فيما مضى عرفنا تركيب وترتيب آيات السورة من الناحية الموضوعية ومن الناحية التاريخية مع مراعاة فروق الوقت بين الحدث التاريخي المختلف زمانياً ومكانياً وبين السياق النصي لوحدة موضوع السورة فكأنَّما نفهم ونعرف أنَّ التسلسل الزمني للحدث مرتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بمركز دائرة الحدث الذي يمثله النبي الكريم القدوة الحسنة ما بين القضايا التي تناولتها السورة وما بين وجودها عملياً في حياته وحياة من حوله وخاصته في عهده الميمون من القرن السابع الميلادي.
الراجح عند أهل العلم نزول السورة في السنة الخامسة للإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 629 لميلاد المسيح عليه السلام؛ وأخص بالذكر الآية الكريمة التي تتحدث عن نكاحه عليه السلام من أمهات المؤمنين المذكورة أدناه وقد وجدت تضارباً في بعض المراجع بالإنترنت في هذين الخبرين مثل : آخر من تزوجها النبي عليه السلام هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث وتزوجها في السنة السابعة من الإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 631 لميلاد المسيح عليه السلام مع تاريخ نزول السورة في السنة الخامسة للإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 629لميلاد المسيح عليه السلام .
إذ يتعارض التاريخان عندي مع تسلسل وسلاسة السياق والصياغ القرآني لوحدة موضوع حياته الخاصة بين زوجاته عليه وعليهن السلام في الآيات لسببين مباشرين هم :
إمَّا أن يكون المرجع والمصدر في ذكر الخبر مؤرَّخاً خطأ فوقعت أنا أثناء البحث والكتابة في شرك المتناقضات وهذا فيما أراه بعيد جداً عن يقيني بما أثبته في كل ما أكتب جملة وتفصيلاً لاهتمامي العميق بتدقيق الخرائط الزمنية في أي موضوع يتعلق به واكتبه واتناوله وجل من لا يخطئ .
وإمَّا أن يكون ما أثبته هو الصواب إن شاء الله مع التدقيق والتحقيق والتحري في الثوابت التاريخية المعرفية وهو الأقرب لنفسي وذهني؛ وللقارئ الفذ أن يلاحظ ذلك وينتبه له جيداً؛ ومما يرجح خطأ المراجع والمصادر إذا ما قارنتها مع النص الثابت التسلسلي للأحداث في السورة تجد أن الآية : { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } تؤكد أحد ثلاثة أمور:
الأول منهم: زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمنا ميمونة بنت الحارث لم يكن في السنة السابعة من الإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 631 لميلاد المسيح عليه السلام ، بعد عمرة القضاء / راجع المصادر المختصة في ذلك / وإنَّما كان في السنة الخامسة للإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 629 لميلاد المسيح عليه السلام.
الثاني: لم ينزل موضوع الحدث / وهذا بعيد جداً ولا يتفق حسابياً مع تسلسل الأحداث كما ذكرنا لكنه وارد فوجب اثباته احقاقاً للحق وللأمانة العلمية / وهو ذكر أهل البيت عليهم السلام ونكاحه منهن عليهن السلام وبالتحديد زواجه من ميمونة بنت الحارث؛ في السنة الخامسة للإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 629 لميلاد المسيح عليه؛ بل كان في السنة السابعة من الإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 631 لميلاد المسيح عليه السلام ، وهذا أبعد ما يكون لأنَّ غزوة الأحزاب كانت في السنة الخامسة كما قلنا من قبل فلتراجع في موضعها من حيث المرجع والمصدر .
