أفريقياسياسةعاجل
أخر الأخبار

العلاقات المغربية-الكينية.. نحو تحالف استراتيجي يخدم مستقبل إفريقيا الموحدة

اعتمد المغرب على مقاربة شمولية في تطوير علاقاته مع كينيا، ترتكز على أربعة روافد استراتيجية مترابطة ومهمة..

أنباء إكسبريس – إعداد خاص

تشهد العلاقات المغربية الكينية تحولات عميقة ومتسارعة، تترجم رؤية استشرافية مشتركة لبناء شراكة إفريقية نموذجية تمتد من شمال القارة إلى شرقها، وتطمح إلى جعل محور الرباط – نيروبي قطبًا جيو-إستراتيجيًا تنمويًا يخدم القارة الإفريقية بأكملها في ظل رهانات عالمية متغيرة وتحديات إقليمية متعددة.

ففي ظل تصاعد التهديدات المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة وتغير المناخ في مناطق الساحل والصحراء الكبرى، تبرز الحاجة الملحة إلى تحالفات قارية قائمة على التضامن، والاستثمار في الاستقرار والتنمية.

وهو ما تجسده الرؤية الملكية المغربية الرامية إلى تعزيز الحضور المغربي في إفريقيا عبر بوابة التعاون جنوب – جنوب، وتمتين الشراكات مع قوى إفريقية صاعدة مثل كينيا.

وقد شكل انتخاب الرئيس الكيني وليام روتو سنة 2022 لحظة فارقة في تطور هذه العلاقة، حيث عبّرت الرسالة الملكية الموجهة إليه عن رغبة مغربية صادقة في بناء تعاون متوازن، يقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

تبع ذلك تطور ملموس في التعاون الثنائي، تُوج بافتتاح سفارة كينية في الرباط، وتعيين أول سفيرة كينية، السيدة جيسيكا جاكينيا، بخلفية اقتصادية وازنة، ما يؤشر على توجه نيروبي نحو ترسيخ علاقات اقتصادية مستدامة مع المغرب.

كما سبق أن تم الاتفاق بين البلدين (المغرب وكينيا) على التسريع الفوري للعلاقات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، ولا سيما في مجالات الصيد البحري والفلاحة والأمن الغذائي (استيراد الأسمدة).

بالإضافة أيضا يتعلق الأمر بمجالات الصحة والسياحة والطاقات المتجددة والتعاون في المجال الأمني، فضلا عن التبادل الثقافي والديني وبين الأفراد.

روافد التعاون المغربي الكيني: تكامل متعدد الأبعاد

اعتمد المغرب على مقاربة شمولية في تطوير علاقاته مع كينيا، ترتكز على أربعة روافد استراتيجية مترابطة ومهمة:

1. الرافد السياسي: تميز بتقارب المواقف في المحافل القارية، وتكثيف الزيارات الثنائية، إلى جانب تأسيس لجنة برلمانية مشتركة، عززت العمل التنسيقي في البرلمان الإفريقي.

كما شكل اللقاء الأخير بين وزيري خارجية البلدين على هامش اجتماع الاتحاد الإفريقي بإثيوبيا دليلاً على السعي لإعطاء دينامية جديدة للعلاقات.

2. الرافد الاقتصادي: ربط مباشر بين الدار البيضاء ونيروبي عبر خط جوي منذ 2016، واستثمارات مغربية نوعية في السوق الكينية مثل استحواذ مجموعة “هولماركوم” على حصة استراتيجية في شركة تأمينات كينية، وتوقيع اتفاقيات في مجالات حيوية كالفلاحة، البنى التحتية، والطاقات المتجددة.

كما يشكل الانخراط المغربي المرتقب في تكتلات إقليمية كـ”الكوميسا” و”سادك” رافعة إضافية لتكامل الأسواق الإفريقية.

3. الرافد الديني والثقافي: عبر الدبلوماسية الدينية، يضع المغرب تجربته في تدبير الشأن الديني في خدمة الشركاء الأفارقة، حيث افتتحت مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة فرعًا لها في كينيا، وشهدت زيارة وفود دينية كينية إلى المملكة في إطار تبادل الخبرات ومكافحة الفكر المتطرف.

4. الرافد العلمي والتقني: انفتحت العلاقات المغربية الكينية على مجالات التعاون الأكاديمي والبحث العلمي، حيث جرى التنسيق بين عدد من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في البلدين لتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات التكنولوجيا الحديثة، الزراعة الذكية، وتبادل البعثات الطلابية والأساتذة.

ويأتي هذا التوجه تماشياً مع الرهانات المشتركة للبلدين على بناء اقتصاد المعرفة، وتشجيع الابتكار الرقمي، وتعزيز قدرات الشباب الإفريقي في مجالات الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والطاقة المستدامة.

كينيا تعيد تموقعها في ملف الصحراء المغربية

أحد أبرز التحولات المفصلية في العلاقات الثنائية، تمثل في إعادة كينيا النظر في موقفها من قضية الصحراء المغربية. فقد أسقط البرلمان الكيني في مراجعته الأخيرة للسياسة الخارجية أي إشارة إلى “الجمهورية الوهمية”، معبرًا عن دعم صريح للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وهو ما يشكل انتصارًا دبلوماسيًا هامًا للمملكة في معركتها من أجل وحدتها الترابية.

هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة عمل دبلوماسي مغربي محكم، تحت إشراف المؤسسة الملكية، تميز بنجاعة الأداء المتزن، حيث تم الاشتغال على تعزيز حضور المغرب داخل النسيج الدبلوماسي والاقتصادي لكينيا، الذي يعتبر بلد محوري في إفريقيا الشرقية ويحتضن أحد أهم مقرات الأمم المتحدة في نيروبي.

نحو محور إفريقي جديد

إن التفاهم المغربي الكيني يفتح المجال لتأسيس محور إفريقي متماسك، يعبر من الرباط إلى نيروبي، يخدم أجندة التنمية القارية ويواكب طموحات الاتحاد الإفريقي في أفق 2063.

كما يُعزز هذا التحالف فرص بناء فضاءات اقتصادية متكاملة قادرة على الصمود في وجه الأزمات، وتثمين الموارد الإفريقية بما يخدم مصالح الشعوب.

الرباط ونيروبي اليوم، ليستا مجرد عاصمتين تربطهما اتفاقيات دبلوماسية، بل محورا حيويا مرشحًا للعب أدوار قيادية في صياغة معالم إفريقيا الجديدة: قارة السيادة، والتكامل، والتنمية.

وجدير بالذكر، اعتبرت جمهورية كينيا بأن المخطط المغربي للحكم الذاتي بمثابة المقاربة المستدامة الوحيدة لتسوية قضية الصحراء المغربية، النزاع المفتعل مشيدة بالتوافق الدولي المتزايد والدينامية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس الداعمة لهذا المخطط.

حيث عبرت جمهورية كينيا عن هذا الموقف، في بيان مشترك صدر عقب لقاء جرى، اليوم الاثنين 26 ماي بالرباط، بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، والوزير الأول، وزير الشؤون الخارجية وشؤون المغتربين بجمهورية كينيا، موساليا مودافادي.

https://anbaaexpress.ma/d0paz

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى