آراءأفريقيا

آفاق استراتيجية.. المبادرة الملكية لدول الساحل عبر الاطلسي

فكيف استطاع المغرب كمملكة ضاربة في عمق التاريخ، عبور المرحلة الانتقالية نحو عصر الديمقراطية و الحداثة مع المحافظة على الارث و التقليد الثقافي و الديني و التاريخي؟

بقادة محمد فاضل

ان الموقع الجغرافي لدولة ما، يحدد مدى اهميتها في اطار العلاقات الدولية و لعبة المصالح، فكل الصراعات و الحروب عبر التاريخ البشري كانت لأجل توسعة نفوذ الحكم أو التحكم في مصادر الثروة و ايضا لاستغلال امثل للمنافذ التجارية الاستراتيجية بحرية او نهرية او برية كانت.

فالعالم اليوم يعرف اعادة تشكيل نظام عالمي جديد، لذلك، فالتوجهات الكبرى للانظمة الاقتصادية المتحكمة في دفة القيادة السياسية للعالم، وضعت خارطة جيوسياسية جديدة تفوق في تصورها الفهم الجمعي البسيط لمجتمعات العالم الثالث، فالثورة في عالم تكنولوجيا الانتاج الحربي و تعدد استعمالات الذكاء الاصطناعي المبهم، لهي أسس كل المتغيرات الحالية و القادمة على المديين المتوسط والبعيد.

لذلك سارعت الدول السائرة في طريقها نحو النمو الى مواكبة الركب عبر التغيير سياسيا و تشريعيا و حقوقيا، و ذلك بشكل تدريجي تمهيدا لدخول نادٍ دولي، لا مناص من ولوجه من خلال تقديم تنازلات و تراجع في مواقف داخليا و دوليا، و الانتقال من دولة القرارات الفردية و المرجعيات التقليدية فقط، الى دولة المؤسسات و القانون والحقوق الاساسية الكونية، فكيف استطاع المغرب كمملكة ضاربة في عمق التاريخ، عبور المرحلة الانتقالية نحو عصر الديمقراطية و الحداثة مع المحافظة على الارث و التقليد الثقافي و الديني و التاريخي؟

منذ اعتلاءه عرش اسلافه الميامين سنة 1999، اولا جلالة الملك محمد السادس نصره الله عنايته السامية بالارتقاء بوضعية المرأة و الطفل و الحريات و التعليم و التنمية و غيرها من المجلات في اطار مشروع الدولة الاجتماعية، فكانت تعليماته السامية واضحة للحكومات المتعاقبة تنزيلًا للمشاريع الملكية في ذات الاطار، و قد تجلت تلك الارادة الملكية عبر دستور 2011 الذي عبر عن ارادة كل المغرب ملكا و شعبا و حكومة في التغيير السلمي و البناء.

و انفتاحا على المحيط الاقليمي و الدولي في اطار العولمة، عاد المغرب عبر دبلوماسيته الملكية السامية و الرسمية في خطوة تاريخية الى الحاضنة الافريقية عبر اعادة تفعيل تمثيلية المملكة المغربية في الاتحاد الافريقية بعد قطيعة لعقود، فسياسية الكرسي الفارغ لم تعد تستجيب لمتطلبات الظرفية، فما الذي جنته المملكة المغربية من ثمار، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا؟

جاء في نص خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء: “الواجهة الاطلسية الافريقية تعاني من خصاص ملموس في البنيات التحتية و الاستثمارات، رغم مستوى مؤهلاتها البشرية، و وفرة مواردها الطبيعية.

من هذا المنطلق نعمل مع اشقاءنا في افريقيا و مع كل شركاءنا على ايجاد اجابات عملية و ناجعة لها في اطار التعاون الدولي..

وقد اعتبر الخطاب الملكي ان المشاكل و الصعوبات التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة لن يتم حلها بالابعاد الامنية و العسكرية فقط، بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون و التنمية المشتركة و اقترح اطلاق مبادرة على المستوى الدولي تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج الو المحيط الاطلسي..

نجاح هذه المبادرة يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، و العمل على ربطها بشبكات النقل و التواصل بمحيطها الاقليمي، و المغرب مستعد لوضع بنياته التحتية الطرقية و المينائية و السكك الحديدية رهن اشارة هذه الدول الشقيقة، ايمانا منا بأن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها وفي المنطقة كلها”.

فما هي آفاق استراتيجية المبادرة الملكية لدول الساحل عبر الصحراء؟

تعتبر الموانئ احدى الوسائط اللوجستية في دينامية نقل البضائع تصديرا و استيرادا، و تنقل الافراد و الجماعات البشرية للسياحة و استكمال المشوار الدراسي و الاستشفاء و غيرها، مما يحتم معه توفير الظروف الامنية و التدبيرية وفق حكامة جيدة تضمن سلامة الافراد و السلع، و هذا يعد مجلبة لهيكلة شاملة من خلال وفرة فرص الشغل القارة و الموسمية، كما ان للأمر بعدا استراتيجيا و هو توطيد الشراكات الامنية و الاستخبارية لخلق مناخ اقليمي و دولي يعمه السلام و الاستقرار.

لذلك تعتبر المبادرة الاطلسية لجلالة الملك مشروعا لا ينحصر في ابعاده التجارية و الاقتصادية، بل يتعداه ليشمل المساهمة قارئين و دوليا في محاربة مظاهر الارهاب و الهجرة غير الشرعية و الفقر و الهشاشة و التطرف، بالاضافة الى المأسسة لمناخ اقليمي توحده المصلحة المشتركة (رابح رابح)، و الذي يتيح في بعده الدولي حماية الأمن القومي الامريكي و الاوروبي و الافريقي و العربي.

ونظرا للطفرة التنموية التي تعرفها المملكة المغربية وراء القيادة الحكيمة السامية لجلالة الملك، في كافة الاصعدة الاجتماعية منها و في البنية التحتية و الثقة التي توليها المؤسسات الدولية من منظمات و هيئات و اتحادات و دول للقدرة المغربية على استيعاب و احتضان تظاهرات اقليمية و دولية من قبيل الظفر بتنظيم كأس العالم المشترك من دولتي اسبانيا و البرتغال سنة 2030، و غيرها المنتديات الاقتصادية و البيئية و الحقوقية في السنوات الاخيرة.

كل هاته المؤهلات اقتصاديا و هيكليا و حكاماتيا و مؤسساتيا مجتمعة في المملكة المغربية، تجعل منه دولة ذات جذب و مناخ معتدل تتوافق على طاولته الايديولوجيات رغم تعدد و اختلاف مرجعياتها، صوب اطار استراتيجي مشترك يوفق بين مصالح الجميع.

* أستاذ باحث

https://anbaaexpress.ma/6elz8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى