توضيح أولي:
يُقدّم هذا المقال نظرة انطباعية حول رواية تاريخية، وليس دراسة نقدية مفصلة للعمل المعني. فهو لا يسعى إلى تغطية جميع الجوانب الإبداعية للرواية، بل يركز على تقديم نظرة عامة حول أهميتها كعمل ثانٍ بارز في إطار الرواية التاريخية السودانية، والذي وصل إلى القائمة الطويلة في “جائزة كتارا للرواية العربية”.
من المهم أن نذكر أن رواية “شوق الدرويش” التي فازت بجائزة “نجيب محفوظ” وتأهلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر”، كانت العمل الأول في مجال الرواية التاريخية بالسودان الذي حظي بشهرةٍ واسعة على النطاق العربي. وتميزت “شوق الدرويش” بتركيزها على البيئة والمجتمع السوداني، مما منحها طابعًا محليًا مميزًا.
على النقيض من ذلك، فإن رواية “جهنكشاي” تتبنى سردًا تاريخيًا يشمل العالم العربي وما وراءه، مما يضيف إليها طابعًا عالميًا بجدارة. وبالتالي فهذا النطاق الأوسع الذي يخوض في تجارب تاريخية ذات بُعد عالمي؛ يجعل من “جهنكشاي” رواية تعكس تنوعًا عالميًا في السرد التاريخي مقارنةً برواية “شوق الدرويش”، التي تركز على السياق المحلي.
مدخل:
رواية “جهنكشاي” للأديب السوداني زياد مبارك تمثل قفزة نوعية في عالم السرد الأدبي، ولا أعني بذلك أنها ظهرت مصادفة، بل أنها تنبثق من قاعدة أكاديمية علمية متينة.
فقد تمكنت الرواية من توظيف المراجع التاريخية، سواء كانت متفقًا عليها أو محل شك، وتعيد صياغتها بلغة سردية معقدة وعصية بل وتلبسها حليّة وثوبًا عصريًا فريدًا وجديدًا على حد سواء. ولهذا السبب، أرى أن هذا النمط السردي يستحق أن يُطلق عليه مصطلح “السرد الكبير”، على غرار مصطلح “الغناء الكبير” الذي يستخدمه الموسيقار السوداني محمد الأمين. تكمن قوة الرواية في الجمع المتقن بين البلاغة، متانة اللغة، المصادر التاريخية وتقنيات السرد. يستخدم العمل الأدبي البارز هذه العناصر ليقدم قصة مشوقة، عميقة وجمالية. مثل هذه الروايات تبقى في ذاكرة القراء وتترك انطباعًا دائمًا. هي ليست مجرد تسلية، بل هي أيضًا انعكاس للتجربة الإنسانية وجسر بين الماضي والحاضر.
يمكن مقارنة رواية “جهنكشاي” في هيكلها العام بدُرر نادرة في عالم الأدب، حيث تبرز أعمال خالدة مثل “الصخب والعنف” لويليام فوكنر، الذي يقدم سردًا معقدًا يعكس الصراعات الداخلية والخارجية لشخصياته. كذلك “ذئب السهوب” للكاتب هرمان هيسه، الذي يستعرض رحلة تأملية في عمق النفس البشرية. و”الحرب والسلام” لليو تولستوي، التي تُعدّ ملحمة أدبية تروي التداخلات الإنسانية في زمن الحرب والسلام بواقعية مذهلة. ولا ننسى “مئة عام من العزلة” لغابرييل غارثيا ماركيز، الذي ينسج حكاية رائعة عن عائلة بمرور الزمن في إطار من الواقعية السحرية.
السؤال الذي يطرح نفسه فيما يتعلق بروايات “السرد الكبير” هو: كيف يمكن تنفيذ هذه العناصر ببراعة، مما يؤدي إلى نشوء كلاسيكيات خالدة في الأدب العالمي؟ وجهنگشاي ترفل بتؤدة وثبات في هذه الطريق الوعرة.
يتجاوز هذا العمل الكبير كونه مجرد حكاية أدبية. فهو لا يقتصر على تقديم عمق إنساني أو تفعيل إثارة القارئ بمواقف الشخصيات فحسب، بل يتجاوز ذلك ليقدم رؤية متكاملة تمزج بين الأدب والمعرفة، والواقع والخيال، والتاريخ والحاضر.
تستخدم الرواية أساليب متنوعة مثل السّينما والتصوير بواسطة اللغة الوصفية، مما يجعلها عملاً معقدًا يجمع بين السرد الحكائي وفنون إبداعية أخرى أجملها الإبداع اللساني والسيميائي لا سيما عندما تتزاوج الألفاظ في فحواها الحقيقي وعندما تنزلق بموسيقاها إلى ثوبها المجازي، حين ينساب السرد داخل المشاهد المتتابعة.
تتميز رواية “جهنكشاي” بكونها عملاً أدبيًا معقدًا بالمعنى الإيجابي، حيث تجمع بين السرد الحكائي وفنون الإبداع المختلفة. يعكس ذلك رغبة الكاتب زياد مبارك في تحقيق الإدهاش أولاً، والتحليل العميق للواقع والتاريخ ثانياً، وتطوير نظرة شاملة للمتلقي بوصفه شريكًا أساسيًا في العمل الأدبي ثالثًا. تتبنى الرواية نهجًا متطورًا في تقنيات الكتابة الروائية بعد فترة طويلة من التجريب، مما يؤسس لوعي سردي ونقدي أصيل. وعلى عكس أسلوب جورجي زيدان، الذي يهدف لتقديم القصة التاريخية مضافاً إليها عناصر سطحية متخيلة، تقدم “جهنكشاي” سردًا يستند إلى وقائع تاريخية موثقة في الكتب والوثائق، ولكن السرد لا يقتصر على تقديم التاريخ بل يبدو كأنه لا يحفل بذلك، بل يضع التاريخ كقاعدة يؤسس عليها عالماً سردياً متخيلاً.
وقد يشبه ذلك على القارئ الذي يظن أن جهنكشاي تحفل بتقديم التاريخ، وذلك لغزارة ودسامة المادة التاريخية في الرواية، وبالأحرى فالرواية تناقش وتحلل وتفكك التاريخ، ودوافع وظروف كتابته، وذلك بدلالة اسم الرواية (جهنكشاي) الذي هو كتاب من كتب التاريخ لمؤلفه المؤرخ صاحب الديوان عطا ملك الجويني الذي حكم العراق تحت سيادة المغول بعد سقوط الدولة العباسية على يد هولاكو خان.
اللغة المدهشة في رواية جهنكشاي:
تبدو اللغة في رواية جهنكشاي جزءاً أصيلاً من الرواية، فهي بنت العصر الذي توغل فيه “أواخر العصر العباسي وبداية العصر الإيلخاني تحت حكم المغول”. وهي ليست اللغة التي تسعى لإيصال الرواية فقط، وإنما تحمل بلاغتها المدهشة بمعجم فذ يمتحن القارئ بألفاظ اللغة المهملة إضافة لكثافتها الشعرية، مثل الطروس “ومفردها طرس” التي تعني الأوراق، وفي هذه الطروس النص داخل النص بتقنية الميتاسرد. فتتعدد اللغة في الرواية إلى لغات لا لغة واحدة في أجزاء السرد “الراوي العليم، الراوي العيار، لغة الطروس بقلم جوتيار الكردي، سرد المتكلم أبو عمر الشامي قارئ الطروس، الحديث الداخلي المونولوجي للشخصيات”.
وفي هذا الصدد تنطبق مقولة الأستاذ د. خالد عبد الرؤوف الجبر في تقديمه المفتاحي الماتع لكتاب (الرواية التاريخية بين الحوارية والمنولوجية، للدكتورة رزان محمود إبراهيم)، على المعالم السردية في رواية جهنگشاي، فهاكم مقتطفًا من مقولته:
“لم تعد الرواية عملًا أدبيًا حكائيًا يدهش القارئ المستقبل بالعمق الإنساني وحده، أو تثيرها بمواقف شخوصها وحراكهم وتفاعلهم؛ وانصرفت عن محاكاة الواقع أو وصفه أو كشف عيوبه واختلالاته حسبُ، وانسلخت من حمأة الركون إلى سرد الوقائع التاريخية – وكلّ حدثٍ هو تاريخ في غاية الأمر – وامتدّت بلغتها إلى كثافة اللغة الشعرية حتّى أضحت اللغة – أحيانًا – مطلبًا في ذاتها. ودخلت الرواية منذ زمن مسارًا مختلفًا امتزج فيه الأدبي بالمعرفي، والواقعيّ بالخيالي، والرّاهن بالتاريخي، وتطاولت على التوثيقي التحقيقي حتى امتلكت ناصيته، وبلغ بها الأمر أن وظّفت السّينمائي والتوصويري والصحفيّ، (…) مما جعلها عملًا معقدًا: لا يتخلّى عن الحكائية في جانب، ويستفيد من سائر فنون الإبداع من الجانب الآخر. وإذا دقّقنا قليلًا، فسنجد الأمر متعلقًا بالرّغبة في الإدهاش أوّلًا، ومناقشة الواقع والتاريخ بالحفر العميق فيها ثانيًا، وتطوّر النظرة إلى المتلقي بوصفه شريكًا أساسيًا في العمل الأدبي ثالثًا وليس آخرًا بمسارٍ متراكم من تطوّر تقنيات الكتابة الروائية بعد مرحلة ممتدة من التجريب”، (المرجع ص 10).
وفي هذا الصدد أيضاً يجدر ذكر ما قاله د. الجبر عن القارئ المتلقي للرواية التاريخية:
“تجد في الرواية التاريخية شخصيات حقيقية وأخرى متخيلة، وأحداثاً حقيقية تمثل وقائع وأخرى مصطنعة، وأزمنة وتواريخ حقيقية وأخرى مُجتلبة، فإذا أتقن الروائي حيلته بالإيهام والهوامش والحواشي والوثائق وقف القارئ أمام مزيج لا خليط، أي أنه يفقد القدرة على الفصل بين الواقعي والخيالي، إلا حين يشتغل في عمل مضاد معاكس في الوُجهة والغاية لما قام به الروائي، وهنا تكون وظيفة المتلقي أعقد وأعمق وأحوج إلى امتداد معرفي مقابل لما بنى عليه الروائي. وإذا كانت هذه وظيفة المتلقي، فكيف هي وظيفة الناقد إذن؟”، (المرجع ص 14).
التعليم الممنهج قبل التسلية:
تتمتع رواية “جهنكشاي” التاريخية بأهمية خاصة، إذ إنها لا تكتفي بالتسلية فحسب، بل تساهم أيضًا في التعليم واستلهام الماضي بطريقة حية ومؤثرة. تتناول الرواية سقوط بغداد في عام 1258 بيد المغول، مما يضفي عمقًا إنسانيًا على الأحداث التاريخية الجافة. يشير جيروم دي غروت في كتابه “الرواية التاريخية”، (The Historical Novel) إلى دور هذا النوع الأدبي في نقل المعرفة وتعزيز الفهم الثقافي، وهو ما يظهر بوضوح في هذا العمل الأدبي الفريد.
بالإضافة إلى ذلك، تسهم هذه الرواية في الحفاظ على أحداث وشخصيات تلك الفترة في الذاكرة الثقافية وإعادة تفسيرها. يناقش دي غروت في كتابه “التاريخ والرواية المعاصرة”، (History and the Contemporary Novel) كيف تسلط الروايات التاريخية الضوء على الأحداث والشخصيات من زوايا جديدة، كما هو الحال في “جهنكشاي” بإعادة تصوير سقوط بغداد وشخصيات مثل الخليفة المستعصم بالله وهولاكو خان.
تعكس القصة القيم والصراعات التي كانت سائدة في زمن كتابتها، مما يقدم تعليقًا على الحاضر. يظهر هذا بوضوح في عمل برونو بتلهيم “استخدامات السحر: معنى وأهمية الحكايات الخرافية ” (The Uses of Enchantment: The Meaning and Importance of Fairy Tales)، الذي يوضح كيف يمكن للقصص أن تعكس وتعالج القضايا الاجتماعية، وهو ما ينطبق على هذا النص التاريخي.
جانب آخر مهم هو تعزيز التعاطف، حيث تمكن “جهنكشاي” القارئ من التفاعل مع تجارب وعواطف الشخصيات التاريخية. تبحث سوزان كين في كتابها “التعاطف والرواية” (Empathy and the Novel) كيف تستثير الروايات التاريخية التعاطف لدى القراء، وهذا يتجلى في إبراز الرواية لمعاناة سكان بغداد وتأثير الغزو المغولي عليهم.
أخيرًا، تلعب “جهنكشاي” دورًا في تشكيل الهوية الثقافية والحفاظ على الذاكرة الجماعية. تقدم أليدا أسمان في كتابها “الذاكرة الثقافية والحضارة الغربية: الوظائف، الوسائط، الأرشيفات” (Cultural Memory and Western Civilization: Functions, Media, Archives) نظرة عميقة على دور الأدب في تشكيل وحفظ الذاكرة الثقافية، وهو ما يتحقق في هذه الرواية من خلال إعادة إحياء أحداث تاريخية هامة وبث الحياة فيها.
تقدم هذه المراجع الأدبية أساسًا متينًا لفهم أهمية “جهنكشاي” ودورها في نقل التاريخ والذاكرة الثقافية، مما يساهم في تقديم رؤية جديدة ومعمقة لأحداث سقوط بغداد وتأثيرها العميق على الذاكرة الجمعية.
عتبات الرواية:
العتبة الأولى عنوان الرواية “جهنكشاي، صاحب الديوان والحشّاش”، يوضّح ثلاثة مواضيع تشتغل عليها الرواية، كتاب التاريخ جهنكشاي المرجعي في تاريخ المغول، وصاحب الديوان مؤلف الكتاب، والحشّاش الذي ينتمي لفرقة الحشاشين الإسماعيلية العدو التقليدي للمغول، الذين أسقط هولاكو خان دولتهم وهو في طريقه إلى العراق.
العتبات التالية مقولات وتصديرات إشارية لموضوع الرواية، ثم تسجيل لأسماء الشخصيات المشاركة في الرواية، ومعجماً صغيراً للألفاظ المغولية الواردة في الرواية. ويلاحظ كثافة العتبات وكثرتها، ولكن البدء في قراءة الرواية من غير المرور بهذه العتبات سيجعل من القراءة متاهة متشابكة جداً، فهي ممرات سالكة للتدرج في تلقي الرواية بتمليك القارئ جزءاً من القاعدة المعرفية اللازمة لإدماجه في أجواء الرواية، وهذا يدل على وعي الكاتب بأن نصه يتطلب ارتقاء من المتلقي لمستوى يمثل الحد المعرفي الأدنى، فأعمل عتبات الرواية لتأسيس قاعدة مناسبة للتلقي. فمثلاً تمهد العتبات لما جرى في بغداد بذكر مقولة حاكم المغول الخان منكو لأخيه هولاكو حين كان متجهاً بجيشه إلى العراق، ومع المقولة صورة لمنمنمة فارسية تصور منكو خان على عرشه.
فصول الرواية:
تتكون الرواية من ستة فصول، الفصل الأول صفحة واحدة تمثل عرضاً سريعاً مكثفاً لأحداث الرواية بما فيها مصائر الشخصيتين الرئيستان “صاحب الديوان والحشّاش”، وقد يبدو هذا الفصل كأنه يحرق أحداث الرواية منذ البداية، ولكن الرواية في الحقيقة هي في التفاصيل وتبدو الأحداث كأنها تنظم هذه التفاصيل المكتوبة بتشظي يجعل من الرواية قطعة باهرة من الفسيفساء المعقدة في تركيبها وشخصياتها وزمنها الذي يتداخل ويتقاطع لتكشف الرواية مفاجآتها مع تشابك الاحداث ليكتشف القارئ المصائر والتفاصيل تدريجياً، ليس هذا فقط وإنما التفاصيل التي تشغل المتلقي بإعادة تجميعها ليجد أن عدة شخصيات يتم السرد عنها بالتوازي ويكتشف في نهاية الرواية أنها شخصية واحدة، وأحداث تجري عبر السرد ليكتشف أسبابها في النهاية المتأخرة، وهكذا فالتلقي السهل لن يجده قارئ جهنكشاي لا على مستوى اللغة والقاعدة المعرفية ولا على مستوى تركيبها المعقد وتشابكها وأصواتها المتعددة.
عناوين فصول الرواية:
1. أَطْرَاسُ جوتيار الكُردِيّ.
2. الجبالُ مداخلُ للريحِ؛ مخارجُ للحشائشِ.
3. كنسُ النسورِ من أعشاشِها.
4. خيولُ المغولِ تلغُ في نهرِ دجلة.
5. سيرةُ صاحبِ الديوانِ ملفوظةٌ بريقِ النهرِ.
6. نكبةُ الجوينية؛ إذ آن للشموسِ كسوفُها.
لمحة عابرة عن الأسلوب السردي: تأمل في الفصل الأول من رواية “جهنگشاي”.
أَطْرَاسُ جوتيار الكُردِيّ:
“في بكور أحد الأيام تلاحقتْ دقّات صاخبة على باب داري. فزعتُ من غفوتي لأجد امرأةً تقف على عتبة الدار، لم تحدّثني كثيراً من تحت البرقعِ على وجهها، خامرتْ دهشتي بصندوقٍ صغيرٍ من خشب السنديان مدّته إليّ، وقالت إنه مُرسَلٌ من الظافر بدين الله مُستوفِي الديوان. لم تتنظرْ لتجلو عنّي الحيرة أو تجيب عن تساؤلاتي التي تسلّقت عتبات رأسي. سرَتْ في الأرض كعصفةِ هواءٍ مرّتْ بي لتغادر وتختفي في آخر الطريق، تاركةً إياي أزوغُ ببصري بين الصندوق وآثارها الماضية. اختليتُ بالصندوق يومذاك قبل أن تذَرّ الشمسُ ضوءَها ولمّا فتحته وجدتُ فيه أربعةَ طروسٍ كتبها الظافر بخطِّ يده. قرأتها في يومين وذرفتُ بكاءَ عمرٍ بأكمله.
علمت أن مستوفي الديوان في الأصل يدعى جوتيار ولديه أسماء أخرى غير اسمه هذا. نكأتْ رسائله جراحي القديمة، وأرتني كلماتُه آخر أيامي تتساقطُ والحزنُ يذروها في وجهي. لم يكتف بقتله ابني غدرًا قبل ثلاثين عاماً، فبعث إليّ ليخبرني بأنه هو من أزهق روحه ليقتلني كمداً. هذه الطروسُ التي خطّها جوتيار لعنةٌ أصابتني، إنه ملعون يحرق كل من يقترب منه. رحم الله صاحب الديوان علاء الدين عطا الملك الجويني، ليته قتل جوتيار قبل أن تحلَّ النكبة بأسرته. لمّا بعثتُ الطروس إلى أحد أمراء المغول وأنفذَها إلى بلاط الحاكم المغولي كتبتُ بيدي نكبة الجوينية. ولكن –يا خيبتي– جوتيار نفسه: نجا!”. (الفصل الأول، الرواية).
يُقدِّم لنا المقطع أعلاه، المنتقى من بداية رواية “جهنگشاي” لمحة شاملة عن الأسلوب السردي الذي يستخدمه الكاتب، مقدماً بذلك نقطة انطلاق حيوية لفهم تقنيات السرد والأدوات الأدبية التي يعتمد عليها. قد يُفاجأ القارئ في البداية بهذه الطريقة المباشرة في تقديم النص وتحليله قبل الشروع في شرح أدوات الصناعة السردية أو دون معرفة الهيكل العام للرواية. فنحن في سياق مقال في حلقته الثالثة، فعلى من يهمه الأمر أن يرجع إلى الجزء الأول والثاني منه. إنّ هدفي المنشود هاهنا هو قدر المستطاع تمكين القارئ، سواء كان جديداً على الرواية أو لديه معرفة جزئية بها، من استيعاب بناءها السردي أو بوصف أدق تذوق وهضم الأسلوب الأدبي جزئيًا عبر تحليل نصٍّ مفتاح يكشف عن عمق التقنيات والأسلوب المندرج في جنباتها.
الأسلوب السردي والوصف:
في المقطع السابق، يعتمد الكاتب على أسلوب سردي يبرز تفاعلات الراوي مع الأحداث من خلال منظور شخصي عميق. يبدأ السرد بتوصيف بصري دقيق “دقّات صاخبة” التي تنذر بحدثٍ مفاجئ، مما يخلق انطباعًا أوليًا من التوتر والانتظار. يشتمل الأسلوب على وصف تفصيلي لحالة الراوي (أبو عمر الشامي)، مما يعزز من ارتباط القارئ بتجربته الشخصية.
التفاصيل الحسية:
استخدم الكاتب في هذا النص المقتضب تفاصيل حسية عديدة، متناغمة ومدونة مع بعضها البعض، مثل “دقّات صاخبة” و”عصفةِ هواءٍ”، ذلك يساهم في خلق بيئة سردية حيوية يشوبها القلق والخوف: “فزعتُ من غفوتي لأجد امرأةً تقف على عتبة الدار”. هذه التفاصيل تخلق مشهدًا حيًا يعكس تأثير الحدث على الراوي (الخوف، التردد، الغموض، وعلم الغيب)، ويزداد القلق والخوف عندما يسترسل قائلاً: ” لم تحدّثني كثيراً”، متسائلًا هل من مزيد؟! ويستمر في دغدغة مشاعر القاري ويزداد الغموض حلكة عندما يصف هيئة الرسول الملثم وراء الباب: “من تحت البرقعِ على وجهها”. كل هذا التدرج السيميائي في لغة سردية واهجة ومتسلسلة أو ربما متدحرجة، يجعل من التجربة القرائية أكثر تعمقاً وحساسية لا سيما وأنها بداية لخيط أحمر هام جدًا في البنية السردية في الرواية. وهذا المقطع أعتبره شخصيًا كاللجام الذي يسوق به الراوي القارئ المتلقي إلى حيث يشاء، فيصير هذا الأخير دمية في يدّ الراوي، يفعل بها ما يشاء. وهذا قدرة فائقة في التشويق والإمتاع على حد سواء، فضلًا على الانزلاق التدرجي للألفاظ ومعانيها كالذي يتسلق سلمًا، درجة تلو الأخرى، حتى يصل إلى نقطة الخوف من السقوط إلى هاوية.
اللغة الغامضة:
يتجلى الغموض في وصف المرأة التي تحمل الصندوق، والتي تظهر وتختفي بسرعة، مما يضيف بعدًا رمزيًا إلى النص. البرقع الذي يغطي وجهها يشكل عنصرًا من عناصر الغموض، وهو رمز للستر والإخفاء، مما يعزز من طابع النص كحكاية ملغزة.
التوظيف الرمزي:
الصندوق الخشبي الذي يُقدَّم للراوي هو عنصر مركزي في النص، ويحمل دلالات رمزية متعددة. فهو يمثل وعاءً للأسرار والمشاعر المخفية، بينما الطروس الأربعة المكتوبة بخط اليد تعكس الطبيعة التقليدية والروحية للرسائل.
الصندوق كرمز: الصندوق الخشبي يعبر عن الوسيط الذي يحمل الرسائل والذكريات، مما يضفي عليه طابعًا ماديًا ولكنه أيضًا رمزي. يعكس الصندوق السعي للكشف عن الحقائق والمشاعر المحتجبة.
الطروس الأربعة: الطروس المكتوبة بخط اليد تضيف عنصرًا من الواقعية والتاريخية، مما يعزز من مصداقية الرسائل ويضفي طابعًا شخصيًا على التجربة. الكتابة بخط اليد تعكس الجهد والاهتمام، مما يزيد من قيمة الرسائل ويعمق من تأثيرها العاطفي على الراوي.
الأثر النفسي والدرامي:
الدهشة والحيرة: تنقل النصوص بشكل فعال حالة الحيرة والدهشة التي يمر بها الراوي، حيث ينتقل من الاسترخاء إلى حالة من التوتر والانزعاج نتيجة ظهور الصندوق. هذا التوتر يبرز تأثير الرسائل على الراوي، ويعكس استجابته العاطفية العميقة.
التأثر العاطفي: عندما يقرأ الراوي الطروس الأربعة ويذرف “بكاءَ عمرٍ بأكمله”، يعكس ذلك قوة الرسائل وتأثيرها العاطفي العميق. يعكس البكاء رد فعل عاطفي عميق، مما يبرز كيفية تأثير المحتوى الشخصي والرمزي للرسائل على النفس البشرية.
الخلاصة: المقطع المختار من رواية “جهنگشاي” يقدم نموذجًا متقنًا للأسلوب السردي الذي يجمع بين التفاصيل الحسية، الغموض، والرمزية لخلق تجربة قرائية مؤثرة. من خلال تقنيات السرد المتقدمة، يعزز الكاتب من فهم القارئ للراوي وتجربته الشخصية، مما يساهم في تقديم عمل أدبي يعكس البعد النفسي والتاريخي للأحداث. هذه اللمحة العابرة توفر أساسًا مهمًا لفهم الأسلوب الأدبي للكاتب وتقدير أدواته الفنية، مما يساعد القارئ على تقدير العمق والثراء الذي تقدمه الرواية.
الرواية التاريخية بين الواقع والمتخيل: قراءة نقدية لرواية جهنگشاي:
تستخدم رواية جهنگشاي القالب التأريخي في متخيل درامي لتبرز شكلًا من أبرز الأشكال الأدبية التي تسعى لإحياء الأحداث التاريخية وتقديمها في قالب سردي يمزج بين الحقيقة والخيال.
في هذا السياق، تأتي “جهنگشاي” لتسلط الضوء على إحدى أكثر الفترات إيلامًا في التاريخ الإسلامي، وهي فترة سقوط بغداد على يد المغول في عام 1258. تمتاز الرواية بقدرتها على تجاوز الاعتقادات الشعبية السائدة وإعادة استقراء واستنطاق التاريخ بطرق معصرنة تتعدى حدود الروايات التقليدية النمطية (استريوتايب).
وحسب الدكتور خالد عبد الرؤوف الجبر، أن أهم عناصر هذا النمط هو إيهام القارئ بأن ما في الرواية حقيقيّ تمام، وموثوق لا حاجة إلى الجدال فيه، ويُتخذ الإيهام مدخلًا للسرد ولهذا فهو عنصر أساسي في بنية جهنگشاي وبنائها؛ وثاني أهم عناصرها يمكن في لغتها التي تسعى إلى تعدد الأصوات؛ فاللغة تبدو فيها بوليلوجيّة لا منولوجية، رغم وجود النمطين بالتوازي داخل بعض المشاهد، كل على حدة، حيث تدعم هذه اللتعددية الصوتية للشخوص مبدأ إيهام القارئ بأن السارد غير متسلط عليم تحكمي يفرض على شخوص روايته أفكاره الخاصة به، ويُحمِّل ألسنتهم لسانه وأسلوبه. وثالث أهم عناصرها أنّها تناقش مرحلة تاريخية بعينها، وتقصد إلى إثارة الشك حول وقائع واعتقادات هي إلى حد كبير تُعدّ مسلمة، وهذا هو الجانب الفكري المعرفي فيها.
الرواية التاريخية وتجسيد التاريخ:
تتمثل أهمية رواية “جهنگشاي” في أنها استطاعت استحضار أحداث تاريخية حتمًا مهملة ومنسية، وجعلتها حية في الذاكرة الجمعية من خلال السرد الروائي. في هذه الرواية يرتكز السرد على فترة سقوط بغداد، ويستعرض كيف أن هذا الحدث كان له تأثيرات عميقة لم تُذكر أو يفصح عنه في المصادر التقليدية المستنسخة من بعضها البعض. تُعيد الرواية إلى الأذهان الأوجاع والآمال التي كانت سائدة خلال تلك الحقبة، مما يساعد القارئ على فهم أعمق للتاريخ وأثره على الذاكرة الثقافية. ولنتفحص المقطع التالي الذي يتجلى فيه التماثل كأداة سردية رئيسة في الربط بين أحداث التاريخ والمتخيل السردي:
“أعلم أن كلماتي ستصل إليك قلقة بقدر القلق الذي احتويه في نفسي وأنا أكتب إليك، وأعلم أن بعضها سيكون مزعجًا لك وسيثير شوائب الغضب منك تجاهي، وأعلم أنني لو وقفت بين يديك وأنت تقرأ لقتلتَني بلا شك ولكنتَ محقًا وعادلًا لا مجرمًا مثلي. ولكن أنّى لي أن تستريح نفسي إن لم أكتب إليك هذه الكلمات، إنني أنزف الآن، أنزف دمائي ودموعي وقهري وكل عجزي في هذه الورقات. وأرجو منك يا سيدي أن تقرأني وأنت تقرأ رسالتي، وأن تغفر لي ما جنيته في حقك وفي حق نفسي المحترقة.
ولكي أبسط الفكرة للقارئ، ففي النقد الأدبي، يشير “التماثل” إلى تفاعل القارئ مع الشخصيات والأحداث في النص، مما يعزز فهمه وتجربته للعمل الأدبي. يتضمن التماثل التعاطف، حيث يشعر القارئ بتواصل عاطفي مع الشخصيات، والتشابه الشخصي، الذي يعزز الاتصال بالنص من خلال تجارب الشخصية. الأبعاد النفسية للتماثل تشمل الاستجابة العاطفية، التي تثير مشاعر مثل الفرح أو الحزن وتساعد القارئ على الغمر في عالم الرواية، والتفكير التأملي، الذي يعزز من قدرة القارئ على تحليل النص من خلال التأمل في تجاربه الشخصية. يتجلى التماثل في النصوص الأدبية عبر تصوير الشخصيات بطريقة تجعل القارئ يشعر بالتواصل معها، والأحداث التي تعكس تجارب شائعة يمكن التعاطف معها، واللغة والأسلوب الذي يعمق تجربة القارئ. بالتالي، يعزز التماثل من تفاعل القارئ مع النصوص الأدبية، مما يسهم في فهم وتجربة النص بشكل أعمق.
أهمية أسلوب السرد في رواية جهنگشاي:
إن السرد التاريخي عموماً يجيب على حاجة إنسانية عميقة وفطرية، وهي رغبة استكشاف أحداث ماضية قد تكون غامضة أو بعيدة المنال. يتمثل هذا الشغف في رغبة الإنسان الملحة لفهم أصول الأشياء والظواهر البشرية التي شكلت التاريخ. في هذا السياق، تأتي هذه الرواية التاريخية لكاتبها مبارك كأداة معرفية توثيقية لتقدم تجربة قراءة فريدة، حيث تجمع بين المعرفة الأكاديمية والمتعة الأدبية.
تتمثل أهمية جهنگشاي في أنها استطاعت على الجمع بين المعلومات والخيال بطريقة تسهم في إحياء الأحداث التاريخية وجعلها ماثلة في أذهان القارئين. هذه الرواية، بفضل تقنياتها الأدبية واللغوية، تقدم بديلاً معرفيًا معاصرًا للأشكال التقليدية في دراسة التاريخ، وكلنا يعرف الصراع بين المؤرخين وبين كتاب الرواية التاريخية ولا مجال للحديث عنه في سياق المقال، لكن نعود لنثبت أن تسهم في تعميق فهمنا للعالم الذي نعيش فيه أو العالم المحكي بامتداداتهما المختلفة. من خلال استخدامها لتقنيات السرد المتقدمة، فهي تفتح أبوابًا جديدة لاستكشاف قضايا الإنسان المتنوعة وتجربته عبر الزمن. وهنا جدير بأن نقارن الماضي بالحاضر، الخرطوم واجتياحها من قبل الأشاوس ببغداد العباسية، وأن نستحضر الصراع في الأراضي المقدسة، وكلها أمثلة وتجارب تتصل في سياق ما ببعضها البعض، والقائمة طويلة لمن أراد إليها سبيلًا.
ومما سبق ذكره يمكن أن نستنتج أهمية الرواية التاريخية، فهي ومن خلال قدرتها على تقديم أحداث الماضي بشكل ملموس ومؤثر، تتيح لنا فرصة لفهم أعمق للحقائق التاريخية والإنسانية.
بفضل قدرتها على استخدام الأدوات الفنية واللغوية بفعالية، تظل الرواية مرصداً حيوياً يتيح لنا احتضان الحياة الإنسانية بكافة أبعادها وتجلياتها، مما يساهم في تعزيز وعي القارئ وإثراء تجربته الثقافية والفكرية. (قارن: د. رزان محمود إبراهيم: الرواية التاريخية بين الحوارية والمتخيل: 36-46).
اللغة والأسلوب:
من أهم عناصر اللغة في هذه الرواية أنها اعتمدت على اللغة الشعرية أو الشاعريّة، إن صح التعبير، لغة للسرد في مقاطع كثيرة منها، وهي في الحقيقة حيلة أخرى من الحيل التي لجأ إليها الكاتب لاستلاب القارئ، بحيث يقف مندهشا أمامها.
النص يشتمل على لغة غنية ومؤثرة تعزز من تجربة القراءة. استخدام أوصاف مثل “دقّات صاخبة” و”عصفةِ هواءٍ” يخلق صورًا حيوية تعكس التوتر والدراما. وصف المرأة التي تحمل الصندوق يظهرها ككيان غامض وعابر، مما يساهم في تعزيز الغموض حول مصدر الرسالة وحقيقتها. كذلك، استخدام “البرقع” يشير إلى عنصر من عناصر الغموض والاحتجاب، مما يزيد من عمق الشخصية ويعزز من تأثيرها.
والإبداع اللغوي في هذا العمل له وظيفتان في ان واحد: وظيفة الاستلاب بالإدهاش، ووظيفة تمرير الحمولة المعرفية وتسويغ الفكريّ. وتكمن جماليات لغة الرواية أنها لا تقتصر على شاعريتها فحسب لكن على تكوينها العام في النسج المتناغم بين النمطين، وثانيهما البلاغي الرفيع. وهاذان الوجهان مفعلان في داخلها بغية توظيفهما كعنصر جماليّ أبداعي لتمرير الفكريّ.
فاللغة هي أساس كل عمل أدبي، وتعتبر في الأدب وسيلة رئيسة لتشكيل التجربة الإنسانية وتقديمها بشكل فني. ففي رواية “ذئب السهوب” لهرمان هيسه، تصبح اللغة تجربة جمالية بحد ذاتها كما في العمل الذي نحن بصدده الآن، إذ يمزج هيسه بين الوصف الشعري والتأملات الفلسفية ليصور التمزق الداخلي لبطل الرواية هاري هالر، كما هي الحال في النزاعات الداخلية لجويتار وتجلياته المختلفة. فاللغة الشعرية والعميقة لزياد مبارك كما لهيسه تتيح للقارئ الاندماج في الأسئلة الوجودية والصراعات الداخلية للشخصية الرئيسية. استخدامه للمجازات والاستعارات يخلق نصًا غنيًا بالدلالات والمعاني، مما يرفع من قيمة العمل الأدبي ويمنحه بعدًا تأمليًا فلسفيًا.
الصورة الذهنية والرمزية:
الصندوق الخشبي من السنديان والرسائل المرفقة به تشكل رموزًا هامة في النص. الصندوق يمثل حاملًا للأسرار والمشاعر المكبوتة، بينما الطروس الأربعة المكتوبة بخط اليد تعكس جانبًا من الثراء الثقافي والتاريخي للشخصية التي أرسلت الرسائل. الرمزية في النص تظهر من خلال استخدام العناصر المادية لنقل التجربة العاطفية العميقة.
البنية النصية.. البنية الزمنية:
النص يبدأ بحدث مفاجئ “في بكور أحد الأيام” ثم ينتقل إلى ردود الفعل والتفاصيل الداخلية. هذه البنية الزمنية تعكس الانتقال من حالة الاسترخاء إلى حالة الانزعاج والاندهاش، مما يعزز من تأثير الحدث المفاجئ على القارئ. يلعب الزمن دورًا محوريًا في الرواية، حيث يمزج بين الواقع والأحلام والتأملات الفلسفية، مما يعزز من عمق التجربة القرائية ويوفر منظورًا إضافيًا لتفسير الأحداث التاريخية. مدهش أيضًا أن الكاتب يسوق الزمن ويضبطه بدقة، يجعله متسارعًا تارة ومتباطئًا تارة أخرى فضلًا عن ضبطه الإيقاعيّ وتسلسله الكرونولوجي، دياكرونيًا وسنكرونيًا.
التسلسل السردي:
السرد يتحرك من العرض الخارجي إلى الانغماس في المشاعر الداخلية. الانتقال من وصف المرأة إلى وصف الصندوق ثم قراءة الطروس يتبع مسارًا منطقيًا يعكس كيفية تأثير الأحداث الخارجية على الحالة النفسية للراوي.
ففن السرد هو جوهر الرواية، حيث يتطلب مهارة في تنظيم وتطوير القصة والشخصيات والأحداث بطريقة تجعل القارئ مشدودًا ومهتمًا. مثال كلاسيكي على فن السرد المتميز هو رواية “مئة عام من العزلة” لغابرييل غارسيا ماركيز. يتقن ماركيز تقنية الواقعية السحرية ويمزج بين الواقع والخيال في ملحمة عائلية، كما في ملاحم جويتار في حلبات صراعته تارة كآذاد وتارة أخرى كجويتار، ومن قبل كحسن أو فيما بعد كمستوفي الديوان.
التوظيف الرمزي:
المرأة والبرقع: المرأة التي تحمل الصندوق وتختفي بشكل مفاجئ تعزز من الغموض والرمزية في النص. البرقع الذي يغطي وجهها يمثل الحجاب والستر، مما يعكس طبيعة الرسالة التي تحملها ويضيف عنصرًا من الغموض حول نواياها ومصدرها.
الصندوق والطروس: الصندوق الخشبي يمثل وسيلة لنقل المعلومات والرسائل، ويعكس بشكل رمزي الحماية والأمانة التي تعهدت بها الرسائل المرسلة. الطروس الأربعة المكتوبة بخط اليد تعكس الروحانية والتقليدية، مما يعزز من وقع الرسائل كوثائق ذات أهمية خاصة.
العناصر النفسية:
الحيرة والدهشة: الراوي يشعر بالدهشة والحيرة من ظهور المرأة المفاجئ، مما يعكس الحالة النفسية المشوشة التي يمر بها. هذا الشعور بالضياع والتساؤل يعزز من تأثير الرسائل ويجعل القارئ يشارك الراوي في التجربة العاطفية.
التأثر العاطفي: قراءة الطروس الأربعة تثير مشاعر عميقة من الحزن والتأمل، حيث يُعبر الراوي عن “بكاءَ عمرٍ بأكمله”. هذا التأثير العاطفي يعكس تأثير الرسائل على النفس البشرية، ويكشف عن عمق المشاعر المرتبطة بالأحداث التاريخية والشخصيات المرسلة.
الأثر الدرامي: ينقل النص إحساسًا قويًا بالدراما والتشويق من خلال تقديم حدث مفاجئ وإثارة الغموض حوله. الإيقاع السردي يسهم في بناء التوتر، ويدفع القارئ للتساؤل عن مغزى الرسائل ومحتواها وتأثيرها على الراوي.
إن هذا النص ما هو إلا انموذجًا بديعًا لاستخدام الأدوات السردية والرمزية في التعبير عن تجربة إنسانية عميقة. من خلال أسلوب سردي مؤثر ولغة غنية، يُقدم النص حالة من التوتر والدهشة التي تنعكس على الحالة النفسية للراوي. التوظيف الرمزي للصندوق والطروس والمرأة يعزز من معنى الرسالة ويزيد من عمق التجربة القرائية. النص يسلط الضوء على كيف يمكن للأدب أن يستخدم الرموز والتفاصيل لنقل تجارب ومشاعر إنسانية عميقة، ويعكس قدرة الأدب على استكشاف الجوانب النفسية والتاريخية للأفراد. فالأحداث التي انتُقيت ونُحيّت سياقاتها لا يمكن لها أن تبدو متسقة منسجمة في البنية الحكائية للرواية، إلا إذ أدخلت في سياقات جديدة تجعلها متصلة منسجمة.
استحضار التاريخ عبر المتخيل السردي:
تستحضر رواية “جهنگشاي” التاريخ من خلال التوظيف الفني الدقيق لعناصر السرد. في الرواية، يُقدّم التاريخ ليس كمجرد خلفية للأحداث، بل كعنصر ديناميكي يؤثر ويتفاعل مع الشخصيات والأحداث. يعمد الكاتب إلى استحضار التاريخ عبر المتخيل السردي من خلال عدة تقنيات أساسية:
تكسب الرواية التاريخية عمقًا ومصداقية من خلال الدمج الدقيق للمصادر التاريخية. القدرة على إعادة خلق فترة تاريخية بشكل موثوق تعتبر تحديًا كبيرًا للكاتب. رواية “الحرب والسلام” لليو تولستوي تمثل مثالًا مثاليًا لهذا النهج. يستخدم تولستوي أبحاثًا تاريخية مفصلة لتصوير الحروب النابليونية وتأثيراتها على المجتمع الروسي كما عمد مبارك في البحث الدؤوب للفترة الإيلخانية في العصر العباسي والتقارب بين الكاتبين جدير بالتمعن، في سياق كلا الروايتين.
الاستذكار والاستباق الزمني:
يتمكن الكاتب من استخدام هذه التقنيات لتسليط الضوء على المشهد التاريخي من خلال وصفه المفصل للأحداث السابقة واللاحقة، مما يتيح للقارئ فهم تطورات الأحداث من زوايا متعددة.
“سقط الطرس من يدي وانتفضت قائمًا بهلع، الظافر يذكر اسم ابنتي وحفيدي! هرعت إلى الباب ببدني العاري وإزاري المعقود في حَقْوي. كان أول ما خطر في بالي أن أتوجه إلى الديوان وأخنق الظافر قبل أن أكمل طروسَه وأعرف ما فيها.”
فالأوصاف الواقعية للأحداث التاريخية والتعمق في تصوير الشخصيات لدى مبارك كما في المقطع أعلاه، كما لدى تولستوي في بعض مقاطع رواية “الحرب والسلام” تضفي على الرواية مصداقية وعمقًا لا مثيل لهما. والنقد الأدبي يثني على هذه القدرة لتولستوي في مزج الحقائق التاريخية مع السرد الروائي، مما يخلق نصًا غنيًا بالمعرفة والتجربة الإنسانية.
