تقاريرسياسة
أخر الأخبار

تقرير.. الجزائر والتعبئة العامة: دخول مرحلة الدفاع الاستراتيجي الشامل أم مناورة من النظام لتفادي أزمة داخلية؟

مشروع التعبئة العامة ليس فقط إجراءً قانونيًا، بل هو نقلة استراتيجية نحو “عهد جديد من التصعيد”. الجزائر تدرك أن التهديدات لم تعد فقط في الجغرافيا، بل في الفضاء الرقمي، الإعلامي، والاقتصادي..

في خطوة لافتة وغير مسبوقة منذ عقود، صادق مجلس الوزراء الجزائري على مشروع قانون يخصّ التعبئة العامة، في ظل سياق إقليمي محتقن وتحديات داخلية مركبة. ورغم أن العنوان يبدو قانونيًا، إلا أن خلفياته ورسائله تمتد نحو أبعاد استراتيجية عميقة، داخليًا وخارجيًا.

ما هي التعبئة العامة؟

ليست التعبئة العامة مجرد استدعاء للاحتياط أو زيادة في التجنيد العسكري. بل تعني دخول الدولة في وضعية “تعبئة شاملة” أو بما يجمع عليه بحالة الأزمة الشاملة المهددة لأركان النظام، إذ تشمل كل مؤسساتها ومواطنيها، من خلال:

• استدعاء جنود الاحتياط وتوسيع دوائر الجاهزية العسكرية.

• تسخير الموارد والمؤسسات لخدمة الأمن القومي.

• إدماج مؤسسات التعليم، الصحة، الإعلام والشباب ضمن منطق الجاهزية.

• إشراك المدنيين ذوي الكفاءات التقنية في برامج دعم للجيش (مهندسين، مبرمجين، وإعلاميين..).

دلالات التوقيت: لماذا الآن؟

يأتي هذا المشروع في ظرف إقليمي حساس:

– تدهور العلاقات مع المحيط الساحلي الصحراوي، أضحت الجزائر في حالة شبه حرب مع مالي المدعوم من طرف النيجر وبوركينا فاسو.

– التأزم الغير المسبوق والخطير في العلاقات الجزائرية الفرنسية التي وصلت إلى حد القطيعة مع الطرد المتبادل لدبلوماسيي البلدين

– الأزمة القائمة والدائمة مع المغرب والتي يعرف الجميع أسبابها وتداعياتها مع حالة شبه حسم ملف الصحراء المغربية لصالح المملكة.

– حالة العزلة السياسية والدبلوماسية للجزائر في محيطها الإقليمي والعالمي.

– حالة الاختناق والانهيار الذي يعيشه الاقتصاد الجزائري.

– التخوفات المشروعة للطغمة العسكرية الجزائرية من اندلاع حراك جديد قد يطيح بها وعبر هذا الإجراء التضييق على الحريات الفردية.

كل هذه المعطيات تشير إلى أن الجزائر تتهيأ لمرحلة دفاع شمولي، تشمل الساحة الداخلية والخارجية.

رسائل متعددة الأبعاد

داخليًا، هذا المشروع يوصل رسالة واضحة: “الدولة تستعد.. وأنتم جزء من المعركة”. إنها دعوة لتوحيد الجبهة الداخلية، تخوفا من إشعال الواجهة الداخلية وفي محاولة لتمويه الشعب بأن التهديد ليس داخليا بل خارجيا.

خارجيًا، الجزائر تريد إظهار. العضلات متذرعة بدعم داخلي مزعوم وعبر محاولة الاستقواء بترسانتها العسكرية.

ما وراء النص: التعبئة كأداة تحول سياسي وأمني

التعبئة العامة قد تُمهّد لتحولات أعمق:

• إطلاق برامج وطنية شبابية أو طلابية تحت غطاء “الخدمة الوطنية” أو “التدريب المدني”.

• تحديث مفهوم الجيش الرديف، ليشمل أذرع مدنية – تقنية – إعلامية.

• ضبط الجبهة الداخلية عبر أدوات قانونية جديدة تُبرر الرقابة، وتقييد بعض الحريات بدعوى “الظرف الطارئ”.

• وحسب بعض التكهنات من نشطاء يفقهون الشأن الجزائري، تهيئة المسرح لظهور شخصية عسكرية جديدة قد تلعب دورًا مركزيًا في المرحلة المقبلة.

ولعل عبد المجيد تبون الذي أضحى معزولا ومسؤول عن كل إخفاقات الجزائر قد يناور حاليا للتخلص من قرينه اللواء شنقريحة لتحميله المسؤولية عن كل هذه الإخفاقات والعكس صحيح.. ونؤكد مجددا العكس صحيح.

ما يحدث ليس مجرد تحديث قانوني

مشروع التعبئة العامة ليس فقط إجراءً قانونيًا، بل هو نقلة استراتيجية نحو “عهد جديد من التصعيد”. الجزائر تدرك أن التهديدات لم تعد فقط في الجغرافيا، بل في الفضاء الرقمي، الإعلامي، والاقتصادي.

وما يجري اليوم هو تحوّل نحو مفهوم “الدولة الحصن” قد تستنبط سياستها من عقيدة “الماكارتيزم” أو قد تحيل إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية بعدما استنفد هتلر بزمام الحكم بألمانيا واغلق ألمانيا النازية مع محيطها الأوروبي تمهيدا لحرب ضدهم.

السيناريوهات الممكنة: إلى أين تتجه الجزائر؟

إذا اعتبرنا أن التعبئة العامة ليست نهاية بحد ذاتها، بل أداة ضمن رؤية استراتيجية جديدة، فهناك عدة مسارات محتملة قد تتبعها الجزائر في الأشهر المقبلة:

1. تدريبات ميدانية واسعة

من المتوقع أن نشهد مناورات عسكرية داخلية موسّعة، خاصة في غرب الجزائر والجنوب وفي الحدود مع الساحل، تُظهر الجاهزية وتُختبر فعليًا قدرات التعبئة، وتبعث برسائل قوية إلى الخصوم.

وتفيد في هذا الصدد معلومات مسربة خلال اليومين الماضيين لا نعرف مدى مصداقيتها بأن الجيش الجزائري بمعية جبهة تحرير أزواد تستعدان عسكريا للسيطرة على عمق جغرافي يناهز المائة كيلومتر لإنشاء منطقة عازلة تسيطر عليها.

2. إعادة هيكلة المنظومة الدفاعية

قد يتم إعلان تشكيلات جديدة داخل الجيش أو الأمن، تُركز على الدفاع السيبراني، الإعلام الدفاعي، الطائرات المسيرة، وحرب المعلومات، بما يتماشى مع طبيعة التهديدات الجديدة.

3. عسكرة للمجتمع

من غير المستبعد أن نرى برامج مثل:

• “التكوين الوطني في الأمن الرقمي”.

• “مخيمات الخدمة الوطنية الموسعة”.

• “منصات رقمية للتجنيد المدني الطوعي”.

كلها ستندرج ضمن خطة “التعبئة”، لكنها ستُلبّس لبوسًا مدنيًا أو تنمويًا.

4. إعادة ضبط المشهد الإعلامي

ستُستخدم التعبئة كغطاء لإعادة هيكلة الإعلام، إما عبر تشديد الرقابة، أو عبر تمويل وسائل إعلام وطنية تعبّر عن “الروح الدفاعية للدولة”، مع محاصرة “الأصوات المزعجة” تحت مسمى الأمن القومي.

تحديات هذا المسار:

رغم ما تصبو إليه التعبئة العامة لتحقيق الانسجام الداخلي والتماسك المؤسساتي، إلا أن هناك مخاطر حقيقية إذا لم يتم ضبط المسار بحكمة:

• تآكل الحريات المدنية، إذا توسّع مفهوم “العدو الداخلي” ليشمل المعارضة السياسية أو النقد الاجتماعي.

• الإرهاق الاقتصادي، إذا تحولت ميزانية الدولة بالكامل نحو منطق الطوارئ على حساب التنمية.

• العزلة الإقليمية أو الدولية، في حال لم تُرافق التعبئة بخطاب دبلوماسي متزن يفسر خيارات الجزائر الدفاعية بشكل عقلاني.

https://anbaaexpress.ma/9xor6

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى