آراء
أخر الأخبار

النضالات الشعبية.. وأهميتها في بناء دولة قوية ومأسسة المؤسسات

طه رياضي

تعتبر النضالات الشعبية مكونا أساسيا من مكونات الفعل الديمقراطي الذي يهدف إلى تصحيح الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي تجسيد حي لوعي جماعي متقدم بحقوق المواطنة، وبضرورة المشاركة في صياغة القرار العمومي.

فالدولة القوية لا تُبنى على الاستقرار الظاهري أو على تغييب الأصوات المعارضة، بل على القدرة المستمرة على الإنصات، التفاعل، وإصلاح الأعطاب المؤسساتية كلما دعت الحاجة.

لقد شكلت النضالات، في مختلف التجارب المقارنة، قوة اقتراح وتوجيه لمسار الإصلاح، ورافعة أساسية في مسار مأسسة المؤسسات وتعزيز مناعتها، بما يضمن الفصل بين السلط، ويحصن الحقوق والحريات، ويكرس دولة القانون.

وفي هذا السياق، يندرج تشبثنا الثابت بمغرب المؤسسات، كاختيار لا رجعة فيه، يؤمن بأن القوة الحقيقية للدولة لا تقاس بقبضتها الأمنية، بل بقدرتها على احتضان التعددية وتدبير الخلاف عبر آليات ديمقراطية.

إن النضال الشعبي، عندما يكون مؤطرا بسلمية ومسؤولية، لا يُعد تهديدا للاستقرار، بل تعبيرا عن المواطنة الفاعلة، وعن حرص المواطنين على صيانة مكتسبات الدولة الحديثة.

إنه يسائل المؤسسات لا لهدمها، بل لتقويتها، وينبه إلى الأعطاب لا بهدف التشهير، بل من أجل الإصلاح والمصالحة بين المواطن والدولة.

وفي هذا الإطار، لا بد من التذكير بما قاله جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله: “إن الديمقراطية شجرة تحتاج إلى أن نسقيها كل يوم، وإلا يبست وجفت”. فهذه المقولة تختزل جوهر العلاقة بين الفعل الشعبي والدولة الحديثة، وتؤكد أن النضال المستمر من أجل العدالة، المساواة، والحكامة، هو الضامن الوحيد لبقاء المؤسسات حية وفاعلة.

إن المغرب، وهو يواصل مساره التنموي والديمقراطي، بحاجة إلى ترسيخ ثقافة المشاركة المجتمعية، لا في الانتخابات فحسب، بل في التقييم والمساءلة والاقتراح، من أجل بناء مؤسسات قوية، تستمد مشروعيتها من إرادة الشعب، وتشتغل بمنطق الفعالية والشفافية.

وهكذا، نكون أمام دولة المؤسسات، لا دولة الأشخاص، دولة القانون، لا دولة التعليمات، دولة المواطن، لا دولة الامتيازات.

وفي الختام، إن النضالات الشعبية ليست خروجا عن النظام، بل هي تأكيد على أن الشعب شريك أساسي في بنائه، ومتى تم تحصينها قانونيا وتوفير الآليات الدستورية للاستجابة لمطالبها، تصبح طاقة إيجابية لتقويم الدولة، وتعزيز مناعتها، وتجديد شرعيتها، في أفق تحقيق عدالة اجتماعية ومؤسسات ديمقراطية متينة.

https://anbaaexpress.ma/bciqk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى