
على هامش مهرجان بنغازي للفنون المسرحية، الذي تناول ندوات وعروض مسرحية، كانت سانحة لمسامرات مع عدد من الأصدقاء، فنانين ومثقفين.
شيء مذهل، أنّ الحياة الثقافية تحتفظ في ليبيا بشيء من العنفوان. هذه الابتسامة التي تعكس الأمل، هذا الإصرار الناذر على مواصلة مسيرة الفنّ فوق رماد بنغازي التي شهدت معركة الكرامة. فكانت تلك العروض التي لم أوفّق لمتابعتها، تقدم على ركح المسرح الشعبي، غير بعيد عن مسرح كبرى المعارك التي خاضها الجيش الليبي ضدّ الإرهاب.
عدد غفير تقرأ في وجوههم خريطة طريق محفوفة بالأمل. صوت الثقافة موجود، وهو وجه آخر، لعله الأهم، من الكفاح التاريخي للقبض على ناصية الخيار الصعب في ليل الخراب.
لعلّ واحدة من أجمل اللُّقيا، تلك التي جمعتني مع المثقف والكاتب الليبي الكبير، الأستاذ منصور بوشنتوف، الذي تألّق في الكتابة المسرحية وفي الرواية، لعل أشهرها رواية “مضغ العلك” التي منعت من النشر سنة 2008.
منصور بوشنتوف هو نفسه رواية، بل قطعة ممسرحة جامعة مانعة للمأساة الساخرة، يلتئم فيها وجه صنديد مثقف حرّ، وإنسان طيب الأرومة. هكذا قاده يوما جنونه في منتصف السبعينيات، لعرض مسرحيته الموسومة بـ: “عندما يحكم الجرذان”، المسرحية التي كلفته 12 عاما داخل السجون. تكمن المفارقة هنا، حيث داعبته بتلك الملاحظة الفارقة: هل يا ترى اقتبس منك العقيد عبارة الجردان، من باب بضاعتكم رُدت عليكم؟
سيواصل بعد السجن إنجاز عديد من الأعمال المسرحية والروائية، فرواية العلكة التي منعت من النشر عام 2008 ستترجم إلى الإنجليزية عام 2014. باتت لمنصور أعمال رائدة في المجال السردي، ترجم بعضها إلى الإيطالية والإنجليزية.
الأديب والمسرحي منصور الذي حوّل السجن إلى مدرسة، وفيها تفجرّت ملكته العصامية، ليتعلم الفرنسية، ويرد من عيون آدابها، وقد جرى بيننا حديث أدركت من خلاله أنّ الرجل مطلع على كلاسيكيات الأدب الفرنسي. كما ومتابع للمسرح العربي، ومنه المغربي، لا سيما تجربة الطيب الصديقي.
المثير في تجربة الأستاذ منصور، هو روح المرح والتجاوز، إنّها الثقافة كعلاج من بارانويا الماضي، وبالنسبة لروائي ومسرحي، فهو ينظر إلى مساره كقطعة ممسرحة غير مفصولة عن مسرح الحياة. كيف تُصبح المأساة مادة دسمة ومغرية، تمنح السارد مادة حيوية لإنجاز مهمّته الفنّية. إنه يتكامل مع قدره البرومثيوسي، متصالحا معه عفو الخاطر، لأجل إمضاء صفقة رابحة، هي مسرحة الحياة والبحث عن جمالية التّمَوْجُد في بيدائنا العربية.