في تحرك غير مسبوق مرشح لإشعال نقاش سياسي وقانوني واسع، أعلنت إسرائيل اعترافها بإقليم أرض الصومال كـ«دولة مستقلة ذات سيادة»، في خطوة كسرت الجمود الدولي الذي رافق الإقليم منذ إعلانه الانفصال عن الصومال مطلع تسعينات القرن الماضي، ووضعت القرار الإسرائيلي مباشرة في مواجهة الموقف الرسمي لمقديشو، ومع مواقف إقليمية ودولية تتمسك بوحدة الأراضي الصومالية.
وأفاد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحكومة صادقت على الاعتراف بـ«جمهورية أرض الصومال»، مع توقيع إعلان مشترك ضم نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر ورئيس الإقليم عبدالرحمن محمد عبدالله، في خطوة قالت تل أبيب إنها تندرج ضمن «روح اتفاقات أبراهام» ومسار توسيع شبكة علاقاتها الإقليمية.
وأوضح البيان أن القرار لم يكن معزولاً عن اعتبارات أمنية واستراتيجية، كاشفاً عن دور لجهاز الموساد في تهيئة مسار الاعتراف والتنسيق مع سلطات الإقليم، ومعلناً نية إسرائيل الشروع فوراً في بناء تعاون اقتصادي وتقني يشمل مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا، مع توجيه دعوة رسمية لرئيس الإقليم لزيارة القدس، في إشارة واضحة إلى الرغبة في نقل العلاقة من مستوى غير معلن إلى شراكة سياسية مفتوحة.
أبعاد تتجاوز الاعتراف الثنائي
التحرك الإسرائيلي لا يُقرأ بوصفه خطوة دبلوماسية محدودة، بل يُنظر إليه على نطاق واسع كجزء من استراتيجية أوسع لتعزيز الحضور الإسرائيلي في القرن الإفريقي، وهي منطقة تكتسب أهمية متزايدة بفعل موقعها الجغرافي المطل على خليج عدن وقربها من أحد أهم الممرات البحرية العالمية. ويرى مراقبون أن تل أبيب تسعى إلى تثبيت موطئ قدم سياسي وأمني في منطقة تشهد تنافساً محتدماً بين قوى إقليمية ودولية، في سياق إعادة تشكيل خرائط النفوذ في البحر الأحمر وشرقي إفريقيا.
في المقابل، لم يصدر رد رسمي فوري من الحكومة الصومالية، غير أن موقف مقديشو من قضية أرض الصومال ظل ثابتاً على مدى عقود، إذ ترفض أي اعتراف بالإقليم خارج إطار الدولة الصومالية الموحدة، وتعتبر أي تعامل مباشر معه انتهاكاً للسيادة الوطنية وخرقاً للقانون الدولي.
ويعود انفصال أرض الصومال إلى عام 1991 عقب انهيار الدولة المركزية، ومنذ ذلك الحين نجح الإقليم في إدارة شؤونه الداخلية وبناء مؤسسات سياسية وأمنية مستقلة نسبياً، إلا أن هذا الواقع لم يترجم إلى اعتراف دولي، في ظل تمسك المجتمع الدولي بمبدأ وحدة الأراضي الصومالية وخشيته من تداعيات تشجيع النزعات الانفصالية في القارة الإفريقية.
رفض خليجي وتحذير من سابقة خطيرة
وعلى الصعيد الإقليمي، قوبل الإعلان الإسرائيلي برفض صريح من مجلس التعاون الخليجي، الذي وصف الخطوة بأنها «خرق خطير للقانون الدولي» وانتهاك واضح لسيادة جمهورية الصومال ووحدة أراضيها. وأكد الأمين العام للمجلس جاسم البديوي، في بيان رسمي، أن الاعتراف الإسرائيلي يشكل سابقة تهدد أسس الاستقرار في القرن الإفريقي، وتقوض الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى ترسيخ الأمن والسلم في المنطقة.
وشدد البيان الخليجي على الدعم الثابت للصومال، محذراً من أن مثل هذه الإجراءات الأحادية قد تفتح الباب أمام تصعيد التوترات والنزاعات، وتضعف منظومة الشرعية الدولية، داعياً المجتمع الدولي إلى عدم الانخراط في أي خطوات تمس وحدة الدول الوطنية أو تشجع مشاريع انفصالية.
تداعيات محتملة واختبار للعلاقات
ويرى محللون أن الاعتراف الإسرائيلي قد يضع علاقات تل أبيب مع عدد من الدول الإفريقية والعربية أمام اختبار حقيقي، خاصة تلك التي تنظر إلى وحدة الصومال باعتبارها خطاً أحمر يرتبط باستقرار الإقليم بأكمله. كما يُخشى أن يشجع القرار أطرافاً انفصالية أخرى في إفريقيا على السعي وراء اعترافات أحادية، ما قد يعيد فتح ملفات حدودية وسيادية مغلقة منذ عقود.
وفي ظل غموض المواقف الدولية حتى الآن، تبدو خطوة إسرائيل مرشحة لإشعال فصل جديد من التوتر الدبلوماسي في القرن الإفريقي، منطقة لا تزال تتقاطع فيها الحسابات الأمنية والجيوسياسية، وتتعقد فيها أي محاولة لإعادة رسم الخرائط خارج الإجماع الدولي.




