مجتمعمنوعات
أخر الأخبار

أنف وشفاه.. وخدود بالإيجار!

..وصلنا إلى العصر الحديث، عصر التشويه وتَحَوّل الناس إلى تقديس وعبادة مِشرط الطبيب أو منتحل صفة طبيب.

شادي منصور

جلسَتْ والعدساتُ الزرقاءُ المستعارةُ في عينيها.

رحتُ أراقب باندهاشٍ بقايا أنفِها المضغوط، وحركة نمو الأعشاب الصناعية التي نبتَت صباح هذا اليوم التشريني المشمس فوق جفنَيها، والتصقت بقوّة غِراء الإيبوكسي الخارق المقاوم للرطوبة والحرارة.

يا إله عشتار وأفروديت وفينوس من هذه؟ وما هذه الابتسامةُ المتورّمةُ المنفوخةُ ككعكةِ عيدٍ فاضت خميرتُها؟

ما خطبُها؟ أهيَ تئن أو تضحك؟

ما هاتانِ الكُرتان المطاطيّتان في أعلى الخدّين اللتين انبسطتا وتمدّدتا حتى تداخلَ حدبُ الوجهِ بصوبِه؟

أهي كئيبةٌ أم مبتهجة؟

هل تنظرُ إلى هنا أو إليه هناك؟

من ارتكبَ فيكنّ يا سيدات جرائمَ إبادة الأعضاءِ والتعابير والمشاعر؟

ما هذه الوحشيةُ في تشويه خلقة الله؟ أين الطبُّ ورسالتُه في كلّ ما يحدث؟ لماذا هذا الهوس على الإدمان على التشويه؟

قدّ نظنّ أنّ عملياتِ التجميلِ حديثةٌ، بل على العكس هي قديمةٌ قِدم الحضارات العريقة، منذ دهورٍ طويلة وقرونٍ لا تُعدّ. لقد أبدعَ المصريون القدماء واليونانيون والرومان في إجراء عمليات التجميل الجراحيّة لأغراضٍ طبيّة وإنسانية بحتة، خصوصًا في الحالات الطبيّة الصعبة الناتجة عن الحوادث أو تشوّهات الحروب، وكان الاهتمام بالجمال وقتها من أساسيات الحياة الاجتماعية والدينية والروحانيات والطقوس.

كان المصريون القدماء أوّلَ من استخدم الكُحل ليس فقط للزينة، بل لحماية العين من الغُبار والشمس، وكانوا أول من تحمّم بالزيوت والأعشاب الطبيعية والعطور وأوّل مَن استخدمَ الأصباغ لتلوين الشعر والشفاه والخدود، واعتنوا بجمال جسدهم كاعتنائهم وهم أحياء تمامًا كاهتمامهم بالأموات، فحنّطوا الجٌثث وكرّموها واتّبعوا العلوم الصرفة.

ووصلنا إلى العصر الحديث، عصر التشويه وتَحَوّل الناس إلى تقديس وعبادة مِشرط الطبيب أو منتحل صفة طبيب.

متى أصبحت التجعيدةُ عيبًا؟ والأنفُ الطبيعي خطيئةً؟ والشفَةُ الرقيقةُ تشوّهًا يستوجب النفخَ السريع؟ بينما في الماضي كان الفمُ الصغير معياراً لجمال المرأة.

لم تعد تعرف من يقفَ أمامك، أهي سعاد أم وداد؟ أنثى مع ذقن شاب أو شاب مع خدود وشفاه أنثى!

ولعلم النفس تفسيراتٌ علميّة لا جدال فيها توضّح بدقّة حفلة الجنون هذه: اضطراب صورة الجسد ƁID Body Image Disturbance

واضطراب تشوه الجسم BDD

Body Dismorphic Disorder

فتصبح كلُّ عمليةِ تجميلٍ بمثابة بنجٍ موضعي أو دواء مُسكّن للشعور بالنقص، لا يخفّ إلا بالمزيد والمزيد من الحقن والعمليات.

وزادت وسائلُ التواصل الاجتماعي الخللَ، وجعل عددُ المشاهدات والإعجابات من وجه الإنسان مقياسًا لقيمته، وأضحت الصورُ المعدّلةُ عبر التطبيقات والفلاتر معيارًا للكمال.

لقد أصبح كلُّ تعليقٍ إيجابي نجاحًا، وكلُّ مُشاهدَةٍ فوزًا جَليًّا وأي تعليق سلبي يؤدي إلى كوارث تنتهي بمأساة كالانتحار مثلًا، وذلك لعدم تقبّل الذات ونظرة الآخرين المُشوهة عن الحقيقة.

وبعد أن يهدأ ويُخَدّر قليلًا بحُقنةٍ من الوهمِ السريع يعودُ الشعورُ بالنقص للظهور مُجدّدًا، وتشتدُ رؤيةُ عيوبٍ لا يراها إلا صاحبُ العلاقةِ فقط وليس الآخرين، ويتعمقُ الهوسُ بالتغيير والإصلاح، ويتحوّل إلى إدمان.

ومما لا نقاش فيه، يقفُ الرجلُ بالغالب خلف كلّ ما يجري من عمليات تقبيح، حتّى إن لم يكن يرغب أو حتّى يعلم بذلك.

فالأنثى بطبيعتها تسعى للحصول على إعجاب الرجل ورضاه، خصوصًا في ظلّ المنافسة الشديدة، فلا تثيرُ غيرةَ أنثى إلا أنثى أخرى، ليعمّق هذا الأمرُ من قلقِها، ويزيد حاجتها إلى الكمال، بينما في كثيرٍ من الحالات وللأمانة، لا ينتبه الرجلُ إلى أي تغيير مهما كان كبيرًا مثل تحوّل لون الشعر من الأسود المزرّق إلى الأحمر البرغندي.

قد يمكنُك تجميلُ أيَّ شيء بالجراحة، إلا الجهل..

https://anbaaexpress.ma/aao2u

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى