أجرى الحوار : جيهان خليفة
فى حوار خاص مع أديبة مصرية ولدت ونشأت بالإسكندرية، تعيش حاليا في جنيف بسويسرا،كانت تعمل كأستاذة للأدب العربي والحضارة الإسلامية ، ورئيسة قسم الدراسات العربية والإسلامية فى كلية الآداب بجامعة جنيف بسويسرا سابقا ، وعملت خبيرة لدى اليونسكو ولدى اللجنة الأوروبية المشتركة ببروكسل ،كما شغلت أيضا أكاديمية جنيف العلمية عام (1985) ، ضيفتنا هى الدكتورة فوزية العشماوى ،رئيسة منتدى المرأة الأوروبية المسلمة (بداية من 2004) ، والتى تم إنتخابها سنة 2006 للأمانة العامة للجمعية الثقافية المصرية السويسرية. وعملت باعتبارها خبيرة خارجية لدى اليونسكو والإيسيسكو وجامعة الدول العربية، لها عدة مؤلفات وأبحاث باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية منها كتاب “ظهور الإسلام في أوروبا ” الصادر عن دار “العين” للنشر . وكتاب “حرية العقيدة بين الشريعة الإسلامية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. كرمتها وزارة الأوقاف في مصر، وحصلت على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى للعلوم والفنون عام 2008، عن مجمل أبحاثها في العلوم الإسلاميةالعشماوى ترى أن الدول الأوروبية تكيل بمكيالين فيما يخص اللاجئيين الأكرانيين ، وأن الأوضاع الحالية فى المجتمعات الإسلامية تتطلب تدخلا سريعا لتنقية الخطاب الدينى من كل ما لحق به من إضافات وتفسيرات عتيقة ترجع للعصور الوسطى ، وترى أن المذهب الصوفي أعلى من شأن المرأة بعكس الخطاب السني الفقهي، كما تشير إلى أن الغرب يصور المرأة المسلمة على أنها غير كاملة الأهلية نصف رجل وعاء لحمل الأبناء والمتعة الجنسية وهذه صورة مغلوطة ..وإلى نص الحوار.
في أحد مقالاتك انتقدتي موقف الدول الأوروبة فيما يخص بعض اللاجئين الاكرانيين لماذا ؟
لأنهم يكيلون بمكيالين ويطبقون حقوق الإنسان على جيرانهم الأوروبيين من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء من الأوكرانيين ، بينما لم يطبقوا نفس المعايير ولم يقدموا نفس المساعدات لجيرانهم الأوروبيين في البوسنة والهرسك ،رغم أنهم جيرانهم وأوروبيون أيضا ولكنهم مسلمون ، فتركوا الصرب يقتلون المسلمين في سيبرانيكا ويبيدونهم بلا رحمة ، وقالوا أن هذا شأن داخلي ،ولم يقدموا للاجئيين المسلمين من البوسنة والهرسك نفس المساعدات والتسهيلات التي قدموها للاجئييين من أوكرانيا .
2 ـ ألم تجدى أننا مسئولون عن ردة الفعل السلبية من هذه الدول سواء بالنسبة للاجئين الأكرانيين ذوى البشرة السوداء أو اللاجئين العرب سواء من سوريا أو ليبيا وغيرهم ؟
طبعا هناك فرق بين الأوروبيين المسلمين في البوسنة والهرسك وسيريلنكا وبين اللاجئين من ليبيا او سوريا او العراق لأن هؤ لاء ليسوا أوروبيين ، وطبعا حكام هذه الدول الثلاث هم المسئولون عن تشريد أهل سوريا وليبيا والعراق وتحويلهم الى لاجئيين ، ترفضهم أغلب الدول الأوروبية والبعض من هؤلاء اللاجئين المسلمين يموت غرقا في رحلة الهروب من فظائع الحرب في سوريا والعراق وليبيا .
فى الآونة الأخيرة علت الأصوات المطالبة بضرورة تجديد الخطاب الدينى .. من وجهة نظرك هل وضعنا الحالى يحتاج بالفعل إلى تجديد للخطاب الدينى ؟ وكيف يكون هذا التجديد ؟
بالطبع الأوضاع الحالية في المجتمعات الإسلامية يتطلب تدخلا سريعا لتصحيح وتنقية الخطاب الديني من كثير من الإضافات والتفسيرات العتيقة التي ترجع الى العصور الوسطى ،وإلى فقهاء عاشوا في ظروف إجتماعية وبيئة صحراوية مختلفة تماما عن بيئتنا ومجتمعاتنا الحالية ، ولم يكن لديهم وسائل التقدم التكنولوجي والرقي المتوفرة لدينا لذا أصبح من الضروري العودة إلى القرآن الكريم وإعاده تفسيرة تفسيرا حديثا يتوافق مع مستجداتنا ، مع تنقية التراث ،وتطوير الخطاب الديني ليتناسب مع التغييرات الضخمة التي طرأت على مجتمعاتنا وعاداتنا وتقاليدنا وخاصة ما يتعلق بالتغييرات على مكانة المرأة في المجتمعات الإسلامية حاليا .
ما رأيك فى الأصوات التى تتصدر المشهد حاليا مرتدية عباءة التجديد ؟ ومن منهم يتبع منهجية علمية لتفكيك هذا الخطاب؟
أنا من مؤيدي الباحثين المثقفين والمجددين الذين يمتلكون أدوات البحث والتحليل والتفسير العقلاني المحايد ،وكذلك الأصوات التي تطالب بالتجديد وتبذل جهودا حميدة وممتازة لتجديد الخطاب الإسلامي من الشوائب والإضافات التي لا تعتبر من ثوابت العقيدة الإسلامية
ـ مؤسسة الأزهر الشريف هل تقوم بدورها فى بعث الروح فى هذا الخطاب ؟ وما وجهة نظرك فى موقف الإمام الأكبر شيخ الأزهر من دعاوى التجديد ؟
فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أصدر عدة فتاوي مؤخرا لتصحيح كثيرمن المعتقدات السائدة والتي لا تدخل في ثوابت الدين الإسلامي وهذا دليل على أنه يسعى لتطوير الخطاب الديني تدريجيا .
هل لك أن تنقلي لنا صورة الإسلام والمسلمين فى المناهج الدراسية الغربية خاصة أنك أصدرت كتابا يحمل نفس الإسم ؟
لقد أشرفت على عدة مشروعات رائدة بتكليف من منظمة اليونسكو في باريس وجامعة الدول العربية في القاهرة والإيسيسكو في الرباط لتنقية المناهج الدراسية الأوروبيىةالمليئة بالشوائب والصور النمطية والصورة المشوهة عن الإسلام وعن المسلمين في تلك المناهج ، وأصدرنا كتيب دليل إرشادي لمؤلفي الكتب الدراسية في الغرب لإعادة كتابة التاريخ يأخذ في الحسبان التعددية الثقافية ووجهات النظر المختلفة للشعوب والدول في الإحداث التاريخية ، ولا يؤخذ فقط بتحليل وصياغة المنتصرون في الحروب بل بجميع الأطراف في النزاعات على مر العصور.
كيف يصور الإعلام الغربي صورة المرأة المسلمة ؟
لقد أصدرت كتابا نشرته دار أخبار اليوم في القاهرة بعنوان صورة المرأة المسلمة في الإعلام الغربي ،وهذه الصورة مشوهة لأنهم يصورون المرأة المسلمة على أنها غير كاملة الأهلية ،وأنها نصف رجل لأنها ترث نصف ميراث الرجل وشهادتها نصف شهادة الرجل ، وأن الرجال المسلمين يحجبونها ويرغمونها على إرتداء الحجاب والنقاب حتى تخضع لسيطرتهم ، لأنها مجرد وعاء يحمل أبناءهم ويستمتعون بها جنسيا .
وهذه كلها أفكار مغلوظة ولكنها نتاج التفسيرات الخاطئة المنتشرة في التراث الإسلامي للأيات القرلنية المتعلقة بمكانة المرأة في الإسلام .
ولقد أصدرت مؤخرا كتاب لدى دار الشروق بالقاهرة بعنوان “المرأة في الخطاب القرآني ” لدحض كل هذة التفسيرات المغلوظة ،ولتصحيح هذه الأفكار العتيقة المتوارثة ،وإثبات أن المرأة تحظى بمكانة رفيعة في القرآن الكريم .
من وجهة نظرك هل عرف التاريخ الإسلامي الدولة الإسلامية التى يحلم بها المتشددين ؟
لم يحدث أبدا في التاريخ وجود دولة إسلامية ،وأول دولة أنشاها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت دولة مدنية ،بالمفهوم الحديث في المدينة المنورة ،بموجب دستور مدني هو “وثيقة المدينة ” التي جاء فيها إحترام كل سكان المدينة من مسلمين ويهود ونصارى ومشركين على اختلاف دينهم وكلهم متساويين في الحقوق والواجبات ” لهم ما لنا وعليهم ما علينا ” . وكذلك كان الحال في جميع دول الخلافة سواء الأمويين او العباسيين او الفاطميين أوفي الأندلس أوالعثمانيين كلها كانت دول مدنية .
هل من الممكن أن تقيمي لنا ثورات الربيع العربى خاصة بعد مضى عقد على هذه الثورات ؟وهل الإنحياز الفطرى للجماهيرالعربية للدولة كان انحياز موفق وصحيح فى أوانه خاصة أنه أدى إلى وأد التجربة الديمقراطية فى المنطقة فى مهدها ؟
يلزمنا مزيد من الوقت لتقييم ثورات الربيع العربي فلم تستقر الأوضاع السياسية بعد في أي دولة من الدول التي قامت فيها ثورات ، وما يطلقون عليه الربيع العربي ،وجميع الثورات في العالم يجب أن يمر عليها عقود طويلة قبل تقييمها وسوف يذكر لنا التاريخ تقييما ربما يكون مختلفا تماما عما نعتقد .
فى أحد تصريحاتك أكدت أن الخطاب الصوفى يعلي من شأن المرآة بعكس الخطاب الفقهي هل من الممكن توضيح وجهة نظرك ؟
هذا صحيح ففي المذهب الصوفي المرأة مثل الرجل في جميع المذاهب الصوفية وتتمتع بالمشاركة الفعّالة في التفقة في الدين وفي الجلسات والممارسات الصوفية ،بعكس الخطاب الفقهي السني الذي يقوم بإقصاء المرأة من جميع مجالس الإفتاء والتدبر في القرآن الكريم ويقتصر الإفتاء علي الرجال والإجماع الفقهي حكراعلى الرجال دون النساء .
مع إنتشار موجة العنف ضد الزوجات هناك مطالب بسن قانون يحبس الزوج الذى يضرب زوجته هل تؤيدي هذه الدعاوى ؟
هذا الإجراء بحبس الزوج العنيف الذي يضرب زوحته سيزيد من المشكلة دون حلها ،ولقد نشرت مقالين في “المصري اليوم” لوضع الحلول المناسبة لهذه الظاهرة الخطيرة ، وهي ضرب الزوجات ومن الضروري دراسة أسباب العنف وتعديل قوانين الأحوال الشخصية وإيجاد حلول لضمان حقوق الزوجة المالية التي سيتم سجن زوجها ،حتى لا تتشرد هي وأطفالها عندما يفقدون عائل الأسرة المسجون .
الدكتورة فوزية العشماوى كانت فى فترة من الفترات ترتدى الحجاب وآراها الآن بدون حجاب رأس هل ذلك تغير فى قناعاتك ؟
قناعاتي لم تتغير وانا لست محجبة لأني مقتنعة بعدم فرضية الحجاب ،فالحجاب أو غطاء الرأسٍ ليس فرضا إسلاميا ولا توجد أية قرأنية واحدة قطعية الدلالة تأمر النساء أمرا مباشرا بتغطية شعر رؤسهن ، وآيات جيوبهن وجلابيهن ليس فيها كلمات شعر أو رأس أو حجاب بل كلمة جيوب والشعر والرأس ليسا من الجيوب والجلابيب ، رداء المرأة ينزل من فوق إلى تحت أي من الرقبة إلى أسفل لتغطية جسد المرأ ة ولا يطلع من تحت لفوق أي من الرقبة إلى أعلى لتغطية الرأس والشعر . ثم أن كلمة شعر غير موجودة أساسا في القرآن الكريم وكذلك الحديث الذي يستندون عليه حديث أحادي ضعيف لم يؤيده 3 من رواة الحديث ليصبح حديثا صحيحا فكيف يفرضون فرضا على نساء المسلمات بحديث أحادي ضعيف ليس له أسانيد؟.
فى كتابك أمواج العمر تحدثت فى فصل كامل عن العديد من الشخصيات العربية والمصرية والأجنبية الذين إلتقيتى بهم ما إنطباعك عنهم أو فلنقل ما أكثر هذه الشخصيات آثارت انتباهك ودهشتك ؟
قابلت كثير من رؤساء الدول ومن الوزراء والسفراء ورؤساء كبرى المنظمات الدولية والإسلامية من العرب والمسلمين والاجانب وأعجبت بكثير منهم وتأثرت بمواقف بعضهم بشكل عام ،ولكني إنزعجت وتضايقت لأن بعض هذه الشخصيات التي تحتل مناصب مرموقة ليس لديهم الثقافة ولا الكاريزما لتولى هذه المناصب التي وصل كثير منهم اليها بالوراثة أو بالوساطة للأسف الشديد .
هناك محاولات لإستقراء التراث بمنهجية حديثة فى المغرب العربي ولعل أهم هذه المحاولات مشروعي الدكتور محمد أركون والجابرى.
ما تقييمك لهما ؟ وهل يعتبر مشروعا الجابرى وأركون فكرمغترب لم يجد الأرضية الثقافية الجيدة لإستيعابة لذلك ظل حبيس المناقشات والأبحاث والدراسات دون أن يصل للجمهور العربي؟
قرأت ودرست كثيرا من كتب وأفكار كلا من الدكتورأركون والجابري وكثير من مفكري المغرب العربي ، سواء من تونس والجزائر والمغرب وليبيا ، وأعجبت بهم كثيرا وكذلك بكثير من المغربيات والتونسيات المقيمات في فرنسا ، واللواتي أصدرن كتبا وأبحاث رائعة باللغة الفرنسية ، في تفسيرات حديثة عقلانية عن القرآن الكريم ،وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وللأسف الشديد كتبهم ومؤلفانهم غير متوفرة في مصر ولكن بعض القنوات العربية تستضيف هؤلاء المجددين وأتابع على الأخص “قناة الحرة “وبرنامج الأستاذ إبراهيم عيسى “مختلف عليه ” في هذه القناة ويستضيف فيه كثير من هؤلاء الفقهاء والفقيهات الجدد .