يُعدّ موضوع التنمية الترابية بإقليم سيدي سليمان من المواضيع الحيوية التي تستدعي وقفة تأمل وتفكير جماعي مسؤول، بالنظر إلى ما يعرفه الإقليم من تحولات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية عميقة، وما يزخر به في المقابل من مؤهلات بشرية وطبيعية قادرة على جعله فضاءً واعداً للتنمية المندمجة والمستدامة.
أولاً: الإطار العام
لقد راكم المغرب في العهد الجديد مكتسبات مؤسسية وتنموية مهمة، جعلته يتوفر اليوم على منظومة مرجعية طموحة تروم تحقيق تنمية منصفة ومندمجة ترتكز على الإنسان والمجال، في انسجام تام مع مقتضيات:
– دستور المملكة لسنة 2011،
– القوانين التنظيمية للجماعات الترابية (111.14، 112.14، 113.14)،
– النموذج التنموي الجديد.
غير أن هذه المرجعيات، رغم غناها النظري، تحتاج اليوم إلى “كفاءات ترابية مؤهلة”، محلياً وإقليمياً ووطنياً، قادرة على تحويل المبادئ إلى سياسات وبرامج ملموسة تخدم الحاضر وتستشرف المستقبل، وتؤهل النشء، أطفالاً وشباباً، ليكونوا رافعة أساسية لمستوى التنافسية الترابية المتضامنة والمستدامة.
ثانياً: على المستوى العملي
حين ننتقل من الإطار النظري إلى الفعل الميداني، يطرح السؤال الجوهري نفسه: كيف؟ كيف يمكن الانتقال من التنظير إلى الممارسة؟
هذا هو جوهر مبتغى وأمل سكان سيدي سليمان الطامحين إلى توفر إقليمهم على “إستراتيجية إقليمية عملية للتنمية المستدامة”، قابلة للتنفيذ والتقييم، ومنسجمة مع باقي المستويات الترابية.
ثالثاً: الوضع الراهن لعاصمة الإقليم – سيدي سليمان
تُطرح اليوم مسألة الهوية الحضرية لمدينة سيدي سليمان بإلحاح. فالتسمية الإدارية كعاصمة للإقليم، لا تعكس واقعها الاقتصادي والاجتماعي، إذ يمكن وصفها، من منظور عمراني واجتماعي، بأنها “مدينة نوم” (ville-dortoir)، أي فضاء يقيم فيه الناس دون أن يعيشوا فيه فعلياً.
غير أن واقعها اليوم أعقد من مجرد هذا الوصف؛ فهي تستقبل خلال النهار فئة واسعة من الأطباء والمحامين والمقاولين والتجار الذين يغادرونها مساءً بمداخيل تُصرف خارج الإقليم، فيما يعتمد معظم الأسر على موظفين عموميين يشكلون العمود الفقري للاقتصاد المحلي، مما يجعل عامل التمدن الأساسي هو الوظيفة العمومية (fonctionnarisation).
أما الشباب النشيط، فقد وجد نفسه أمام غياب البدائل الاقتصادية، فاضطر إلى الالتحاق بالأنشطة غير المهيكلة، بينما يقضي جزء كبير من الشباب العاطل يومه بين المقاهي أو في انتظار فرصة غير مضمونة.
وباستثناء المنطقة الصناعية بجماعة عامر السفلية، التي وفرت متنفساً محدوداً للشغل، يظل الاقتصاد المحلي هشًّا وغير متنوع، مما جعل المدينة أقرب إلى فضاء سكني يفتقر إلى حياة اقتصادية واجتماعية متكاملة.
رابعاً: الأسباب البنيوية للأوضاع الراهنة
– ضعف النشاط الاقتصادي المحلي: غياب المقاولات المنتجة، وضعف مردودية المراكز التجارية، وقلة فرص التشغيل…
– هشاشة البنيات الثقافية والاجتماعية وضعف تنشيطها: ندرة المكتبات، المسارح، ودور الشباب والثقافة، ومراكز للفنون واللغات، وملاعب لممارسة الرياضات المختلفة..
