شكّل إعلان الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عن بدء حملة دعم عسكري لإسرائيل لمواجهة تداعيات عملية طوفان الأقصى مادة دسمة لوسائل الإعلام الروسية، التي أفردت مساحات واسعة للحديث عن تأثيرات ذلك على زخم المساعدات الغربية لأوكرانيا في الحرب مع روسيا.
يعتبر الدعم الغربي لأوكرانيا بتزويدها بأحدث الأسلحة والمعدات مساهمة جزئية في تباطؤ تقدم القوات الروسية، وقد أسهم أيضا في قدرة القوات الأوكرانية على تنفيذ بعض العمليات داخل روسيا، وقد اتهمت موسكو الغرب بالوقوف وراء ذلك.
أما الحديث عن مصلحة روسيا في هذه التطورات، فقد جاء حتى على لسان حلفاء كييف، كالرئيس البولندي أندريه دودا -التي قررت بلاده إرسال وحدة عسكرية وطائرات لإجلاء مواطنيها من إسرائيل- والذي اعترف بأن ما يحدث مفيد لموسكو، التي تسعى لصرف انتباه العالم أجمع عن الأحداث في أوكرانيا، حسب قوله.
تغير في الخطاب
يأتي ذلك وسط تغير ملموس في خطاب روسيا تجاه الشرق الأوسط، وهو ما بدأ يبرز بشكل تدريجي وثابت بعد الإعلان عن العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية للبلاد، والتي احتل التقارب مع بلدان الشرق حيزًا كبيرًا فيها.
وتصدرت عناوين كثير من الصحف ووسائل الإعلام الروسية تصريحات النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية، فلاديمير جباروف، التي قال فيها إن “الصراع الحالي بين فلسطين وإسرائيل، قد يؤدي إلى خفض حجم الدعم لأوكرانيا، وإن جزءًا كبيرًا من دعم كييف سيتم الآن إعادة توجيهه نحو إسرائيل”.
المسؤول الروسي أضاف أن “كييف تشعر بذلك جيدًا، وقلقة بالفعل”، واصفًا أوكرانيا بالبلد “الذي لا يعيش دون الصدقات”.
وتابعت أنه على خلفية الوضع المتدهور في الشرق الأوسط، يسافر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي إلى العواصم الأوروبية كل يوم للحصول على ضمانات من (الشركاء) بأنهم لن يتخلوا عن بلاده، ولن يعيدوا توجيه جميع الموارد إلى إسرائيل.
وشككت الكاتبة في مقالتها بتعهدات المسؤولين الغربيين بأنهم قادرون على دعم كل من كييف وتل أبيب في نفس الوقت، مضيفة أن “خزينة” الإمكانيات أقل بكثير من خزينة الوعود الكلامية.
المواجهة الأخيرة
وعلق الخبير العسكري اللواء سيرغي ليبوفوي، في مقابلة عبر قناة “تسار غراد” على التصريح الأخير لزيلينسكي بأن المرحلة الأخيرة من المواجهة بين موسكو وكييف بدأت تتكشف حاليًا.
وقال إن زيلينكسي لجأ إلى “حيلة باتت مستهلكة” للحفاظ على المساعدات الغربية، مفادها أن أي تراجع في الدعم من شأنه أن يقدم أوكرانيا على طبق من ذهب للقوات الروسية.
بدورها، قالت شبكة الخدمة القومية للأنباء الروسية في تقرير لها، إن أوكرانيا القلقة على مصيرها على خلفية التصعيد في الشرق الأوسط، قررت تذكير العالم الغربي بنفسها، ولكن بشكل حاد هذه المرة، عبر إلقاء المسؤولية على البلدان الغربية في تباطؤ إرسال الأسلحة والذخائر التي وعدت بها بسبب إعادة توجيه الإمدادات إلى إسرائيل.
ورأت الشبكة أن الوضع الجديد سيمنح الجانب الأوكراني فرصة لتبرير فشل الهجوم المضاد الذي توعد به لأشهر كثيرة، والصعوبات الإضافية نتيجة ذلك، التي ستواجهها القوات الأوكرانية في المراحل اللاحقة من الحرب.
وتابعت أن الرئيس زيلينسكي مسكون بالخوف؛ بسبب أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سوف “يسرق انتباها” ليس فقط وسائل الإعلام، ولكن أيضا وزارات الخارجية والدفاع في البلدان الحليفة له في نهاية الأمر.
أما محلل الشؤون السياسية، ديمتري روديونوف، فرأى في مقابلة مع صحيفة “إزفيستيا” أن تطورات الأوضاع على خط المساعدات الغربية لأوكرانيا تعتمد على المدة التي ستستمر فيها الحرب في الشرق الأوسط.
وقال إنه إذا قامت إسرائيل بحل مشاكلها بسرعة، فلن يتغير شيء جوهري بالنسبة لأوكرانيا. أما إذا استمرت الحرب لأسابيع أو أشهر، فسوف تواجه أوكرانيا مشاكل. في هذه الحالة، يوضح روديونوف، أن كييف ستتبع “نظامًا غذائيًا” و”حمية ذخائر” بالنظر إلى الكميات الكبيرة من الأسلحة والمساعدات الأخرى التي ستفقدها وتذهب إلى الشرق الأوسط.
ويتابع أنه سيتعين على القوات الأوكرانية في هذه الحالة أن تنسى تماما الهجوم المضاد، وتتخذ موقفا دفاعيا من أجل الاحتفاظ على الأقل بتلك الأراضي التي تسيطر عليها الآن.
تهريب أسلحة
ورغم عدم وجود تأكيدات رسمية، فإن وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي روسية سلطت الأضواء على المنشورات التي تفيد بأن الفلسطينيين استخدموا قاذفات قنابل يدوية وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، التي نقلها الغرب إلى كييف.
وبحسب الرواية المنتشرة، فإن “أوكرانيين سرقوا” وأعادوا بيع الأسلحة الأميركية لحماس.
ورغم أن هذه المواقع أوضحت أنه لا يوجد حتى الآن دليل دقيق على عمليات التهريب هذه، فقد أوردت في الوقت ذاته تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في يونيو/حزيران الماضي، قال فيها إن الفلسطينيين في المناطق الحدودية حصلوا على أسلحة من أوكرانيا، بما في ذلك أنظمة مضادة للدبابات.
أما الموظف السابق في المكتب الصحفي لوزارة الدفاع الروسية ميخائيل زفينشوك فكتب على حسابه في “تليغرام”، أن ما لا يمكن الجدال فيه هو كيف أدى الصراع في أوكرانيا، والآن بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، إلى تغيير النظرة إلى القتال و”التكنولوجيا الفائقة” باعتبارها ميزة أساسية.
وتابع أن مثال دبابات القتال الرئيسية يعد أحد أكثر الأمثلة وضوحًا، فقد كانت دبابة ميركافا الإسرائيلية تعتبر الأفضل من نوعها، لكنها في النهاية احترقت بقنبلة يدوية ألقيت من طائرة مسيرة. وبذات القدر انهارت “فزاعة” الدبابات البريطانية والألمانية في أوكرانيا.