بقلم : بوشعيب بن ايجا، طالب أستاذ، باحث في الفلسفة و علوم التربية و علم الاجتماع
لطالما كان العلم و المعرفة من أهم الاشياء رغبة لدى الإنسان، فمنذ بدء الخليقة، و هذا الأخير يحاول الغوص في بحار المعرفة، و الاستزادة لاسيما، وأن العلم هو منشأ كل حضارة عريقة و بلاد أصيلة تسمو الى المعالي، و هذه المعرفة لا تقتصر على جنس واحد بل تعمم على الرجال، و النساء، و الأدباء و الاديبات على حد السواء، و في الفترة المعاصرة نصطدم بواقع إضطهاد المرأة، غير أن الحاسم في الأمر، ظهور أديبات مناضلات، أعادوا الاعتبار إلى الجنس اللطيف، هذا الاخير الذي أبهرنا بمجموعة من اعماله و منجزاته، و مواجهته للظلم، و من أهم الاديبات اللواتي حملنا المشعل، و جسدوا المرأة المثقفة المربية، و القدوة الحسنة، و المثالية لكل امرأة، دون أن ننسى كل فتاة، و هي الأستاذة و الأدبية مليكة نجيب، هذه العملاقة في مجال الأدب والرواية و القصص، يمكن تسميتها برائدة الأدب المغربي بامتياز، و ذلك لأنها كانت جريئتا في إبداعاتها، إمرأة من الزمن الجميل، تركت الحياة، و هي في أوج عطائها، تركت صوفيا و سحر و زكريا، و عبد الله، و تركت عشاق أدبها، فهي تجسيد للمساواة، و العدالة، و تعد الكاتبة من رائدات القصة القصيرة بالمغرب، إهتمت بأدب الرحلة كجنس يعتمد على البحث و التمحيص، و به نالت شهادة الدكتوراه، و التي حازت به على جائزة إبن بطوطة للنشر و الإبداع، تحت عنوان المرأة في الرحلة السفارية المغربية خلال القرنين 18 و 19 “، و هي تجسد حضور المرأة المغربية في الكتابات الادبية، و الرحالة المغاربة، و قد اشتغلت إعلامية كاتبة، و صحفية، و عضو إتحاد كتاب مغرب الحياة، و قد تركت مجموعة من الكتابات التي تشهد لها بالرقي، و الإبداع الفكري، و كانت تسمى بالمرنيسي الثانية، هذه الأخيرة التي عرفت كعالمة اجتماع مغربية جسدت في مؤلفاتها البحث عن المرأة الانسانة، و الروح التي تطمح إلى المساواة، و بالمثل نجد الدكتورة مليكة نجيب، التي كانت تنظيماتها الجمعوية، و النسائية ترفع شعار المرأة، في البيت و الوظيفة العمومية، هي مربية الأجيال، و من مؤلفاتها نجد كتاب الحلزون، يوم السعد، الثدي الملفوف، الحلم الاخضر، لنبدأ الحكاية، السماوي مجموعة قصصية، وإنفجرت ضاحكة، و هي حاصلة على الإجازة في الأدب من كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط، تابعت دراستها بالقانون، والإعلام، و إشتغلت متصرفة بالإدارة العمومية، و قد نشرت أعمالها القصصية في العديد من المنابر الاعلامية المغربية، و نجد منها الملحق الثقافي لجريدة العلم، و أنوال الميثاق، الزمان و الثقافة التونسية، و في روايتها تجسد الواقع الأليم، و الزمن الحليم، فقد أخذ منا الزمان الشمس التي كانت تضيء لغة الضاد، و اليد التي كانت بينها، و بين القلم علاقة أخوة، و حب كعلاقة علبة بعنترة، و قيس بليلى، و قد كانت الفقيدة تكتب بحرقة امرأة مغربية، و افكار تحررية، جسدت في كتاباتها الواقع المر، الذي يعيش المغاربة الأحرار، و كانت من أهم المدافعين عن حقوق المرأة، هذه الأخيرة التي كانت تضطهد حرمتها، و تنتهك عفتها، ففي عالم أصبحت فيه العنصرية و الطبقية تنتشر بشكل كبير، فقاومة هذا العنف و التهديد بقلب من حجر، و قلم حبره جف من تدوين المعاناة الأليمة، دفاعا عن المرأة المناضلة الصبورة، لاسيما و أن النساء في المغرب مضطهدات، سواء معرفيا أو ثقافيا، و خصوصا جنسيا.
و تعتبر الأستاذة من أهم الرواد الذين رسموا قصة أدب الرحلة كجنس تعبيري يهدف إلى الدقة في عرض الأفكار، و الأسلوب المتسم بالسلاسة، و الوضوح، الذي يحمل الصبغة الادبية في طياته، و في أغلب كتاباتها تساءلت عن الشرط الانساني، حيث تناولت الفرق بين الحداثة، و البداوة، بالإضافة الى القلق النفسي، و الكيفية التي من خلالها يتم تناول المواضيع الشائكة، و رغم التساؤلات الكثيرة لم تسقط مليكة نجيب في التجريب، و قد عملت على شخصنة كل تجاربها من خلال المتن القصصي، و الذي من خلاله عالجة مجموعة من القضايا الإجتماعية، ابرزها مشكلة المرأة و الحب، و الكاتبة تحاول غرس قيم نبيلة في المجتمع، فمنذ العصور القديمة كانت للمرأة مكانة متدنية تقيدها المجتمعات بالجنس الذي اصبح كمادة للاستهلاك، و لهذا فمليكة نجيب تحاول استمالة المتلقي الفطن، و اليقظ من اجل الغوص في أعماق الفكر القائم على مغازلة العدالة الاجتماعية فهي تكتب بحرقة نسوية، و تدافع عن العنصرية الجنسية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم، لهذا يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه في كتاب غسق الأوثان ص 17 ” عندما تكون المرأة ذات خصال رجولية فليس على المرء الا أن يتحاشى قربها ” و تتميز كتابات مليكة نجيب بكونها مفارقة للحس المشترك، و الانتظارات العامة، بالإضافة الى انها مكتفية بذاتها ، فلا تزيد و لا تنقص عن المواضيع التي تجسد الحداثة و الفكر الحر و المتحرر من قيود السلطة الذكورية، ناهيك عن التأويل الدلالي الذي يختزل داخل اعماقه حقيقة صادقة نابعة من قلب جفت دمائه من كثرة الأنين، و الاضطهاد و الاستبداد و الظلم و القهر الذي تمارسه السلطة القمعية للحقوق، و تتسم كتاباتها بالوحدة، و التماسك اللفظي، و المعنوي، فهي تلبس عباءة الأدب المرتحل الذي يتشعب بالقارئ في دروب المعاني العميقة، و تعلوها ماهي عظمة النفس، فالرجل يعشق بعينيه، و المرأة بأذنيها، و كما قال نيتشه ” المرأة لغز مفتاحه الوحيد كلمة واحدة هي الحب”، و بهذا الكتاب حازة الاديبة على جائزة ابن بطوطة و قد ركزت الباحثة على ست منها، حيث نجد رحلة المهادنة، و الاجتهاد، رحلة الغزال و سفراته الى الاندلس و ملك اسبانيا، بالإضافة الى الإكسير في فكاك الاسير، لمحمد بن عثمان المكناسي، ناهيك عن البدر السافر لهداية المسافر الى فكاك الاساري من يد العدو الكافر للمكناسي، و صدفة اللقاء مع الجديد، رحلة السفار الى فرنسا، و في سياق آخر نجد تحفة الملك العزيز، بملكة لاريز، لإدريس بن الوزير سيدي محمد ابن ادريس العمرواي، و الرحلة الإبريزية الى الديار الانجليزية، و غيرها من الرحلات، و التي عبرت من خلالها على تمثلاث المرأة المغربية عند الرحالة المغاربة خصوصا تلك التي وجهت الى اوروبا ما بين القرنين 18 و 19 م، لهذا فإن المرأة لها وزن كبير داخل المجتمع، و الغبي هو الذي ينتقص من قيمتها، لقد كان لها ارتباط بالأسطورة الاغريقية من خلال خلق “بنذورا”، أول امرأة في الوجود، و التي أحضرت معها الشر، و الألم والمعاناة، لكن المرأة عند الدكتورة مليكة نجيب، هي النضال، و العلم و الوعي بالحقوق، و الواجبات تجاه المجتمع، فأغلب التيارات المعرفية تؤكد على أن المرأة مجرد وسيلة لتحقيق منافع اخرى، بل على العكس من ذلك هي إنسان مثقفة و عالمة، إنها الاخت و الزوجة و الصديقة، و مربية الأجيال، فلها قيمة كبيرة و لهذا خصها الله بدرجة كبيرة، فالجنة تحت اقدام الامهات، لهذا وجب التخلي عن تلك النظرة الى المرأة على انها مجرد جسد، و مادة لأن هذا لا يعبر عن التحضر، و الانسان، بإعتباره كائن واعي و عاقل، و الا سوف تنتفى عنه صفة العقلانية و يغدو حيوان تتحكم فيه الغرائز و الاهواء، و سوف اقدم في هذا الصدد قصيدة شعرية من عملي الخاص :
وهي مليكة التي دافعت عن حقوق المرأة بكل شراسة
ضد استبداد الرجال و بكل جسارة
حملت سلاح القلم الذي جف حبره
من أثر المعاناة و انكسر عموده
أصبحت روحا في كنف الارواح
و شهاب يعاني فراقك دون إستراح
إن هوى مليكة لو كان ينفذ فيه حكمي و قضائي
لطلبته و جمعته من الأرض الى السماء
إليك يا من عذبني فراقها الليالي
و زاد من همي تذكرها في النهار
ياليتك كنت خالدة السواء
فنعيش ما عشناه على محض المودة و الصفاء
كنت خير امرأة تدافع عن جنسها
و تواجه كل اضطهاد في طريقها
أين تلك العيون التي صيرتاني ساهرا ساحرا
و جعلتني في متاهة الحيرة ناسيا
فسلام عليك من حبيبك شهاب الى دار البقاء
يعاني الحزن و الالم في دار الفناء
فقد حاولت عمدا على جذب المتلقي من أجل تبين الواقع المر الذي ينهش حقوق المرأة المغربية، فقد جاءت بجرأة إمرأة اصبح العنف، و الاضطهاد في نظرها مثل البحر ما له ساحل، لذلك كان لزاما إتخاذ سلاح العلم، و الكتابة من أجل ارجاع حقوق هذه الفئة من المجتمع، فبدون المرأة سيكون مصير المجتمع هو الضياع، فهي شجرة، اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق، لهذا يقول جون جاك روسو ” الرجل من صنع المرأة، فإذا أردتم رجلا عظاما فعليكم بالمرأة تعلموها ما هي عظمة النفس، فالرجل يعشق بعينيه و المرأة بأذنيها.
و ختاما أقول ان الأستاذ عبد الله شهاب كان محظوظا للغاية بزواجه من الأستاذة مليكة نجيب، زواج أثمر مثقفين صغار، صوفيا و زكرياء و سحر، و الاحفاد، فيالها من سعادة كما قال ارسطو سعادة الحكمة، و المعرفة و الثقافة، و معالجة القضايا التي شغلت الرأي العام لقرون عديدة.