مجتمع
أخر الأخبار

أكادير: شاطئنا الجميل.. بين حلم المالديف وكوابيس الواقع

يقال إن البحر للجميع، وإنه نعمة وهبها الله للناس كي يستمتعوا بزرقة مياهه، وسكون أمواجه، واتساع أفقه..

لكن، حين تقصد بعض شواطئنا في عز الصيف مثل شاطئ أكادير وتغازوت وأيمسوان و..، ستكتشف أن البحر شيء، وما نعيشه نحن شيء آخر تماما.

تخيل معي مشهدا أقرب إلى الكمال: شاطئ نقي برمال ذهبية وسماء صافية لا يعكرها دخان ولا ضجيج، طبلة أنيقة مزينة بأشهى أنواع الفواكه “الديسير”، وكأس عصير بارد، ورولاكس ذهني يمنحك لحظة صفاء نادرة، كل هذا، وأنت تنزل تسبح لوحدك، لا تسمع إلا هدير الأمواج، ولا ترى إلا البحر والسماء..

هذا المشهد الجميل لا يوجد شبه له إلى بشواطئ المالديف؟ وميامي؟ وشواطئ هواي؟ لا، هو مجرد حلم، حلم يصطدم بسرعة بواقع شاطئنا المغربي.

في شواطئنا، الواقع مختلف كليا، لا يكاد المرء يخطو بضع خطوات على الرمال حتى يصطدم بحفلة عشوائية من نوع خاص، هنا من يغلي الشاي وسط الرمال، وهناك من يشوي السردين فوق فحم يذيب معه كل معاني النظافة، وعلى بعد أمتار تجد عائلات تفور “الكسكس” وأخرى تنصب “الكوكوط” والتي تصدر أصواتها القوية من هدير البحر نفسه، وكل هذا وسط خليط أصوات غريبة من “الشعبي” إلى “الواي واي”، وبين براسول وبراسول، تنبت “كيطونات” كأنك في مخيم شعبي بلا تنظيم في الصحراء.

ثم يأتي المشهد الفريد وهو خمسون شخصا يهبطون دفعة واحدة من “بيكوبات”، كل واحد منهم حامل معه “عتروس” أو “دلاحة”، أو كيسا كبيرا من الخبز والخضر، فيتحول الشاطئ فجأة إلى وليمة جماعية، يأكلون بشراهة حتى التخمة، ثم يركضون دفعة واحدة نحو البحر، كأنهم يهاجمون الموج، والبحر مسكين يتراجع مذعورا، ثم ينتقم منهم بعدما يدخلون عشرة ويعودون تسعة أو ثمانية، أما الباقي فقد “داه البحر” في زحمة السباحة الجماعية.

وهناك مشهد آخر لا يقل طرافة رجال يرتدون سراويل سباحة تعود إلى زمن السبعينات، خيطوها من “خنشات دقيق”، واحدة مكتوب عليها من الأمام “الوزن الصافي 25 كلغ”، ومن الخلف “مطاحن تارودانت أو آيت ملول الكبرى” مشهد لا ينسى.

أما النساء، فالمشهد لا يقل درامية من تلبس “دو بياس” ترمق بنظرات النقد واللوم، ومن ترتدي “بيجاما” للنوم تسبح بها، فتلتصق عليها كالنايلون، وتتحول إلى كائن بحري غريب الشكل، كأنه خرج من كيس نفحة طافي على سطح الماء، وفي خضم هذه الفوضى، تسمع من يقول بكل فخر “سعداتنا، عندنا البحر..”

لكن الحقيقة المرة هيا “ما عندناش بحر”، عندنا مساحة مائية محتلة بين “الشواء” و”الشيشة”، وبين “الشطيح” و”الكسكسو”، وبين “الدلاحة” و”دو بياس” و”خنشة دقيق”، عندنا مساحة كان يفترض أن تكون ملاذا للراحة، تحولت إلى سيرك صيفي، عنوانه الفوضى، وشعاره “اللي جا يدير اللي بغا”.

إن البحر في المغرب ليس المشكلة، بل نحن من نحتاج إلى ثقافة الاستجمام، واحترام الفضاءات العامة، والتربية البيئية، فالبحر لا يقاس فقط بملوحته، بل أيضا بما نضيفه نحن إليه من رقي.. أو فوضى حتى إشعار آخر، سيبقى الفرق شاسعا بين بحرنا، وشاطئ المالديف، الفرق ليس في الجغرافيا، بل في العقول.

https://anbaaexpress.ma/8z0eu

هشام الزيات

مراسل صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى