تقترب الحرب في قطاع غزة من طيّ عامها الثاني، دون أن تترك وراءها سوى ركام المدن وملايين الأرواح المرهقة، في واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية فداحة في التاريخ الحديث.
فبعد الهجوم الذي شنته حركة المقاومة حماس في السابع من أكتوبر عام 2023 على مستوطنات ومواقع إسرائيلية متاخمة للقطاع، تحول المشهد سريعًا إلى مواجهة مفتوحة كشفت حدود القوة وانهيار المعنى الإنساني في آن واحد.
الحرب التي بدأت بعملية عسكرية وُصفت بـ”غير المسبوقة”، أودت بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة، بينهم آلاف الأطفال والنساء وكبار السن، في حين فُقد أكثر من 9 آلاف شخص، ولا يزال مصيرهم مجهولاً بين الأنقاض.
كما تجاوز عدد المصابين 170 ألفًا، لتتحول مستشفيات القطاع إلى رموز للمعاناة لا للعلاج، بعد تدمير 134 مركزًا صحيًا في حملات القصف المكثف.
المأساة لم تقتصر على القتل المباشر، بل امتدت إلى تجويعٍ ممنهج كشفه تقرير أممي وصف الوضع الغذائي في غزة بأنه “مجاعة من صنع الإنسان”، بعد أن مات 459 فلسطينيًا جوعًا، بينهم 154 طفلًا، في مشهد يعيد الذاكرة إلى أكثر لحظات التاريخ ظلامًا.
وفي ظل هذا الجحيم، شهدت غزة أكثر من 12 ألف حالة إجهاض بين النساء الحوامل، فيما تم محو 2700 أسرة بالكامل من السجل المدني.
اقتصاديًا، دمّرت الحرب نحو 90% من البنية التحتية للقطاع، بعد أن ألقت إسرائيل ما يفوق 150 ألف طن من المتفجرات، لتصل الخسائر إلى ما يزيد عن 68 مليار دولار، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
أما على المستوى الاجتماعي، فقد نزح ما يقارب 1.9 مليون فلسطيني، ليعيش معظمهم في ظروف قاسية داخل مناطق مدمرة أو خيام تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، في انتظار “حلّ سياسي” لم يولد بعد.
من الجانب الإسرائيلي، أسفرت الحرب عن مقتل 1595 شخصًا، بينهم 913 جنديًا سقط 466 منهم في الاجتياح البري للقطاع، بينما بلغ عدد الجرحى أكثر من 6200 جندي، وفق بيانات رسمية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
أما ملف الرهائن، الذي شكّل محورًا حساسًا في إدارة الأزمة، فقد شهد استعادة 148 رهينة أحياء و56 جثة خلال صفقتي تبادل بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، فيما لا يزال 47 رهينة داخل غزة، من بينهم 20 أحياء وافقت حركة حماس على إطلاق سراحهم وفق المبادرة الأمريكية الأخيرة.
في المقابل، أجبرت الصواريخ التي انطلقت من غزة في بدايات الحرب نحو 250 ألف مستوطن إسرائيلي على مغادرة منازلهم في شمال وجنوب البلاد، قبل أن يعود أغلبهم بعد توقف المواجهات مع حزب الله وتراجع حدة القصف الفلسطيني.
لكن الخسائر الاقتصادية لإسرائيل تبقى باهظة، إذ تشير تقديرات معهد دراسات الأمن القومي إلى أن فاتورة الحرب تجاوزت 60 مليار دولار، وسط مخاوف من تأثيرات طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين معًا.
وبينما تتكدس التقارير الدولية حول حجم الدمار الإنساني، يعيش الفلسطينيون اليوم على أمل وُصف بأنه “سياسي أكثر منه واقعي”، إذ يعلّق سكان غزة آمالهم على دونالد ترامب العائد إلى المشهد السياسي الأمريكي، أملاً في أن يمارس ضغوطًا على إسرائيل لوقف الحرب وفتح مسار تسوية جديد يعيد للقطاع بعض أنفاسه.
غير أن واقع الميدان يشير إلى أن الحرب لم تنتهِ بعد، بل تحولت إلى نمط حياة قسري، يفرض على الفلسطينيين التعايش مع الحصار كقدرٍ دائم، وعلى الإسرائيليين البحث عن انتصارٍ رمزيٍّ يُبرر هذا الخراب الهائل.
وبين دمار غزة وتصدعات إسرائيل، تتكشف ملامح مشهد إقليمي جديد تُعاد فيه صياغة موازين القوة والنفوذ، حيث تبدو غزة اليوم مرآةً لأزمة الإنسانية بأكملها، لا مجرد ساحة نزاع عسكري.
لقد تجاوزت الحرب حدود السياسة والعقيدة لتغدو اختبارا قاسيا لضمير العالم، وبعد عامين من الدم، يبقى السؤال مفتوحا هل يمكن أن تنتهي الحروب حين تصبح المجاعة سلاحا، والموت لغة مشتركة بين الضحية والجلاد؟