– انعدام فضاءات الترفيه والاستجمام.
– ضعف الهوية المحلية: انشغال فئة الشباب بالهجرة إلى الخارج أو البحث عن بدائل في مدن أخرى، مما أفقد المدينة ديناميتها الاجتماعية.
خامساً: من التشخيص إلى الاقتراح
انطلاقاً من هذا الواقع، يُطرح علينا جميعاً سؤال جوهري: كيف نحول إقليم سيدي سليمان من فضاء إقامة هامشي إلى فضاء إنتاج وحياة؟
وفي هذا السياق، يمكن اقتراح مسارين متكاملين للإصلاح والتنمية:
– تحقيق النجاعة والحكامة المؤسساتية
الغاية هي تمكين الإقليم من موقع فاعل داخل سياسات إعداد التراب الوطني ومن حصة عادلة في الميزانيات الحكومية السنوية.
وفي انتظار تفعيل القوانين الخاصة باللاتمركز الإداري، يبقى من الضروري إحداث فريق عمل إقليمي متعدد التخصصات تحت إشراف السيد العامل، يتولى المهام التالية:
– دراسة الميزانيات الحكومية السنوية والدفاع عن حصة الإقليم في القطاعات الحيوية.
– دراسة كل البرامج الحكومية في مجالي التشغيل والتدريب والتكوين وتمكين الشباب إلى تقديم ترشيحاتهم للاستفادة منها.
– تحليل وثائق التعمير (المخطط الوطني والجهوي لإعداد التراب، مخططات التهيئة، والتنمية القروية) للاستفادة من مضامينها.
– إعداد خطة إقليمية لتعبئة الموارد والمشاريع
وفق ثلاث ركائز أساسية:
– التنسيق المحكم بين الجماعات الترابية والمصالح اللاممركزة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
– التمكين الاقتصادي والاجتماعي، وتشجيع المبادرة والمقاولة الشبابية.
– اعتماد مبادئ الشفافية، والتتبع، والتقييم المستمر للمشاريع.
– التركيز على التشخيص الترابي الدائم واستباق الحاجيات.
– تثمين الموارد المحلية (الفلاحية، الغابوية، المعدنية، والسياحية) وتحليل مؤهلاتها.
– مطالبة مجلس الجهة والحكومة ببرمجة مشاريع مهيكلة كبرى ومشاريع قرب ذات وقع اجتماعي وتنموي ملموس.
– تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة والمبادرات الذاتية، خصوصاً للشباب حاملي الشهادات.
– إعادة تهيئة المنطقة الصناعية بسيدي سليمان وخلق مناطق جديدة للأنشطة الاقتصادية والخدماتية.
– تطوير السياحة الإيكولوجية والثقافية والقروية.
– تحسين الولوج إلى التعليم، والصحة، والتكوين المهني.
– دعم الفئات الهشة: النساء، الأطفال، الشباب، وذوو الإعاقة..
– تقوية البنيات الثقافية والرياضية والترفيهية.
– تشجيع استعمال الطاقات المتجددة، وحماية الموارد الطبيعية، وتدبير مستدام للنفايات والمياه.
– تعزيز الربط بين العالمين الحضري والقروي، وتجويد البنيات التحتية.
– إرساء آليات رقمية لتتبع المشاريع ومؤشرات لقياس الأثر والمردودية.
– إشراك المواطن والمجتمع المدني في القرار العمومي لضمان الشفافية والمساءلة.
سادساً: الخاتمة:
إن التنمية الترابية المندمجة ليست تجميعاً لمشاريع متفرقة، بل هي مسار جماعي يستهدف الإنسان والمجال معاً، ويقوم على توازن دقيق بين النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، والحكامة الجيدة.
فإقليم سيدي سليمان، بما يملكه من طاقات بشرية ومؤهلات طبيعية وموقع جغرافي متميز، قادر، بتعبئة ذكية وتنسيق مؤسساتي فعّال، على أن يتحول من “مدينة نوم” إلى “مدينة حياة وإنتاج وأمل”.