إستطراد
ذكرت المصادر زواجه من أختها؛ أي أخت ميمونة بنت الحارث وهي زينب بنت خزيمة من أمها ( حسب تقدير ما ذكره المرجع) هند بنت عوف بن زهير ؛ فيتعارض هذا الخبر مع آية تحريم نكاح النساء من الأقرباء بالرحم المباشرة بسورة النساء؛ قال تعالى : { وان تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما }؛ ما لم يكن قد تزوجها قبل بعد وفاة أختها ميمونة؛ زينب بنت خزيمة؛ وفي النفس شيء من هذا الخبر لأن السيرة النبوية بعامة اختلفت في إحدى نساءه هي ماريا القبطية؛ هل هي من زوجاته أم من السبايا؛ والسبب الثاني الذي في النفس منه الشيء هو متى كان نكاحه من زينب بنت خزيمة أخت ميمونة بنت الحارث من أمها هند بنت عوف بن زهير في أي عام ومتى توفيت حتى ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم أختها ميمونة ؛ هذا إن صح الخبر أصلاً والروايات في الأمرين؛ فأين وكيف يكون حسم القضية المهمَّة الخلافية هذه؟.
جاء في الأخبار ( كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني عن ابن السائب الكلبي؛ وابن هشام في السيرة النبوية؛ وشذرات الذهب ابن العماد الحنبلي ؛ والواقدي في المغازي) إن زواجه من زينب بنت الحارث كان سنة ثلاثة من شهر رمضان وقيل سنة أربعة من الإخراج النبوي الشريف؛ لكن موضع الشك هنا في تصحيح الإسم هل هي زينب بنت خزيمة بن الحارث؛ أم هل هي زينب بنت الحارث؛ مباشرةً؛ لأنه اختصر الاسم فربما يكونا اسمين لمسمى واحد وربما تكون اختها من أمها أو لا شيء من هذا القبيل البتَّة والله أعلم أي ذلك كان.
قيل إنها خامس من تزوجها رسول الله صلى الله؛ وأول من تزوج بخديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها وتوفيت في السنة الثالثة قبل الإخراج النبوي الشريف يعني السنة العاشرة من المبعث الشريف الموافق لسنة 621 لميلاد المسيح عليه السلام؛ فتكون المسافة الزمنية التي تزوج فيها بعد وفاة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها وبين أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث؛ عشرة نساء في الفترة بين سنة 621 م وسنة 629 م حوالي سبعة لثمانية سنوات؛ وربما تزوج في السنة مرتين؛ أنظر المراجع سابقة الذكر ؛ ولك أن تلاحظ وتدقق في التواريخ وعمل المراجع والبحوث لعقد مقارنات في هذا الصدد لعموم الفائدة ما أمكن إن شاء الله.
مرجع الحديث
الثالث : إنَّ النكاح من أمنا ميمونة بنت الحارث الهلالية عليها السلام وافق سنة نزول الآيات في السنة الخامسة للإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 629 لميلاد المسيح عليه السلام وهو الأثبت والأقوى والأقرب عندي أو قبلها بقليل لكن في ذات السنة ؛ وليست السنة السابعة من الإخراج النبوي الشريف كما ذكر المؤرخون ذلك بالرجوع للنص والسياق والصياغ القرآني وكما ذكرناه آنفاً؛ فيكون ضبط الخريطة الزمنية بين الحدثين مقبول ومعقول ومنطقي لأنَّه لا يمكن أن تنزل الآية الكريمة قبل نكاحه منها عليهما السلام فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد خالف الأمر الإلهي وكسره بنكاحه منها في السنة السابعة وهذا غير مقبول ولا معقول ولا منطقي ولا يمكن حدوث البتَّة ؛ وحاشاه عليه السلام أن يخالف الهدي الإلهي في أي شيء مطلقاً بل يوافقه ويجسده في اللحم والدم حركة حياة لمن كان له قلب أو القي السمع وهو شهيد.
أترك لكم فرصة البحث والمناقشة الموضوعية لمن يهمه الأمر ويعنيه فقط أردت التنبيه لما قد يكون صحيحاً وتصحيحاً من ناحية الخريطة الزمنية في ذلكم التاريخ وهذا باب واسع لمن أراد المزيد من الاسهاب والشروح فعليه بمراجعة المصادر ذات الصلة وفوق كل ذي علم عليم.
يمكن تلخيص السورة عامَّة في الآتي:
1 / قضية المؤسسية التي تتخذ القرار ويدور في فلكها محور الحدث في الزمان والمكان.
