكتاب (اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي، وكتاب (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) لابن الجوزي.
وبالطبع فإن الجدل بين أهل الحديث والقرآنيين لانهاية له؛ فكيف يمكن فهم أن الصلوات خمس وفي أوقات معينة، كما أفعل أنا في التقويم بين يدي عن صلاة الفجر وموعدها وزمن الشروق ثم بقية الأوقات، بل كيف نستطيع استنباط أن صلاة الفجر ركعتان والعشاء أربعة؟ وأن الجهر في صلاة المغرب والإسرار في صلاة العصر؟ وقس على ذلك من عشرات الإشكالات، وبالطبع فهم معذورون من جانب حين نجتمع ببعض الأحاديث المشبوهة وهي صحيحة في السند، ونحن نعرف أن علم الحديث قام على دعامتين من (السند) و(المتن) وهو الأمر الذي درسناه في كلية الشريعة عن علم الحديث.
فالسند هو سلسة النقل من فلان عن فلان عن فلان وهكذا، وهو أمر أربك الكثير، وأرسلت لي أخت فاضلة مقالة للكاتب (الحيدري) يشكك في المسألة فيقول كيف نفهم ونسلم عقولنا لأناس سطروا علم الحديث بعد 180 سنة؟ أما (المتن) فهو محتواه الموضوعي، وهي مسألة خطيرة جدا حيث أن علم الحديث ركز على السند أكثر من المتن، ونما علم السند جدا، أمام ضمور علم المتن، فوجب الانتباه؟
وهكذا تم نقل بعض الأحاديث بما تخالف منطق حدوث الأشياء، وهو ماحركني أن أكتب كتابي الحالي في انتقاء قبضة من الأحاديث الجميلة مع شرحها الموسع بما يتناسب مع روح العصر، كما فعل النووي في عصره، وحين اطلاعي على آلاف الأحاديث من الكتب الصحاح التسعة مثل ابن حبان والترمذي والمسند لابن حنبل بعد البخاري ومسلم لفت نظري بعض الأحاديث التي تعرج ولا يمكن إدخالها إلى مجلس العلم والعقل حتى لو كانت في صحيح البخاري ومسلم، وهي ليست بالأحاديث الكثيرة، وإذا كان البخاري قد غربل مئات الالاف من الأحاديث ليخلص بالفي حديث ويزيد فيمكن ان نطبق نفس الشيء على صحيحه؟
ونموذج هذا حديث يقطع الصلاة ثلاث المرأة والحمار والكلب الأسود وهو حديث صحيح ورد في صحيح البخاري، وحين يسال الصحابي مابال الكلب الأسود؟ يجيبه المصطفى ص أنه شيطان زيادة في العنصرية؟ وهكذا أصبحت المرأة في صحبة الكلاب والشياطين والحمير؟.
وأتذكر ماحدث معي حين كنت أتصفح صحيح البخاري لأعثر على حديث في باب التهجد وعائشة توبخ أبا هريرة وتقول له جعلتنا بين الكلاب والحمير؟ هنا نرى وعلى نحو مبكر محاولة عفوية لتصحيح مسار أحاديث مشبوهة.
وهي كما ذكرنا ليست كثيرة ولكنها موجودة ومنه يجب غربلة التراث. وأنا شخصيا أكتب في مونتريال وقد خصصت لموضوع غربلة التراث خطبتي في صلاة الجمعة بعد أن تحدثت لهم عن تحديث خطبة الجمعة خاصة في وسط مساجد كندا؟