الأدوات الفنية والتقنيات الروائية:
تمتاز “جهنگشاي” باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات الفنية والتقنيات التي تعزز من مصداقية الرواية وتجعلها أكثر إقناعًا للقارئ:
الأسلوب السردي: يُستخدم أسلوب السرد بفاعلية في بناء الأحداث وتجسيد الشخصيات، مما يعكس العمق النفسي والمعنوي للتجربة التاريخية. يساهم الأسلوب في خلق تواصل عاطفي بين القارئ والأحداث.
التفاصيل الدلالية والجمالية: يعتني الكاتب بتفاصيل دقيقة تعزز من الواقعية وتقدم رؤية غنية للأحداث. من خلال استخدام لغة مؤثرة ووصف دقيق للمشاهد، يتمكن القارئ من استشعار الأجواء والظروف التاريخية بشكل مباشر.
الشخصيات وتطويرها: تُعتبر الشخصيات في الرواية تجسيدًا للروح الإنسانية خلال فترة سقوط بغداد. تتسم بالعمق والتعقيد، مما يجعلها قادرة على نقل المشاعر والأفكار المتعلقة بالحقبة التاريخية.
رواية “جهنگشاي” تعتبر نموذجًا متقدمًا للرواية التاريخية التي تتجاوز حدود السرد التقليدي لتعيد كتابة التاريخ بطرق جديدة. من خلال توظيف التقنيات السردية المتقدمة والأدوات الفنية المتنوعة، تنجح الرواية في تقديم قراءة جديدة للحدث التاريخي الهام وتأثيره على الذاكرة الثقافية. تسعى الرواية إلى إعادة إحياء التاريخ وجعله جزءًا حيًا من الذاكرة الجماعية من خلال المتخيل السردي، مما يفتح أمام القارئ آفاقًا جديدة لفهم الأحداث التاريخية وتقديرها بشكل أعمق.
قوة الرواية: البلاغة، اللغة، المصادر التاريخية وفن السرد، استخدام مبارك للاستعارات والتأملات الفلسفية يعزز التأثير العاطفي لسرده، حيث يخلق تفاعلًا حسيًا وذهنيًا مع القارئ. كما الكاتب فوكنر يدمج في روايته عدة أصوات ورؤى، مما يعكس تعقيد الحياة الإنسانية وهشاشتها. هذا التنوع في الأسلوب البلاغي يعمق من فهم القارئ للشخصيات والموضوعات المتناولة.
المونولوج والبوليولوج في رواية جهنگشاي:
في رواية “جنكيشاي”، تجسدت براعة السرد الأدبي من خلال الاستخدام الماهر لتقنيات المونولوج والبوليولوج، مما أضفى عمقًا وتنوعًا لا مثيل له على القصة. تميزت الرواية بقدرتها الفريدة على استعراض الأبطال بأسماء وسمات وأصوات مختلفة، متمكنة بذلك من بناء عالم متكامل يتناغم فيه كل عنصر بعناية فائقة.
استخدام المونولوج:
في “جهنكشاي”، استُخدم المونولوج كأداة رئيسية لتطوير الشخصيات وكشف أبعادها الداخلية. من خلال المونولوجات الداخلية، يُتاح للقارئ الدخول إلى عقول الشخصيات وفهم دوافعها وصراعاتها النفسية بعمق. هذه المونولوجات ليست مجرد أفكار عابرة، بل هي نوافذ مفتوحة على التحولات النفسية والعاطفية التي تمر بها الشخصيات، مما يجعلها أكثر إنسانية وقربًا من الواقع. على سبيل المثال، نرى شخصية جوتيار، الكُرديّ الذي نشأ في جبال الديلم، وهو قاتل وحشاش، يواجه صراعًا داخليًا حين يصحو ضميره. المونولوج الداخلي الذي يعكس صوتًا صارخًا في رأسه يوضح بشكل جلي هذا الصراع الداخلي، حيث قال في الاجتماع إنه لا يدري إن كان هو ضميره أم لا. هذا يعمق فهم القارئ لشخصيته ويعرض تحولات نفسية معقدة.
تنوع الشخصيات:
الرواية تتألق بتقديم أبطال متعددين بأسماء وسمات مختلفة، حيث يعكس كل اسم خلفية ثقافية واجتماعية فريدة. هذا التنوع لا يقتصر على الأسماء فقط، بل يمتد ليشمل السمات الشخصية والأصوات المميزة لكل شخصية. هذه الأصوات الفريدة تعبر بصدق عن تجارب حياتية متفاوتة، مما يتيح للقارئ تمييز الشخصيات بسهولة وفهم وجهات نظرهم المختلفة. في حالة جوتيار، نجد أن تعدد أسمائه وسماته يضيف بعدًا إضافيًا إلى شخصيته، ويعكس الصراعات الداخلية والخارجية التي يعيشها.
شخصية العيار (/)
في عتبة تقديم الشخصيات للقارئ، يتعرف القارئ على نبذة موجزة توضح من البداية دور العيار كشخصية راوية مشاركة في أحداث الرواية: “(/): راوٍ عليم، عيّارٌ التحق بشرطة بغداد بعد سقوط المدينة، تلصّص عليهم مرهفًا سمعه، ودوّن في صحيفةٍ يحملها العيون والعسس محضر الاجتماع، فضّل أن يُشار إليه بشرطةٍ مائلة لإخفاء نفسه، (هكذا: /)، وحتى لا يلتبسُ شخصُه مع الراوي العليم الذي ورث مهنة السرد عن أسلافه الرواة.”
يروي العيار مشهد اقتحام المغول لبغداد: “أكان لما حدث، ألّا يحدث؟! لا أدري، ومن يدري؟ لا أحد. فقط حدث ما حدث وقُضي الأمر. لأهل بغداد الرحمة. اجتاح المغول المدينة كالسيل الجارف، وَطِئُوها بحوافر خيلهم التي لا تُحصى، وَطِئُوها كما تطأ قُدَمٌ ضخمةٌ رمّانةً صغيرة”. وبعد احتلال المغول للعراق يرجع العيار إلى بغداد ولكنه يصدم بصاحب الشرطة القوي الجاهر بأمر الله:
“وفي ليلةٍ ليلاء، عبوس نحس، هجم عليّ جند أشداء من شرطة بغداد وحملوني كما يحملون جولقًا من القاذورات، وألقوا بي تحت قدمي أبي المنذر الجاهر بأمر الله، صاحب شرطة بغداد. أعني صاحب السيرة الرهيبة والبأس الشديد، عزرائيل الذي ضلّ طريقه من بين الملائكة إلى دار الشِحْنَة، ليتعقّب العيّارين والشطّار واللصوص بسطوتِه العاتية وجندِه أولي البأس.