2/ قضية التبني في الإسلام وفي الإنسانية العالمية.
3 / قضية الأحزاب السياسية في المدنية الحديثة والحصار الأمني أو التطويق العسكري لدولة ما نموذجاً ونواة لتكرار الحدث تاريخياً في كل العصور باختلاف الزمان والمكان ( دولة العراق وليبيا واليمن وسوريا نموذجاً شاهداً على العصر الحديث وإحكام قرارات مجلس الأمن الدولي على تلك البلدان ومحاولة جر السودان لهذا المأزق التاريخي المتجدد فيما بعد ثورة ديسمبر المجيدة 2019 م ) .
4 / قضية العصمة والخصوصية والامتياز لأهل البيت النبوي الشريف؛ وهي قضية جوهرية في الإسلام بالنسبة لمقام التشريف ولمقام النقل للحديث النبوي الشريف باعتبارهن الأقرب والأدنى لشخص النبي صلى الله عليه وسلم .
5 / قضية القدوة الحسنة والمثلى للمجتمع البشري قاطبة ويحققها النبي الكريم وأهل بيته الطاهرين .
6/ الخصوصية الأعلى رتبة ومنزلة ومقاماً لله على الناس كافة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم بانقطاع النسب والنسل منه وإليه وانقطاعه للعمل الدعوي لله خاصة فهو يمثل نقطة مركز دائرة الوجود المطلق التي تُعَرِّفُ الخلق بالخالق وتربطهم به مباشرةً باعتباره رسول الله وخاتم النبيين.
7 / قضية زواجه من أمهات المؤمنين والمؤمنات فلا يزيد عليهن بالزواج من غيرهن ولا ينقص بهن بالطلاق ولا أن يبدل واحدة مكان أخرى؛ وهنا الخصوصية المحضة لهم جميعاً كما ترى.
8 / قضية منع ونهي الناس والصحابة رضوان الله عليهم تحديداً الدخول لبيت النبي صلى الله عليه وسلم لتناول طعام وللاستئناس والتحدث معه ما لم يدعوهم هو لذلك فقط فإذا تم ذلك فعليهم الإسراع بالذهاب من بيته فلا يجلسوا لحديث معه فيؤذيه ذلك.
9/ قضية تحري النقل الشفاهي والحركي منه مباشرةً عليه السلام وحصرهم من طريقين ضيقين جداً وإلَّا فإنَّ أي نقل مخل أو ادعاء أو تنسيب قول أو عمل لم يصدر منه يعتبر نفاقاً من جانبهم وجناية منهم في حقه الشريف وحق أهل بيته الطاهرين فيؤذيه ذلك أشد الايذاء فيحل عذاب الله ولعنته عليهم ويحق أخذهم بالعذاب سنة ناموسية كونية ماضية على الناس لا فكاك عنها بحال من الأحوال : { سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً } المصدر السابق.
10 / قضية الأمن والأمان والإستقرار من الخوف والفزع وتحمل البشر حفظ أنفسهم بأنفسهم من نوازل الله عليهم؛ لهي أشد ما يربط موضوعية أحداث السورة من ناحيتي التركيب والترتيب الزمكاني بعضها البعض وبالتحديد المقابلة الحسية في غزوة الأحزاب حين زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا فهنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً؛ فعرفوا؛ والتجربة ماضية في الناس إلى يوم القيامة؛ ( ذكر الساعة أحد بواعث الخوف القادم المنتظر للناس حيث لا أمان آنذاك وحين تولوا أمر حماية أنفسهم بأنفسهم فيدخلهم في تجربة كبيرة وخطيرة وجديدة وهي آتية لا محالة فإن موعوده قائم وكائن بلا ريب) قيمة الأمن والأمان والاستقرار حال الخوف والهلع والجزع والفزع فيسلموا أمانهم لله فهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين لهم من كل سوء ومكروه.
أكتفي بهذا القدر من إبداء التأويل ونسأل الله أن يتقبله قبولاً حسناً إنَّه ولي ذلك والقادر عليه؛ آمين .
شكراً لك على النشر والمتابعة والإهتمام