في مشهد يتجاوز رمزيته الأدبية إلى أبعاده السياسية والحقوقية، أعلنت الأكاديمية الملكية البلجيكية للغة والأدب الفرنسيين عن انتخاب الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال عضواً رسمياً في صفوفها، رغم وجوده قيد الاعتقال في الجزائر منذ نحو عام.
خطوة وُصفت في الأوساط الثقافية الأوروبية بأنها إعلان تضامن صريح مع حرية الكلمة ورفض لتكميم الإبداع في الفضاء الفرنكفوني.
إيف نامور، السكرتير الدائم للأكاديمية، أوضح في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذا القرار يجسد “الوظيفة الجوهرية للأدب في الدفاع عن الحرية”، مذكّراً بأن المؤسسة منحت صنصال جائزة الأدب الفرنكفوني عام 2007 تقديراً لغزارة إنتاجه الأدبي وجرأته الفكرية التي ميزت مسيرته الممتدة لأكثر من أربعة عقود.
الأكاديمية، التي تأسست عام 1920 وتضم أربعين عضواً من أبرز الأدباء والباحثين، بينهم عشرة أجانب يتم اختيارهم استثنائياً، أرادت من خلال هذه الخطوة التأكيد على أن الإبداع لا يُسجن، وأن اللغة الفرنسية، كما قال نامور، “لا يمكن أن تُمارس دون حرية التفكير والتعبير”.
صنصال، البالغ من العمر ثمانين عاماً، يقضي عقوبة بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بتهمة “المساس بوحدة الوطن”، وهي التهمة التي أيدتها محكمة الاستئناف في يوليو 2025، إثر تصريحات مثيرة أدلى بها في أكتوبر 2024 لقناة Frontières الفرنسية.
في المقابلة، أشار إلى أن بعض مناطق الغرب الجزائري كانت تاريخياً ضمن المجال المغربي قبل أن تضمها فرنسا الاستعمارية إلى الجزائر، مضيفاً أن أقاليم الصحراء لطالما شكلت امتداداً طبيعياً للمملكة المغربية.
تصريحات اعتبرتها السلطات الجزائرية طعناً في السردية الوطنية وتشكيكاً في السيادة الترابية، لتتحول سريعاً إلى ملف قضائي ذي طابع سياسي حساس.
وقد تم توقيف الكاتب في مطار هواري بومدين في 16 نوفمبر 2024 فور عودته إلى البلاد، ووجهت إليه لاحقاً عدة تهم، من بينها “إهانة هيئة نظامية” و”التخابر مع فرنسا” و”نشر معلومات كاذبة تمس بالمصالح العليا للدولة”.
خلال فترة احتجازه، تدهورت حالته الصحية نتيجة إصابته بالسرطان، ما استدعى نقله أكثر من مرة إلى المستشفى، في حين طالبت النيابة العامة خلال جلسة مارس 2025 بتشديد العقوبة إلى عشر سنوات نافذة، في تطور وصفه المراقبون بأنه محاولة لردع الأصوات الحرة التي تتحدى الخطوط الحمراء الرسمية.
في المقابل، واجه محاميه الفرنسي فرانسوا زيمراي عراقيل إجرائية حالت دون حضوره جلسات المحاكمة، بعد رفض السلطات الجزائرية منحه التأشيرة، ما دفعه إلى رفع شكوى للأمم المتحدة بدعوى انتهاك حق موكله في محاكمة عادلة.
القضية سرعان ما أخذت بعداً دولياً، إذ أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قلقه العميق إزاء وضع صنصال، ووصفت الخارجية الفرنسية اعتقاله بأنه “غير مبرر ومنافٍ للمبادئ الديمقراطية”.
كما دعا الاتحاد الأوروبي، عبر المفوض السامي جوسيب بوريل، إلى إطلاق سراحه فوراً، محذراً من أن استمرار احتجازه يهدد صورة الجزائر في المحافل الدولية ويقوض حرية الإبداع.
وانضمت منظمات حقوقية دولية، منها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، إلى موجة التنديد، معتبرة أن محاكمته “سياسية بامتياز” ومطالبة بالإفراج عنه لأسباب إنسانية وصحية.
وبينما تستمر المطالب بالإفراج عن الكاتب المسن، يرى محللون أن انتخابه في الأكاديمية البلجيكية لا يمثل مجرد تكريم أدبي، بل صفعة ناعمة للنظام الجزائري، ورسالة أوروبية مفادها أن الفكر لا يُدان، وأن المنفى لا يلغي الهوية.
بهذا الانتخاب، يتحول صنصال من كاتب مثير للجدل إلى رمز للحرية المقموعة، ومن سجين رأي في الجزائر إلى عضو في مؤسسة أوروبية عريقة، ليجسد بذلك المفارقة المؤلمة في المشهد الثقافي العربي: حيث تُكرّم الكلمة في الخارج بينما تُحاكم في الداخل.