وعندما سمعتُ الجندي يقول وأنا مطروحًا على الأرض ومُدَاسًا بأقدامهم: “يا سيدي الجاهر بأمر الله؛ هذا هو العيّار الوغد، عريف الغوغاء والأوباش الذي تجرأ ودخل دار الشِحْنَةِ بقدميه”، وهو يفركُ حذاءَه على رأسي، أيقنتُ بالهلاك، وتمنيت أن يكون سريعًا بسيفٍ ماضٍ يضربُ عنقي وألا يضعوني على الدوشاخة لتعذيبي واستنطاقي”.
وبعد تحقيق الجاهر مع العيار يكتشف مقدراته الفريدة كجاسوس بارع فيقرر الإبقاء عليه حياً ليكون عيناً له على صاحب الديوان، يقول العيار: “وهكذا أفضى هذا اللقاء بعينيّ وأذنيّ إلى أزقّة بغداد ودُورها وقصورها وحدائقها وجسورها وأسواقها ومحلّاتها أترصُّدُ الأحاديثَ الهامسة والتدابير المستورة والنيّات المخبأة في الصدور. أعني صرتُ عينًا لأبي المنذر، فهو لم يتركني حيّاً إلا لأن براعتي في التجسّس راقَتْ له. بل كان في حاجةٍ إلى مثلها، لديه الأعوان وأصحاب الأخبارِ والمطالعاتِ، والمُتنصِحون من معُونةِ الشـُّرْطَة، والتوّابون من المجرمين، ولكنهم ليسوا مثلي”.
وهكذا يتناوب السرد بين عدة رواة يروون في أزمنة مختلفة، وأمكنة مختلفة: جبال الديلم شمال إيران، وبغداد، ودمشق. أما الراوي العيار (/) يُضفي بُعدًا إضافيًا من الغموض والتشويق إلى السرد، حيث يراقب الأحداث بدقة ويقدمها من زاوية مختلفة، مما يثري الرواية بتفاصيل دقيقة وملاحظات ثاقبة.
البوليولوج وتعدد الأصوات:
استخدم الكاتب تقنية البوليولوج ببراعة لإضافة بعد ديناميكي إلى السرد. من خلال الحوارات المتعددة الأصوات، تُقدّم الشخصيات تفاعلاتها بواقعية مذهلة، مما يعكس التعقيد الحقيقي للعلاقات الإنسانية. هذه الحوارات ليست مجرد تبادل للكلمات، بل هي ساحة للتفاعل الحي، حيث تتقاطع وجهات النظر وتتباين، مما يعزز من واقعية الرواية وعمقها. في حالة جوتيار، يمكن للحوارات المتعددة الأصوات أن تظهر تفاعلاته مع الشخصيات الأخرى وتعرض كيفية تأثير صراعاته الداخلية على هذه التفاعلات.
مثال على المونولوج الداخلي:
داخل رأس جوتيار، تشتعل صراعات نفسية حادة تنعكس في مونولوج داخلي قاسٍ: “لماذا تزرع هذه الحشائش؟! يداك هاتان لا تجيدان غير ترويع الأبرياء وسفك الدماء. إن محرقة الله تنتظر روحك الشقية أيها الشيطان الآثم. لماذا تزرع الأعشاب التي يتداوى بها المرضى؟! ستفتك بهم بعد أن يشفوا على كل حال. لذا توقف عما تفعله واقتلهم، أرِحهم من الآلام لعلك تنال أجرًا على خلاصهم أيها الرحيم! هيا، مالك تصغي كالأبله وتجمد مثل الصنم كأنك لا تفهم ما أقوله لك؟ هيا إلى مهنتك التي تجيدها أيها الملعون. هيا امضِ في طريق الشر وانثر من زنْبيل شؤمك على رؤوس الأبرياء والصغار. أسهوتَ عن جرمك الذي اهتزت له أعمدة السماء؟! أنسيتَ مرأى البنت الصغيرة التي أزهقت روح أبيها؟! ألا تذكر صرختها حين تسربلَ وجهها برشاش دم أمها؟! عليك لعنة الله والناس أجمعين.”
التأثير النقدي:
تظهر “جهنكشاي” كعمل أدبي متكامل يعكس نضجًا فكريًا وأدبيًا عميقًا. استخدام المونولوجات يساهم في بناء شخصيات متعددة الأبعاد، مما يمنح القارئ تجربة نفسية غنية ومعقدة. أما تنوع الأسماء والسمات والأصوات فيخلق عالمًا سرديًا متشابكًا يعكس التنوع البشري بكل أبعاده. تقنية البوليولوج تضيف بعدًا اجتماعيًا وحواريًا يعزز من التفاعل والتواصل بين الشخصيات، مما يجعل السرد أكثر تشويقًا وحيوية.
بفضل هذه التقنيات السردية المبتكرة، تقدم رواية “جهنكشاي” تجربة قراءة فريدة من نوعها. إنها ليست مجرد قصة تُروى، بل هي رحلة عميقة في نفوس الشخصيات وعلاقاتها، حيث يتداخل المونولوج مع البوليولوج ليخلق نسيجًا أدبيًا متكاملًا يترك أثرًا لا يُنسى في ذاكرة القارئ. شخصية جوتيار، على وجه الخصوص، تجسد هذا التداخل ببراعة، حيث تظهر صراعاته الداخلية والخارجية بشكل يجعله رمزًا للإنسان المعاصر في مواجهته مع ضميره وأفعاله. رواية “جهنكشاي” تثبت أن الأدب قادر على استيعاب التعقيدات الإنسانية وتقديمها بأسلوب بليغ ونقدي قوي، مما يجعلها علامة فارقة في عالم الأدب المعاصر.
خاتمة:
تتمير السردية الجهنگشايّة بجمالياتها الخاصة التي تتجلى في الوصف التفصيلي والحوار البوليلوجي الحيوي، ويشترك في العديد من الأساليب الأدبية مع نصوص عالمية. من خلال استخدام الوصف الدقيق، وتقديم الشخصيات المتعددة، استكشاف المشاعر الداخلية، يقف النص جنبًا إلى جنب مع أعمال أدبية عالمية شهيرة، مما يعكس عمق الأدب العربي وقدرته على تقديم تجارب إنسانية غنية ومؤثرة.
رواية “جهنكشاي” تعد نموذجًا يُحتذى به في السرد العصري والحديث، حيث تمثل تيارًا متجددًا في كتابة الرواية بشكل عام والرواية التاريخية بشكل خاص. تتناغم فيها الفنون السردية الراقية والمتقنة مع العمق الفلسفي والدقة التاريخية والمهارة اللغوية، مما يشكل عملًا أدبيًا يتجاوز حدود الزمن والثقافة. هذه الرواية ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي رحلة أدبية تمزج بين الحقائق التاريخية والتأملات الفلسفية في إطار لغوي بديع، مما يجعلها علامة فارقة في الأدب المعاصر.
أعلم بأن مقالي هذا ناقص من العديد من الجوانب النقدية أولًا لضيق المساحة في إطار مقالي صحفيّ، ثانيا لعمق الرواية وتعدد جوانبها الجمالية التي لا تحصى ولا تعد، وهي جديرة بأن تكون محل أطروحة ماجستير أو دكتوراة في مجال النقد الأدبي.
أتمنى للكاتب زياد مبارك مزيدًا من التألق والنجاح في مسيرته الأدبية. وهو قد سطر بهذه الرواية تاريخيًا يشار إليه بالبنان.
تعليق واحد