أقرت الحكومة الجزائرية مشروع موازنة قياسي للعام 2026 بقيمة 131 مليار دولار، هو الأعلى في تاريخ البلاد، مع تخصيص حصة غير مسبوقة لقطاع الدفاع، في وقت تتصاعد فيه الدعوات الداخلية إلى إعادة توجيه الموارد نحو الملفات الاجتماعية والاقتصادية الملحة.
وتشير بيانات مشروع قانون المالية إلى أن مخصصات وزارة الدفاع بلغت نحو 27.17 مليار دولار، بزيادة تقارب ملياري دولار مقارنة بالعام الماضي، لتواصل الجزائر بذلك مساراً تصاعدياً في الإنفاق العسكري رغم الضغوط الاقتصادية.
منتقدين يعتبرون أن المبالغة في الخطاب الحربي تُستخدم لتبرير استمرار الإنفاق الضخم وتحويل الأنظار عن الأزمات المعيشية التي يواجهها المواطن، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتدهور القدرة الشرائية وغياب حلول جذرية لأزمات المياه والسكن والبطالة.
ويشير مراقبون إلى أن اعتماد الجزائر المفرط على عائدات النفط والغاز، التي تمثل نحو 90% من الإيرادات بالعملة الصعبة، يجعل الاقتصاد عرضة للتقلبات الدولية، رغم تحقيق نتائج إيجابية خلال 2024 سمحت لها باحتلال المرتبة الثالثة إفريقياً من حيث الناتج المحلي بعد جنوب إفريقيا ومصر.
ومع ذلك، يعتبر خبراء الاقتصاد أن استمرار سياسة “الإنفاق الموجَّه” نحو الدفاع على حساب القطاعات الإنتاجية يحد من فرص تنويع الاقتصاد وبناء قاعدة صناعية قادرة على امتصاص البطالة واستقطاب الاستثمارات.
وفي المقابل، تؤكد السلطات أن الزيادة في المخصصات الدفاعية ذات طابع إستراتيجي، وترتبط بالأمن القومي وبتطوير الصناعة العسكرية لتقليص التبعية للخارج، مشيرة إلى أن الإنفاق الاجتماعي لا يزال يحتل موقعاً محورياً في الموازنة، حيث بلغت التحويلات الاجتماعية نحو 44.6 مليار دولار، منها 3.3 مليارات موجهة لمكافحة البطالة.
وتتوقع الحكومة إيرادات إجمالية تناهز 62 مليار دولار، مع تبني إجراءات جديدة لمحاربة التهرب الضريبي الذي يُعد من أبرز معضلات الاقتصاد الموازي والمقدر بين 50 و60 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى تشديد الرقابة على حركة العملة والمعادن الثمينة في إطار مكافحة غسيل الأموال.
ويرى محللون أن الموازنة الجديدة تكشف مفارقة عميقة بين خطاب الأمن القومي وواقع التحديات الاجتماعية، إذ يواجه بلد يملك واحداً من أكبر احتياطيات الطاقة في إفريقيا صعوبة في تأمين الخدمات الأساسية، بينما تتسع الفجوة بين الطموح العسكري والواقع المعيشي، في مشهد يلخص معضلة الدولة الريعية التي تسعى إلى الاستقرار عبر القوة لا عبر التنمية.