آراء
أخر الأخبار

عبقرية التخلف..

ليست المشكلة في صعود الأمم وسقوطها، بل المشكلة في استيعاب الصدمة واستئناف الصعود..

ثمة شيء واعي يبدو أكثر منهجية في سيرورة الأحداث، هو الإصرار على خلق وضعية مُقززة. غالبا ما ندرك مكر التاريخ في مخرجات الأحداث، لكننا علينا أن نستبق تلك النتائج، لنقف على الفجوة التي تفصل بين الأحداث واللحظة القصوى التي يكشف فيها التاريخ عن مكره.

لا بد من منعطف يحيل إلى التقزز الذي يسبق الإحساس بفراغ التاريخ من المعنى. لا يحتاج الأمر أن نجعل من اللاّعبين الأغبياء داخل مكر التاريخ كائنات كرتونية لمزيد من التسلية، إن حالة المسخ الكرتوني باتت واضحة، حتى أن القناع تلبّد أكثر فبات هو الوجه الحقيقي.

إن حالة التقزز التي تجاوزت حالة الفرجة، لا تسمح بالحياد. إنّ الإمبريالية وصيصانها يؤثثون المشهد بقذارتهم الجيوبوليتيكية. لقد بات من الضروري ترديد نشيد الطّاسلة الإمبريالية التي لوثت البيئة وعالم الإنسان.

تتسارع الصور التي تراكم التقزز والفجوة التي تفصل بين السيرورة البريئة للتاريخ ومكره، وربما إذا بلغت قمة التقزز انفرجت.

تحرس الإمبريالية العالم الثالث، وتُمأسسه على شروط الخضوع وإنتاج التّفاهة الوظيفية، حراسة تخلفنا هو جزء من استراتيجيا إمبريالية، مع فرط هذا التراكم الذي بلغ ذروة العبث، لم تعد الإمبريالية في حاجة لتذكيرنا بواجب أن نحرس نحن تخلفنا بعبقرية كبح التّقدم.

لقد أصابت الإمبريالية العالم الثالث بمركب ستوكهولم. إن العالم يواجه منعطفا خطيرا سيدخله الجميع كأطرش في زفّة.

في قراءة العرب لأنفسهم بات الأمر غاية في المفارقة، لقد سلّم العقل السياسي مهمّة التعريف بنفسه للذباب الإلكتروني وكذا لفراقشة الادسنس، للهواة الذين يكبدون الوعي خسائر السقوط في الخطوات الأولى للسباق، أطاريح تتناطح، بين اليوم والليلة كلام مفتوح على المفارقة، بينما الإمبريالية تُجلس قادة السرديات الحمقاء على كرسي الصّابر، لتستخلص أمرا واحدا: أنّ هذه الأمة لا زالت وفية للمغالطة أكثر مما هي وفية للصواب، ثمة اختلال سيكولوجي لا زال يربك تكوين العقل وكماله.

عقل التخلف واحد مهما كانت الاختيارات، عقل التخلف في السلم أو الحرب، حتى حين تكون نضالاتنا متخلفة يقدحها الحقد لا حس العدالة، فسنكذب على العدالة نفسها. المبادئ ليست شعارا للتلويح بل هي غاية العقل العملي.

فانظر تجد ملامح الفراقشة في كل مطرح، يختلفون في الاختيارات ويتشابهون في الماهيات. هذه بيداؤنا العربية لا زالت تحمل على كاهلها كائنا يتعقّل ضدّ العقل، ويتعاقل على العقل، حيث المعركة اليوم ضد الوعي تكتسي لبوسا متمعقلا، نحن في عصر المغالطة الفائقة…

نصيحة لمن لا زال يؤمن بالنصائح: كفوا عن التكرار، كفوا عن الهلاوس السياسية، كفوا عن الكهانة السياسية، خذوا لكم دورة في شرح الشمسية في المنطق على الأقل، افتحوا عقولكم على حساب الاحتمالات، اضربوا بعصبياتكم عرض الحائط، كفوا عن التذاكي فأنتم لستم أذكياء، تواضعوا للحق قبل أن تطأكم أقدام الباطل الهدّار، خفظوا من الحقد والكراهية والسموم السيكولوجية فهي تجلب الذل والهزيمة والتّخلف، فلتكن براغماتيتكم هي براغماتية وليام جيمس وليس براغماتية الثعلب العاض على ذنبه، واعلموا أن المصيبة أن تكون قلوبكم هواء وعقولكم غبار.

ليست المشكلة في صعود الأمم وسقوطها، بل المشكلة في استيعاب الصدمة واستئناف الصعود. وهناك من يضفي على الانهيار معزوفة السقوط الحرّ، وتلك هي عبقرية التخلف..

https://anbaaexpress.ma/7d08b

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى