تقاريرسياسة
أخر الأخبار

تسوية الملف الايغوري بين سوريا والصين.. خطوة نحو الاستقرار أم ضغط دبلوماسي؟

يرى مراقبون أن خطوة التسليم إذا تمت، ستمثل تحوّلاً لافتاً في علاقة دمشق وبكين، وقد تشكّل ورقة استراتيجية للطرفين

تتجه الحكومة السورية نحو فتح واحد من أكثر ملفات الحرب تعقيداً، مع استعداد دمشق لتسليم مقاتلين الايغور إلى الصين في مرحلة وصفت بالمفصلية في مسار إعادة ترتيب المشهد الأمني.

وبحسب مصدر دبلوماسي في العاصمة السورية، فإن نحو 400 مقاتل يجري التحضير لترحيلهم إلى بكين خلال الفترة المقبلة، في إطار تفاهمات سياسية وأمنية تتزامن مع زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى الصين.

مصادر حكومية سورية أكدت أن الملف مطروح بقوة على جدول محادثات الشيباني، مشيرة إلى أن عملية التسليم ستجري على دفعات وبطلب مباشر من الجانب الصيني، بعد رفض بكين مقترحاً سورياً يقضي بإدماج هؤلاء المقاتلين ضمن وحدات الجيش الجديد الذي تعمل دمشق على تشكيله في مرحلة ما بعد الحرب.

وينظر إلى ملف المقاتلين الأجانب في سوريا بوصفه أحد أكثر التحديات حساسية، في ظل رفض دول عديدة استعادة رعاياها الذين انخرطوا في القتال خلال سنوات الصراع.

ويعتبر الايغور من بين أبرز تلك المجموعات، إذ انتمى معظمهم إلى الحزب الإسلامي التركستاني الذي شارك في معارك عنيفة إلى جانب فصائل المعارضة المسلحة، خصوصاً في إدلب قبل إعادة هيكلة القوى العسكرية هناك.

ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان عدد المقاتلين الأويغور الذين وصلوا إلى سوريا منذ اندلاع الحرب بين 3200 و4000 عنصر، تم دمجهم جميعاً لاحقاً في وحدة خاصة داخل ما يُعرف بالجيش الجديد بعد إعلان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع حلّ كل الفصائل المسلحة.

في بكين، أكدت الخارجية الصينية دعمها لجهود إحلال الاستقرار في سوريا، معلنة استعدادها للمساهمة في “تعزيز الأمن وإعادة الإعمار وفق ما يقرره الشعب السوري”.

وشدّد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال لقائه الشيباني، على دعم بلاده لمسار الحل السياسي وتشجيع اندماج دمشق التدريجي في محيطها الدولي، بما يتيح إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق رؤية مشتركة.

ويرى مراقبون أن خطوة التسليم إذا تمت، ستمثل تحوّلاً لافتاً في علاقة دمشق وبكين، وقد تشكّل ورقة استراتيجية للطرفين، فالصين تسعى إلى تقويض نشاط العناصر الايغوري الذين تعتبرهم تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فيما تحاول سوريا إغلاق ملفات إرث الحرب الثقيلة للوصول إلى صيغة استقرار دائم، داخلياً وخارجياً.

وفي ظل غياب موقف دولي موحد بشأن مصير المقاتلين الأجانب، تبدو العملية المقبلة اختباراً جديداً للمعادلات التي تتشكل في سوريا بعد أكثر من عقد من الصراع، وما إذا كانت التحالفات الجديدة قادرة على رسم مسار مختلف عن السنوات الماضية.

ويكشف هذا الملف عن تداخل ثلاثة أبعاد رئيسية الأمن القومي، والسياسة الداخلية، والجيوسياسية.

أولاً، تسليم المقاتلين الايغور يعكس حرص بكين على تفادي أي نشاط معادٍ لأمنها خارج حدودها، خصوصاً بعد ارتباط بعضهم بفصائل مسلحة في سوريا.

ثانياً، يمثل هذا الإجراء لدمشق فرصة لإغلاق ملف المقاتلين الأجانب وتقليص الأعباء الأمنية واللوجستية، مع تعزيز صورتها أمام المجتمع الدولي بأنها قادرة على إدارة الملفات الحساسة.

ثالثاً، تعكس الخطوة توطيد العلاقات السورية-الصينية، وتمنح بكين ورقة تفاوضية استراتيجية في محيط دولي متغير، بما يشمل مشاريع إعادة الإعمار والاستثمارات الاقتصادية.

في المحصلة، يظهر هذا الملف كيف تحولت الحرب السورية من ساحات قتال إلى مفاوضات دبلوماسية معقدة، حيث تتقاطع المصالح الوطنية والدولية، ويعد التسليم المتوقع للأويغور نموذجاً لكيفية تعامل دمشق مع الملفات الحساسة مستقبلاً، في إطار السعي لإعادة ترتيب أوراقها داخلياً وخارجياً.

https://anbaaexpress.ma/52yme

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى