طرابلس – أنباء إكسبريس
شهدت العاصمة الليبية طرابلس، مساء الجمعة، تطورات دراماتيكية متسارعة بعد اندلاع احتجاجات شعبية حاشدة هي الأكبر منذ أشهر، للمطالبة بـ”إسقاط الأجسام السياسية وحل كافة التشكيلات المسلحة”.
التحركات الشعبية جاءت على وقع اغتيال القيادي الأمني البارز عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي وهو ما شكّل الشرارة التي أشعلت فتيل الغضب الشعبي، وفاقم من تعقيد المشهد السياسي والأمني في البلاد.
مقتل “غنيوة”.. النقطة التي أفاضت الكأس
اندلعت الاحتجاجات بعد الإعلان عن مقتل “غنيوة”، قائد جهاز دعم الاستقرار، في ظروف غامضة، وسط اتهامات متبادلة بين التشكيلات المسلحة المتناحرة في طرابلس. واعتُبر مقتله رسالة دامية تعكس هشاشة الوضع الأمني وفشل السلطات في احتواء الانفلات المسلح.
وفور تداول أنباء مقتله، تدفّق المئات من المواطنين نحو وسط طرابلس، رافعين شعارات تُندد بالعنف السياسي وتطالب بـ”حل كافة التشكيلات المسلحة” التي يعتبرها المحتجون المتسبب الأول في زعزعة أمن واستقرار العاصمة.
احتجاجات عارمة وتوجه نحو مقر الحكومة
انطلقت التظاهرات من ميادين مختلفة في العاصمة، قبل أن تتجه نحو مقر رئاسة الوزراء بطريق السكة، حيث ردد المتظاهرون هتافات تطالب المجلس الرئاسي بـ”تجميد عمل كافة الأجسام السياسية، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة”، وسط انتشار أمني مكثف.
قرارات الدبيبة تصب الزيت على النار
في خضم هذا التوتر، أقدم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على اتخاذ جملة من القرارات، وُصفت بأنها “متسرعة وغير مدروسة”، بينها تغييرات في المناصب الأمنية الحساسة، وهو ما زاد من تأجيج الوضع، واعتبره الشارع الليبي محاولة لتكريس الانفراد بالسلطة وتجاهل للمطالب الشعبية.
المجلس الرئاسي في حالة انعقاد طارئة
وفي استجابة سريعة، أعلن المجلس الرئاسي الليبي دخوله في حالة انعقاد طارئة، مشيراً في بيان رسمي إلى أنه “يجري سلسلة اتصالات مكثفة مع الأطراف الدولية والمحلية لمتابعة التطورات الميدانية في طرابلس”. كما أشار البيان إلى “أنباء عن استقالات جماعية في حكومة الوحدة الوطنية”، في استجابة أولية لمطالب المحتجين.
استقالات وزارية تفتح الباب أمام التغيير
أكدت مصادر متطابقة استقالة عدد من الوزراء والوكلاء في حكومة الوحدة، من بينهم شخصيات بارزة، وذلك في خطوة تُقرأ على أنها محاولة للتماهي مع نبض الشارع الليبي الغاضب. وتوالت ردود الفعل الداخلية والدولية المطالبة بضبط النفس وحماية المدنيين، وسط تصاعد التوتر الميداني.
البرلمان يندد ويستعد لتشكيل حكومة جديدة
من جهته، أدان مجلس النواب الليبي “قمع التظاهرات السلمية”، واتهم مجموعات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة بالوقوف وراء أعمال العنف، مطالباً الأجهزة الأمنية بحماية المتظاهرين. كما أعلن عن بدء التنسيق مع المجلس الأعلى للدولة لاختيار شخصية وطنية لقيادة حكومة جديدة، مؤكدًا أن الإعلان عنها سيتم “قريبًا جدًا”، في تجاهل واضح لمطالب المحتجين بحل مجلس النواب نفسه.
مصراتة تنأى بنفسها عن الفوضى وتتمسك بالدولة المدنية
في سياق متصل، خرج أهالي مدينة مصراتة مساء الجمعة في وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس البلدي، للتأكيد على “رفض الزج باسم المدينة في أحداث طرابلس”، وشددوا على تمسكهم بخيار الدولة المدنية والوحدة الوطنية، ما يعكس تباينًا في مواقف الفاعلين المحليين إزاء الأزمة الراهنة.
قراءة تحليلية للمشهد: ليبيا أمام مفترق طرق
تأتي هذه التطورات لتضع ليبيا أمام مفترق طرق حاسم: فإما الاستجابة الجدية للمطالب الشعبية والدخول في مسار سياسي جديد، يضمن إنهاء الانقسامات وإخراج السلاح من المعادلة السياسية، أو الانزلاق نحو فوضى أمنية مفتوحة.
الاحتجاجات الحالية، التي انطلقت بعد مقتل شخصية أمنية بارزة، تكشف عن درجة عالية من الاحتقان الشعبي، لم تعد تنفع معها المعالجات التقليدية أو الخطابات المكررة. كما أن تعنت الأجسام السياسية، ورفضها الإقرار بفشلها، قد يؤدي إلى موجة ثانية من الغضب قد تكون أعنف وأشمل.
في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحة إلى توافق وطني شامل، يفتح المجال أمام مرحلة انتقالية جديدة بوجوه مختلفة، ويعيد صياغة قواعد اللعبة السياسية في البلاد.
الخلاصة: ليبيا تمر بمنعطف حرج، حيث تجتمع المظالم السياسية مع الانفلات الأمني ليشكلا وقودًا لغضب شعبي غير مسبوق. ومع استمرار الدعوات للتظاهر، يظل مستقبل البلاد رهنًا بمدى جدية الأطراف الفاعلة في احتواء الأزمة وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة.
وجدير بالذكر، لقد كانت أنباء إكسبريس سبّاقة في استشراف مجريات الأحداث المتسارعة، من خلال مقالها التحليلي المعنون “اغتيال غنيوة الككلي: لحظة انفجار من الداخل وسيناريو محتمل ما بعد الدبيبة“، والذي وضع بوضوح سيناريوهات المرحلة المقبلة، متوقعًا تصدّع منظومة ما بعد 2021، وسقوط حكومة الدبيبة، وتراجع دور المجلس الرئاسي، إلى جانب بروز مشروع مجلس عسكري ثلاثي كأداة لإدارة المرحلة الانتقالية.
هذا التحليل يعكس عمق الرؤية التحريرية لـ”أنباء إكسبريس” وسرعة إلتقاطها لتحولات المشهد الليبي قبل أن تترجم ميدانيًا.
يتبع..