آراءثقافة

إحك ياشكيب.. الغريب

لم يسعفه الحظ لمتابعة دراسته، بل هو أصلا لم يكن مرغوبا فيه، هو صغير إخوته، وقع الحمل خطأ كما قالا والداه، عوض أن يكون مدللا، عاش محروما و منبوذا و غريب الأطوار

هو شاب نشأ في أسرة بسيطة، أب عامل مياوم مستواه الدراسي لم يصل للمستوى الخامس” الشهادة ” سابقا، أم ربة بيت لم تطأ قدماها المدرسة ” أمية ” كما يقال، و خمسة إخوة.

لم يسعفه الحظ لمتابعة دراسته، بل هو أصلا لم يكن مرغوبا فيه هو صغير إخوته، “وقع الحمل خطأ ” كما قال والداه، عوض أن يكون مدللا، عاش محروما و منبوذا و غريب الأطوار، عاش منعزلا عن إخوته و عن جيرانه و عن تلاميذ المدرسة.

مكانه المفضل شاطئ قريب من مكان سكناه و غابة تبعد عن الشاطئ بكيلومترات، يختلي فيهما مع نفسه، يتأمل يتحدث مع نفسه و يطيل الحديث معها بصوت منخفض و أخرى بصوت مرتفع و حركات يديه يتحركان حسب حدة صوته.

مرة تجده يحمل حجرا صغيرا أو كبيرا حسب مزاجه و يرمي بهما في البحر أو نحو أعلى شجرة، و بما أنه انقطع عن متابعة دراسته بسبب إهمال والديه له و بسبب تهكم زملائه في الدراسة في كل وقت و حين.

فانقطع عن ذلك مجبرا، و لكنه كان محبا للقراءة وحبه هذا جعله يرتاد محلا لبيع الكتب المستعملة يقتني بين الفينة و الأخرى كتابا، مما جعل الكتبي “بائع الكتب” يتعاطف معه فتعاقد معه على أن يمنحه كتابا يقرأه و عند الانتهاء منه يعيده و يمنحه كتابا آخر دون مقابل.

مما جعله قارئا نهما و في فترة ما، تعاطى لقراءة الكتب التي تتحدث عن مغامرات اللصوص و حيلهم، و تصادف هذا مع وجود عصابة كانت ترتاد مقهى كان يجلس فيه كلما توفرت لديه نقود عند نهاية كل أسبوع، و مما أثار إنتباهه هو حديثهم عن سرقاتهم، و الدافع لها، و عن ضحاياهم، و عن ثمن سرقاتهم بعد بيعها فيما ينفقونها ؟!

فكان يستمتع بما يسمع من حكاياتهم و الروايات التي يقرأها، فقرر أن يخوض تجربة لعلها تغير مجرى حياته، و هي تتبع خطوات اللصوص و معرفة مقر سكنهم أو مقر إجتماعهم بعد كل سرقة ينفذونها، قصد سلب جزء مما يسرقون و ذلك ما كان، تعرف عن جميع تفاصيل تحركاتهم و متى يحصلون على المال و متى يكون مكان اجتماعهم سهل اقتحامه، فنفذ أول عملية و كانت الغنيمة سمينة مبلغ كبير، استطاع به تحقيق ما كان يحلم به من أحلام الصبى و الشباب.

أسرته لم تكن مهتمة بكل تحركاته ، لكونه حسب اعتقادهم هو مولود لم يكن مرحب به، بل هو سبب من أسباب بؤسهم، و فجأة تنبهوا أنه لم يعد كما كان، أصبح يهتم بلباسه و تسريحة شعره و تناسق أحذيته مع ما يلبس، و أصبح يتوفر على مذياع شخصي ينصت لبرنامج ليلي يحكي قصص اللصوص، فقرر الوالد تكليف أحد أبنائه بمراقبة تحركاته و مصدر ماله الذي ظهرت نعمته على شكله ، و ما يقوله الجيران حول شخصه ؟

و بما أنه كان يحتاط في كل شيء و هو المعروف بإسم ” الغريب ” لم يكن يترك أثرا وراءه، و لما تنبه و شعر أن جميع المحيطين به يراقبونه، قرر مغادرة الحي و المدينة إلى وجهة لا يمكنهم معرفتها، و هناك في قرية صغيرة و مهمشة إشترى قطعة أرضية و شيد عليها منزلا و شيّد ايضا مسجدا صغيرا و روضا للأطفال، و وخصص شقة من بيته لتتعلم فيها البنات الصغار و النساء حرفا تساعدهن على مشاق الحياة، و لم ينسى إحداث مكتبة صغيرة في مرأب بيته جعلها قبلة للقارئين.

و كتب رواية أطلق عليها إسم” الغريب “لسبب بسيط أنه عاش غريبا في موطن ولادته و غريبا في مكان هجرته الجميع كانوا ينادونه بالغريب فكان فرحا بإسمه، كلما أتيحت له الفرصة يتوجه نحو شاطئ البحر أو نحو الغابة المجاورين لبيته حيث هاجر ، و يرفع صوته عاليا أنا الغريب أن اللص العجيب.

و بعد سنين حققت روايته ” الغريب ” إنتشارا كبيرا داخل الوطن و خارجه و أصبحت فيلما مشهورا و كل هذا و بقي الكاتب غريبا و بعيدا عن عالم الإعلام و الصحافة، حتى موته لم ينتبه إليه أحد فعند الصلاة عليه، قالوا :”صلاة رجل غريب “.

https://anbaaexpress.ma/85gxi

شكيب مصبير

كاتب وفنان تشكيلي مغربي

تعليق واحد

  1. حكاية “الغريب” هي أكثر من مجرد قصة لص، إنها رحلة إنسان بحث عن الهوية والمعنى في عالم لا يفهمه. تبدأ القصة بطفل منبوذ ينتهي به المطاف ليصبح رمزًا للتغيير والإصلاح. يسلط الضوء على قوة القراءة في تشكيل العقول ومدى تأثير البيئة على شخصية الفرد. في النهاية، “الغريب” ليس مجرد لقب، بل هو عنوان لرحلة حياة مليئة بالتناقضات والتحولات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى